رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى معنى التصدى لإسرائيل

دون شك فإن اللحظة الراهنة لحظة فوران كبير.. هناك تصاعد فى الأحداث يصاحبه رواج فى كل ما يتبع الحدث، الأخبار، التحليلات، المشاعر الصادقة، المشاعر المزيفة، المزايدات، الإحساس بالفخر، الإحساس بالعجز، الإحساس بالتعاطف، الإحساس بالتضامن، إدانة المعتدى الغاشم، إدانة الضحية باعتبار المقاومة هى التى أدت لاستثارة العدوان.. إلخ.. سوق كبيرة جدًا يبيع كل طرف فيها بضاعته.. المزايدون معروفون.. اللجان التى تتحدث لمصلحة العدو معروفة «بما فيها تلك التى تسعى للتصعيد معه وهى تابعة له فى الباطن».. الخونة معروفون.. الذين يهاجمون حماس لحساب فلان أو فلان معروفون.. وكذلك أصحاب الآراء الصادقة معروفون.. ما يهمنى هنا هو المواطن المصرى العربى الشريف.. أصل البلد وعزوتها وأساس وجودها.. المصرى الشريف الذى يتضامن مع أخيه الفلسطينى بكل صدق استجابة لروابط الدين والعروبة والجيرة والإنسانية.. هذا المواطن هدف لذباب إلكترونى من هنا وهناك.. ضباع الإخوان فى فنادق أوروبا يزايدون على الدولة المصرية صباح كل يوم وكأنهم يتلقون الأوامر من الموساد بشكل مباشر «غالبًا بشكل غير مباشر» لكنهم يتلقون وينفذون.. هؤلاء يستهدفون المواطن المصرى الشريف صاحب النخوة، وأنا أكاد أجزم أنهم عملاء صريحون لإسرائيل يجمعها بهم العداء للدولة المصرية ولعموم الشعب المصرى.. إلى جانب الذباب الخائن.. هناك المواطن العربى «الجاهل».. هذا مواطن طيب.. غالبًا غير متعلم.. لا يعرف «الله وين حاطه»، كما يقول إخواننا فى سوريا.. مواطن لديه قشرة بسيطة من التدين وكثير من العواطف.. وهو تربّى على أن مصر هى الكبرى وأنها هى التى يجب أن تحارب.. ولأن فكرته عن الحروب مصدرها معارك العصور الوسطى فهو يتخيل أن الجيش المصرى يجب أن يزحف برًا وجنوده يحملون السيوف والدروع.. أو أن مصر تحديدًا يجب أن تفتح لهذا المواطن الحدود حتى يذهب بنفسه دون تدريب ولا تسليح ليحرر القدس.. هذا مواطن متحمس.. لكنه جاهل.. لا يدرك أن طائرة واحدة يمكن أن تبيد عشرات الآلاف من الأفراد ما لم يتوافر لهم غطاء صاروخى وجوى.. ولا يدرك أن الحرب اختلفت تمامًا، وأنها تدار ببرامج السوفت وير.. وأنه يمكن لفتاة صغيرة فى غرفة مكيفة أن تضغط زرًا فى كمبيوتر عادى فتفتح نيرانًا وتطلق مدافع وتحرك طائرات ودبابات وتفجر ألغامًا.. وهو لا يدرك أيضًا أن هناك عدة جبهات للوصول لإسرائيل بعيدًا عن مصر التى تقوم بكل ما يجب.. هناك جنوب لبنان وشمال سوريا وهناك البحر المتوسط وهناك الجو.. إلخ، هذا إذا سلمنا بأن هذه هى الطريقة الوحيدة للحروب.. ولنترك هذا المواطن العربى الذى لا يعنينا فى شىء، سواء كان طيبًا أو شريرًا، ونرجع للمواطن المصرى.. ابن البلد.. سيدنا وتاج راسنا.. هذا المواطن يجب أن يعرف أن هناك فرقًا بين أن تتصدى مصر لإسرائيل، وبين أن تعلن مصر الحرب على إسرائيل.. أما «التصدى» فهو عقيدة الدولة المصرية تجاه أى خطر على الأمن القومى المصرى.. تتوارثه مؤسسات الدولة جيلًا بعد جيل، ويعلّمه الكبير للصغير، والسلف للخلف، والقائد للجنود.. هذا «التصدى» له أساليب كثيرة، منها السياسى ومنها العسكرى، ومنها المعلن ومنها الخفى، ومنها ذو الطريقة الناعمة ومنها ذو الطريقة الخشنة، ومنها الدبلوماسى ومنها العدائى.. والأكيد أن هذا التصدى مستمر منذ الأربعينيات وحتى الآن.. له رجال يقومون عليه، وثوابت لا يتم التفريط فيها، وأدبيات لا يسمح بنسيانها، وحدود لا يسمح بتجاوزها.. أما الحرب العسكرية فهى موضوع آخر.. إنها أداة من أدوات الدولة فى التصدى لإسرائيل ولكنها ليست هى الموضوع نفسه.. إن أفضل تعريف للحرب أنها وسيلة لفرض السلام.. فإذا كان «السلام» موجودًا بالشروط التى تناسبنا.. فلسنا فى حاجة للحرب.. وإذا وجدنا الطرف الآخر يسعى لإيقاع الضرر بنا، أو لتغيير الشروط التى تم إقرار السلام وفقًا لها.. فإننا فى هذه الحالة نفكر فى الحرب، ونترك العدو يعرف أننا نفكر فى الحرب.. وإذا أراد أن يختبر رد فعلنا.. أعطيناه فكرة مختصرة عما يمكن أن نقوم به.. لكن الأكيد أننا إذا قررنا الحرب كجزء من استراتيجية التصدى.. فنحن الذين سنحدد متى نحارب وأين نحارب وكيف نحارب.. لأن الحرب جزء من استراتيجية أكثر شمولًا هى استراتيجية التصدى لإسرائيل.. هذا التصدى تحدده محددات الأمن القومى المصرى، والمصلحة الوطنية المصرية، ويحكمه العقل والتفكير العلمى، وليس فقط العاطفة الوطنية والقومية، مع كامل الاحترام لهذه العواطف النبيلة ولطبيعتنا كمصريين وعرب نفكر بقلوبنا بالدرجة الأولى وبعقولنا بالدرجة الثانية.. والمعنى أن علينا أن نهدأ، وأن علينا أن ندرك أن عدم الحرب لا يعنى أننا لا نتصدى لإسرائيل على مدار الثانية والدقيقة والساعة، وأن علينا أن نحذر من منشورات الذباب الخائن الذى يسعى لإشعال النار لمصلحة العدو لا مصلحة مصر للأسف الشديد، ولإشعار المواطن بالخزى والتقصير فى الوقت الذى تقول فيه الحقائق إنه يجب أن يفخر ببلده وبجيشه.. انتبهوا فالأعداء كثر للأسف الشديد.