رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تفاصيل جديدة فى معركة كتاب "فى الشعر الجاهلى" للدكتور طه حسين

طه حسين
طه حسين

"وقائع جديدة في معركة قديمة"، عنوان الملف الذي خصصته مجلة الثقافة الجديدة عن كتاب عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين "في الشعر الجاهلي"، من تحرير وإعداد الكاتب طارق الطاهر، والذي تنشره الــ"الدستور"، بالاتفاق مع الثقافة الجديدة.

وقائع جديدة فى معركة قديمة

 

  • فى 12 مايو 1926 وبخطاب رسمى لمدير الجامعة طه حسين يبرئ ساحته من التهم المنسوبة إليه ويقر فى ذات الخطاب: أنا مسلم أؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر
  • فى مذكرة رسمية: 

       ثلاثة مطالب لعلماء الأزهر من وزير المعارف

      مصادرة الكتاب.. إبعاد طه حسين من الجامعة.. ومحاكمته

      ومجلس جامعة القاهرة يفوض مديره بتسوية الأمر.. مع مراعاة المبادئ الأساسية للتعليم الجامعى

  • الجامعة تستولى على 821 نسخة من كتاب «فى الشعر الجاهلى» ويتم التحفظ عليها فى صندوقين مختومين بالشمع الأحمر

      طه حسين يحصل على مائة جنيه مقابل مصادرة الكتاب لصالح الجامعة ومكتبة الهلال تتقاضى خمسة جنيهات

  • مجلس إدارة مدرسة دار العلوم يصف «فى الشعر الجاهلى» بأنه: «لا يرمى إلى غاية سوى الهدم والتشكيك»
  • فى مناقشة ميزانية الجامعة فى برلمان 1926 اقتراح بعدم تمويل الوظيفة التى يشغلها طه حسين
  • مجلس الشيوخ يدخل على الخط عام 1927، ووزير المعارف يرد: لا جديد أزيده
  • الهجوم استمر على «فى الأدب الجاهلى» ووزارة المعارف تشكل فى 2 نوفمبر 1927 ثلاث لجان
  • فى تقرير رسمى: أحمد أمين: ليس فى الكتاب شىء يمس أصلًا من أصول الدين
  • فى استجواب 1932 اتسع الأمر ليشمل كتاب «حديث الأربعاء» وصورة نشرت بجريدة الأهرام تضم طه حسين وطلبة وطالبات، والجامعة تقرر بعد هذا اللقطة: عدم دخول الطالبات نادى الطلبة مرة أخرى

كثيرون مما تابعوا وقرءوا عن معركة د. طه حسين، إثر نشره كتابه "«فى الشعر الجاهلى" ظنوا أن هذه المعركة انتهت فى 30 مارس 1927 عندما أنهى المستشار محمد نور رئيس نيابة مصر- أى النائب العام حينها- تحقيقاته، بتدوينه أن: "النيابة تقرر حفظ التحقيق مع طه حسين فى قضية (الشعر الجاهلى) وأن غرض المؤلف لم يكن مجرد الطعن والتعدى على الدين، بل إن العبارات الماسة بالدين التى أوردها فى بعض المواضع من كتابه، إنما أوردها فى سبيل البحث العلمى مع اعتقاده أن بحثه يقتضيها، حيث إنه من ذلك يكون القصد الجنائى غير متوفر، تحفظ القضية إداريًّا".

وقد جاء هذا الحفظ بعد تحقيقات استمرت ما يقرب من الشهور الستة، حيث بدأ التحقيق الفعلى مع طه حسين فى 19 أكتوبر- نظرًا لسفره لفرنسا- بعد أن تلقت النيابة بلاغين، الأول فى 30 مايو 1926 من الشيخ خليل حسين الطالب بالقسم العالى بالأزهر لسعادة النائب العمومى، يتهم فيها الدكتور طه حسين الأستاذ بالجامعة المصرية بأنه ألف كتابًا أسماه "فى الشعر الجاهلى" ونشره على الجمهور، وفى هذا الكتاب طعن فى القرآن العظيم.. حيث نسب الخرافة والكذب لهذا الكتاب السماوى الكريم، أما البلاغ الثانى فتقدم به فى 5 يونيو من ذات العام، فضيلة شيخ الجامع الأزهر، للنائب العمومى، يبلغه بتقرير رفعه علماء الجامع الأزهر، عن كتاب ألفه طه حسين المدرس بالجامعة المصرية أسماه "فى الشعر الجاهلى" كذب فيه القرآن صراحة وطعن فيه على النبى ونسبه الشريف.

ورغم أن المعركة القضائية بدأت فى 30 مايو طبقًا للبلاغ الأول، و5 يونيو تاريخ التقدم بالبلاغ الثانى، فإن طه حسين فى 12 مايو 26 أعلن فى خطاب رسمى ممهور بخاتمه، تبرئة ساحته من هذه الاتهامات، مؤكدًا نفيه التام إهانة الدين، مشيرًا إلى مجهوداته ودوره الملموس فى خدمة التعليم الدينى، حسبما ورد فى خطابه لمدير الجامعة المصرية، والذى طلب منه أن يبلغ من يريد موقفه من الدين واحترامه القواعد الجامعية.

 

وهذا نص الخطاب: "القاهرة – 12 مايو سنة 1926، حضرة صاحب العزة الأستاذ الجليل مدير الجامعة المصرية، أتشرف بأن أرفع إلى عزتكم ما يأتى: كثر اللغط حول الكتاب الذى أصدرته منذ حين باسم «فى الشعر الجاهلى» وقيل إنى تعمدت فيه إهانة الدين والخروج عليه، وإنى أعلم الإلحاد فى الجامعة، وأنا أؤكد لعزتكم أنى لم أرد إهانة الدين ولم أخرج عليه، وما كان لى أن أفعل ذلك وأنا مسلم أؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وأنا الذى جاهد ما استطاع فى تقوية التعليم الدينى فى وزارة المعارف، حين كلفت بالعمل فى لجنة هذا التعليم، يشهد بذلك معالى وزير المعارف وأعوانه الذين شاركونى فى هذا العمل، وأؤكد لعزتكم أن دروسى فى الجامعة خلت خلوا ما من التعرض للديانات لأنى أعرف أن الجامعة لم تنشأ لمثل هذا. وأنا أرجو أن تتفضلوا فتبلغوا هذا البيان من تشاءون وتنشروه، وأن تقبلوا تحيتى الخالصة وإجلالى العظيم".

ونشر البيان بالفعل فى عدد من الجرائد، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا لإسكات الأصوات التى تتهم طه حسين فى دينه، مما دفعه للكتابة مرة أخرى لمدير الجامعة، واضعًا ما تبقى من نسخ هذا الكتاب تحت أمره، ليقرر أن تتسلم الجامعة هذه النسخ وأن تحتفظ بها فى صندوقين وتختم بالشمع الأحمر.

 

 

 

أحمد لطفي السيد

وقد كشفت التفاصيل السابقة فى المذكرة التى رفعها مدير الجامعة لوزير المعارف، وقد استعرض فيها الأزمة منذ بدايتها، حتى التحفظ على الكتاب من قبل الجامعة: “فى سنة 1926 أخرج الدكتور طه حسين أستاذ أدب اللغة العربية بكلية الآداب وقتئذ كتابًا أسماه "فى الشعر الجاهلى"، فكثرت الأقاويل حول ما جاء بهذا الكتاب من أن المؤلف تعمد فيه إهانة الدين والخروج عليه، فقدم حضرته فى 12 مايو سنة 1926 خطابًا لعزة مدير الجامعة يثبت فيه إسلامه وينفى هذه التهم. ونشر هذا الخطاب بالجرائد المحلية وأبلغ معالى وزير المعارف ومرفق معه صورته. ثم عرض الموضوع على مجلس الجامعة بجلسته المنعقدة فى 16 مايو 1926، وذلك بمناسبة العريضة المقدمة من حضرات علماء الأزهر الشريف يطالبون فيها مصادرة هذا الكتاب وإبعاد الدكتور طه حسين من الجامعة وإحالته على المحاكمة، فأصدر القرار الآتى: "إن مجلس الجامعة المصرية يَكل لسعادة المدير المدير تسوية مسألة الدكتور طه حسين مع السلطات المختصة على أن يراعى فى ذلك المبادئ الأساسية للتعليم الجامعى والشرف العلمى لهيئة موظفى التدريس بالجامعة". وبعد ذلك رفع حضرة مدير الجامعة إلى معالى وزير المعارف خطاب حضرة الدكتور طه حسين الذى يبلغه فيه أن يضع النسخ الباقية من الكتاب المذكور تحت تصرف الجامعة ورجا حضرة وزير المعارف أن يكون فى هذا الترضية الكافية.

وبناء عليه تسلمت الجامعة من حضرة الدكتور طه حسين عدد 787 نسخة من الكتاب المذكور على سبيل الشراء بمقتضى فاتورة مقدمة منه بتاريخ 22/ 5/ 1926 بمبلغ 100، كما اشترت الجامعة أيضًا من مكتبة الهلال 34 نسخة بمبلغ 5 جنيهات و780 مليمًا، فيكون مجموع النسخ التى استولت عليها الجامعة 821 نسخة منها عدد 4 صرفت للنيابة العمومية ونسخة لحضرة مدير الجامعة وبقى بمخزن الجامعة إلى الآن النسخ الباقية وقدر عددها 816 نسخة محفوظة فى صندوقين مختومين بالجمع الأحمر.

وقبل أن يمثل طه حسين أمام النيابة العامة، ورغم بيانه الذى أصدره وأكد فيه عدم إهانته الدين، وكذلك "مصادرة الكتاب" من قبل الجامعة، تضامن معه عدد غير محدود من محبيه وتلاميذه، ولأنه كان فى فترة الصيف خارج مصر، فكتب له زكى مبارك "1891/ 1953" راصدًا له الأجواء العاصفة التى تشهدها القاهرة وتستهدفه، ومنذ لك تحريض الرافعى لأعضاء البرلمان لمساءلته، ومقالات لطفى جمعة فى "المقطم" واستجواب الشيخ الغاياتى لوزير المعارف حول «الشعر الجاهلى»، لكنه لم يستمر فى إجراءات الاستجواب، استجابة لـ "إشارة" من رئيس الوزراء بسحب استجوابه.

فمما جاء فى رسالة زكى مبارك للدكتور طه حسين، فى 21 يوليو 1926، بعد التحية والاطمئنان على الصحة: ولأترك هذا الكلام الذى لا أحسن الإفصاح عنه، ولأذكر لك أن كتاب الشعر الجاهلى أحدث بعد سفرك عاصفة قوية، فقد أسرف الرافعى فى الإلحاح على أعضاء البرلمان بمقالاته المطولة، ولا يزال إلى اليوم يبدئ ويعيد، ولا تزال طائفة من المكرة تشد أزره وتستزيده، وقد كتب لطفى جمعة مقالات مسلسلة فى "المقطم" وصلت الآن إلى العشرة، وآزر بعض المشايخ، ولا يزال يتابع بحثه وهو يكثر على غير هدى من الرجوع إلى الآداب الفرنسية والنقاد الفرنسيين، وقد عرض لمقالتك الممتعة عن ديكارت وذكر أنه سمع من كثير من كبار الأدباء أن هذه المقالة هى أحسن ما صدر منك منذ أخذت فى التحرير والتأليف، وقد دافع كثير من طلبة الجامعة عن كتاب "فى الشعر الجاهلى" دفاعًا قويًّا مشرفًا.

وفى هذا الأسبوع قدم الشيخ الغاياتى استجوابًا محبوك الطرفين لوزير المعارف من كتاب "الشعر الجاهلى" وقد ضج كثير من هذا الاستجواب، لأنه كان من الحتم أن تثور من أجله زوبعة فى مجلس النواب، ولكنه سحبه مساء الأمس بإشارة من دولة رئيس الوزراء.

وبالفعل يسحب الاستجواب ولكن تستمر المناقشات فى مجلس النواب، ويستمر أيضًا اللغط حول الكتاب وصاحبه، لاسيما بعد تقديم البلاغين، وهو ما يكشف عنه خطاب د. محمد عبد الهادى شعيرة، إذ قبل أن يمثل طه حسين للتحقيق بأيام قليلة، وبعد وصوله للقاهرة، يرسل له بخطاب، يفند فيه حجج رجال الدين ويصفهم بأنهم «لم يتحروا الصدق فيما ينقلون"، وينتقد مناقشات مجلس النواب، وبحماس الشباب، يستأذن العميد بأن يرد على الجميع لإسكاتهم.

وهذا الخطاب أرسله شعيرة فى 28 سبتمبر 1926 من قرية الدواجلة، مركز المحلة الكبرى: «حضرة صاحب العزة أستاذى الفاضل سيدى الدكتور: أهنئك يا أستاذى العزيز، بل أستاذ مصر وشمسها بسلامة الوصول، أتمنى أن تكون سعيدًا بعد عودتك من سياحتك وأتمنى أن تكون قد قضيت بفرنسا أيامًا سعيدة بعيدًا من تلك الجعجعة الفارغة التى يثيرها بعض علماء الدين عندنا.

كثيرًا ما ترمى بى الظروف إلى حضرة بعضهم فيناقشونى، ولكنهم يخرجون كثيرًا عن حدود المناقشة إلى الدين، ثم يأتون لى بأساطير وخرافات، حول اعتقادات سيدى الدكتور. أنا لا أشك فى كذب أساطيرهم، بل أؤمن أنهم يكذبون، لم يتحروا الصدق فيما ينقلون، بل لا أشك فى أنهم انتحلوا كل هذه الأساطير انتحالًا، كما كان ينتحل خلف الأحمر وغيره من الرواة، ولا أدرى كيف ترضى ذمهم هذا الانتحال، أو كيف ينقلون الأخبار بغير بصر فيها.

ولكن أهنئ سيدى الدكتور بنصره إن شاء الله، ونصر مذهبه الجديد، على مذهب رجال الدين العتيق، فحججهم واهية، ووجهة نظرهم غير وجهة نظرنا، وسوف يكون كلامك الذى تؤمل، بل نطلب من حضراتكم أن نقرأه فى الجرائد عن قريب، مطهرًا لهذه الأوساخ أو لهذا الغثاء الذى يفوه به العلماء، وصيدًا لتلك الغشاوة التى وضعها رجال الدين على أعين الناس وعلى أعين بعضهم بعضًا.

ثم لا أنسى أن أخبر سيدى الدكتور أن المناقشات التى حصلت فى مجلس النواب لم تدلنا إلا على جهل حضرات نوابنا الأفاضل بموضوع الكتاب، بل النقط التى يأخذونها علينا فيه، بل وبنظام الجامعة، حتى إن بعضهم طلب إلغاء وظيفة أستاذ اللغة العربية!! ولكن إن سمح سيدى الدكتور أن أكتب ردًا على ما يكتبون لجردت قلمى هذا الناشئ ولجعلته يسكت هذه الألسن أو على الأقل يعيبها دون الجواب.

أما تأخر التهنئة فليس إلا لتأخر علمى بوصول سيدى الدكتور، أخبرنى بذلك أحد الإخوان، وختامًا أهنئ أستاذى بسلامة الوصول، أهنئه مقدمًا بالنصر والبراءة. وتفضلوا بقبول احترامات وتحيات وتهانى تلميذكم.

ولم يكن قرار النائب العام وقتها محمد نور، كافيًا لإنهاء هذه الأزمة، التى استمرت بعد ذلك لسنوات، ما بين هدوء وضجيج، ولجانٍ تشكل، وأشخاص يختلفون فى تقييم "الكتاب"، إلى أن وصل الأمر لذروته فى عام 1932، لتعاد محاكمته برلمانيا للمرة الرابعة على الأقل إثر خلافه مع وزارة صدقى باشا، التى عزلته من الجامعة من منصبه عميدًا لكلية الآداب، ليتم من جديد التقليب فى الأوراق القديمة، والكشف عن المزيد من التفاصيل التى ربما تجهلها أجيال، ظنًا منها أن المعركة انتهت بتقرير النائب العام، منها التقرير الذى وضعه مجلس إدارة مدرسة دار العلوم 1926، إثر تلقيهم طلبًا من د. طه حسين لتدريس فى الشعر الجاهلى على طلبة المدرسة، وانتهى التقرير الذى أرسل لوزير المعارف آنذاك، إلى رفض تدريس الكتاب ووصفه بأنه "لا يرمى إلى غاية سوى الهدم والتشكيك".

كما تكشف هذه الأوراق أيضًا أن بعض أعضاء مجلس النواب انتهزوا فرصة عرض ميزانية الجامعة فى 13 ديسمبر 1926 ليعاد من جديد فتح المناقشة حول هذا الكتاب، من منطلق الحفاظ على أموال الجامعة، إذ جاءت أحد الاقتراحات بعدم تمويل الوظيفة التى يشغلها طه حسين، فضلًا عن مصادرة الكتاب، ومحاكمة مؤلفه.

ولأن هذه الاقتراحات لم تتحول إلى واقع، يثار مرة أخرى موضوع الكتاب، لكن من خلال الغرفة البرلمانية الثانية، أى مجلس الشيوخ، وذلك بجلسته المنعقدة فى 21 مايو 1927، لكن وزير المعارف لم يعلق فى هذه القضية سوى بجملة: "لا جديد أزيده على بيانى السابق أمام مجلس النواب".

والمتابع لتفاصيل هذا الموضوع، يكتشف من خلال الأوراق الرسمية، أنه عندما غير طه حسين كتابه من "الشعر الجاهلى" إلى "الأدب الجاهلى"، تقوم الدنيا مرة أخرى  ولا تقعد ضده، بحجة أنه لم يغير شيئًا فيما انتقد فيه، وإزاء هذا الموقف تقرر الجامعة فى 2 نوفمبر 1927 تشكيل لجنة من: محمد الغمراوى بك، أحمد العوامرى بك، ومحمد عبد المطلب، للتأكد من خلو الكتاب من أى شىء فيه مساس بالدين الإسلامى، لتنتهى اللجنة من عملها فى 8 ديسمبر 1927، برفضها للكتاب وما جاء فيه، واختتمت تقريرها بـ: هذا كله يضيع على قارئ الكتاب من أجل أن يصل إلى نتيجة هى: "أن الأدب الجاهلى مختلق منحول، فلا كان الأدب الجاهلى ولا كان قائله.. هل هذا كل ما يرمى إليه المؤلف لعل مرام أخرى، هى تلك التى تتراءى من خلال الكتاب بين التصريح والتلويح".

لكن برفض طه حسين لهذا التقرير، تعيد وزارة المعارف تشكيل لجنة أخرى من: نجيب حتاتة أفندى، وعبد الحميد حسن أفندى، ويبدو أن هذه اللجنة لم ترضَ تمامًا فيما جاء باللجنة الأولى، لتشكل وزارة المعارف لجنة ثالثة: "راعت فيها تمثيل جملة جهات من حضرات: الشيخ محمد حسين الغمراوى بك، عبد الحميد حسن أفندى، والشيخ أحمد أمين المدرس بالجامعة، وقد جاء تقرير الغمراوى ضد الكتاب، أما مضمون تقرير عبد الحميد، فقد رأى أن المباحث الأربعة الأولى من الكتاب فيها مساس بالدين، أما المبحثان الأخيران فلا يرى فيهما ما يدعو إلى المؤاخذة، فى حين جاء تقرير أحمد أمين منصفًا لكتاب طه حسين مؤكدًا أنه: «ليس فيه شىء يمس أصلًا من أصول الدين".

أحمد أمين

والغريب أن الأمر تطور فيما بعد ليشمل الاستجواب البرلمانى عام 1932 ليس فقط "فى الأدب الجاهلى"، بل تنضم قائمة من الكتب والصور، بمعنى تم إضافة كتاب "حديث الأربعاء"، وصورة نشرتها جريدة الأهرام تتضمن طه حسين وحوله طلبة وطالبات، اعتبرها الاستجواب خروجًا عن التقاليد، لترد الجامعة، بأن الصورة التقطت فى نادى طلبة الجامعة، وتم التنبيه بعدم دخول الطالبات إلى هذا المكان مرة أخرى.

وفيما يلى نص هذه الأوراق كما وردت فى "أوراق طه حسين ومراسلاته" إشراف ودراسة د. محمد زكريا الشلق، د. صابر عرب، وهو من مقتنيات دار الوثائق، ولم أتدخل سوى فى ترقيم الموضوعات حتى يكون هناك سهولة فى القراءة، وليكون النشر متوافقًا تمامًا مع التسلسل الوارد فى هذه الوثائق، وتركت أوراقًا مكررة، نتيجة لعرض الموضوع أكثر من مرة، حتى لا أقطع التسلسل الزمنى.

-1-

قلم التنفيذ - رقم ٥-٦/٨ القاهرة ٦ مارس ١٩٣٢

حضرة صاحب المعالى وزير المعارف العمومية:

أتشرف بأن أرسل إلى معاليكم مع هذا صورة من الاستجواب الموجه من حضرة النائب المحترم الدكتور عبد الحميد سعيد عن الأمور المنسوبة إلى الدكتور طه حسين عميد كلية الآداب، وقد أدرج بجدول أعمال جلسة يوم الاثنين7  مارس الجارى ليحدد المجلس موعد المناقشة فيه عملًا بالمادة ١٠٢ من قانون النظام الداخلى للبرلمان.

وتفضلوا معاليكم بقبول فائق الاحترام

رئيس مجلس النواب

(توقيع)

-2-

(1) تلقت الوزارة بتاريخ • أبريل ١٩٣٦ كتابًا من الدكتور طه حسين ومعه نسخة من كتاب فى الشعر الجاهلى، يطلب فيه تقريره لطلبة مدرسة دار العلوم، فأحالت تقريره إلى المدرسة فى ١٢ أبريل سنة ١٩٢٦ لعرضه على الجمعية العمومية للأساتذة وعلى مجلس إدارتها. قدم مجلس الإدارة كل من حضرتى الشيخ علام سلامة والشيخ محمد عبد المطلب تقريرًا عرض على مجلس الإدارة فى جلسة ٢٩ أبريل سنة ١٩٢٦ طلبا فيهما رفض تقرير الكتاب فوافق المجلس على الرفض.

ويتلخص تقرير الأستاذ علام سلامة فى: 

-1  أن الغاية التى يرمى إليها الكتاب والتى يدور عليها فى جميع صفحاته هى إنكار الجمهرة العظمى فى الشعر الجاهلى، بحيث أن يبقى من ذلك الشعر يسير جدًّا لا فائدة له، وبحيث إن هذا القدر اليسير يتعذر تعيينه والوصول إليه.

٢-  أن الكتاب ينكر ما تفيده الآيات الكريمة، صراحة، فقد أنكر هجرة سيدنا إسماعيل إلى الحجاز، وأنكر بناء سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل الكعبة وكل ما يتصل بذلك.

 ٣ - ينكر الكتاب ما بين الإسلام وملة سيدنا إبراهيم من صلة، كما ينكر أن دين سيدنا إبراهيم كان متبعًا فى بلاد العرب وقتًا ما.. إلخ...  إلى آخر المآخذ العشرة التى أخذها عليه، ثم ختم تقريره بالفقرة الآتية:

إنى أرى أن هذا الكتاب الذى يحتوى على العيوب التى قدمت أمثلة منها، ولا يرمى إلى غاية سوى الهدم والتشكيك لا يسوغ أن يقرر لطلبة دار العلوم بأى اعتبار، بل لا يسوغ أن يكون بأيدى الطلاب فى كل معهد علمى تديره حكومة إسلامية.

الأستاذ محمد عبد المطلب وملخص تقريره " فهو سلك فى هذه المباحث نهجًا حائرًا معوجًا قد جره إلى أغلاط كثيرة فى العلم لا يصح قبوله، وإلى مزالق مهلكة من الزندقة يجب إبعاد المتعلمين عنها، وإلى شطط وتهور فى حرية الرأى لا يجوز أن يصطبغ أبناء الأمة بصبغتها".

  ثم ساق الأدلة على ذلك بالنتيجة الآتية:

أولًا: أنه سلبى محض فى موضوعه "الأدب العربى" لأنه يعلم الطلاب ألا يعلموه، ولا أدرى معنى دراسة كتاب ينكر مؤلفه فيه موضوعه من أصله بلا دليل قويم.

ثانيًا: أن فيما سلكه لإثبات هذا الموضوع السلبى لم يسلك طريق أهل النظر الصحيح وما هو إلا السقطة والشك والتضليل.

ثالثًا:أن لحمة الكتاب هى الزندقة أو ما فوقها بإنكار ما جاء فى الكتب السماوية، ورمى أولى المقامات التى أجلها الله تعالى بما يدعو إلى احتقارهم والاستهانة بهم من الصحابة والتابعين.

رابعًا: ضعف عبارة الكتاب وإسفاف المؤلف إلى حدٍ تماشى فيه ومرتبة العوام، فضلًا عما فيه من ضعف التأليف أحيانًا، والخطأ فى اللغة وقواعد الإعراب الأخرى.

(۳) وفى مايو ١٩٢٦ أرسلت الوزارة كتاب الشعر الجاهلى والتلغراف وتقريرا مدرسة دار العلوم إلى حضرة الغمراوى بك لفحص هذا الموضوع بالاشتراك مع باقى أعضاء لجنة فحص اللغة

(٤) وبتاريخ ٧ مايو سنة ١٩٢٦ وردت شكوى تلغرافية بتساهل الجامعة فى نشر آراء الزندقة بشأن هذا الكتاب وعلمائه(۱) أحالها مجلس الوزراء على الوزارة.العربية وتقديم التقرير اللازم عنه.

(5) وبتاريخ ٨ مايو سنة ١٩٢٦ وصلت إلى رئاسة مجلس الوزراء شكوى تلغرافية أخرى من علماء المعهد الأحمدى ضد هذا الكتاب فأحالها على الوزارة.

(6) كتبت الوزارة إلى فضيلة شيخ الأزهر "رئيس مجلس إدارة دار العلوم" بالموافقة على ما جاء بقرارات المجلس المذكور.

(٧) بتاريخ ٩ مايو سنة ١٩٢٦ ورد خطاب من فضيلة شيخ الجامع الأزهر يطلب فيه إرسال تقريرى الشيخ علام والشيخ عبد المطلب بشأن رفض كتاب الشعر الجاهلى؛ لأنه كان غائبًا فى تلك الجلسة فأرسلا إليه.

(۸) وردت شكوى تلغرافية ضد الكتاب المذكور بتاريخ ١٤ مايو من علماء وأهالى ناحية دجوى(۹). وقد كان لنشر هذا الكتاب أثر شديد الوقع فى نفوس المسلمين عامة وتناول العلماء والأدباء بالنقد والتزييف، وألفت كتب ونشرت رسائل لهذا الغرض واشتغلت المجتمعات العلمية والأدبية به وقتًا طويلًا (۲) وانتقل حديثه إلى البرلمان فى جلسة مجلس النواب فى ١٣ ديسمبر سنة ١٩٢٦ عند نظر ميزانية الجامعة.

فتكلم الأستاذ عبد الخالق عطية عن ضرر الآراء الإلحادية التى تضمنها هذا الكتاب وضرر نشرها بين الطلاب فقال: إن التعليم حر بنص الدستور وليس منا من يعارض فى ذلك، ولكن الدستور قال أيضًا إن التعليم حر إلا إذا أخل بالنظام العام أو كان منافيًا للآداب، والإخلال هنا معناه أن يترتب على تقرير الرأى حدوث فتنة أو احتمال حدوثها، وعند ذلك يقف القانون حدًّا حائلًا؛ لأن المصالح العامة مقدمة على الشهوة، فعلى الذين يفهمون حرية الرأى كما حددها القانون وعلى الذين يعقلون حرية التعليم كما بينها القانون أن يفهموا أننا إذا تعرضنا لهذه المسألة فإنما نريد أن تكون دائمًا فى دائرة القانون.

إن تصرف هذا الشخص "مؤلف كتاب فى الشعر الجاهلى" كان أخا مخالفا للذوق، فإنه مدرس بالجامعة المصرية، وهى معهد أميرى يعيش من أموال الحكومة الممثلة للأمة، فهو يتقاضى مرتبه من هذه الهيئة التى دينها الإسلام، فلم يكن من المفهوم ولا من المعقول ولا من حسن الذوق من هذا الشخص فيبصق فى وجه الحكومة التى يتقاضى مرتبه من أموالها بالطعن فى دين رعيتها من أقلية وأكثرية.

إننا إذ نسلم أولادنا للحكومة ليتعلموا فى دورها نغفل ذلك معتمدين على أن بيننا وبينها تعاهدًا ضمنيًّا على أن الديانات محترمة، لا أقول تعاقدًا ضمنيًّا فقط بل صريحًا، لأن الحكومة تعنى بتعليم الدين فى مدارسها وبوضعه فى مناهجها، وإذا كان الأمر كذلك فعلى الذين يريدون أن يحرقوا بخور الإلحاد أن يحرقوه فى قلوبهم، لأنهم أحرار فى عقائدهم أو أن يحرقوه فى منازلهم لأنهم أحرار فى بيئاتهم الخاصة.أما أن يطلقوه فى أجواء دور العلم ومنابر الجامعة فهذا ما لا يمكن أن نفهمه بحال من الأحوال.

ثم تكلم الأستاذ الشيخ مصطفى القاياتى كلامًا فى وصف هذا المؤلف جاء فيه: قد جاء فى هذا الكتاب تكذيب صريح للقرآن ونسبة صريحة للنبى- عليه الصلاة والسلام- بأنه تحايل، وكذب صريح على التاريخ لا يجوز أبدًا أن نهمله ولا أن نترك صاحبه دون أن ندقق البحث معه ويكون حسابنا معه عسيرًا. إننى أعرف أنه من الكرم والمروءة أن يعلو الإنسان عمن أساء إلى غيره أو عمن طعن فى وطنه أو دينه، وإن الدولة أعلنت فى دستورها أنها دولة إسلامية، وإن دولة إسلامية لا تحافظ على دينها أن يمس ولا على كرامتها أن تجرح لهى دولة نعوذ بالله أن تكون مصر من أمثالها. لقد بلغت الدرجة بالدكتور طه حسين أن يذكر فى كتابه أن حادثة إبراهيم وإسماعيل التى نطق الكتاب العزيز بها حادثة لا يعول عليها التاريخ ولا يمكن التسليم بها، وإنما هى حادثة روجها المسلمون لسبب مخصوص هو سبب سياسى أكثر منه دينى... إلى أن قال: نريد أن نثبت فى عملنا أننا لا نقبل أبدًا أن يتهور مشهور على الدين تهورًا يحط من كرامته وكرامة الدولة، فإن الطعن فى دين الدولة طعن فى الدولة نفسها والطعن فى الدولة هو طعن فى كل فرد من أفرادها، لا نرضى أن يسجل علينا التاريخ أن قد فتح بيننا هذا الباب ونشر بيننا هذا الكتاب، وقامت عليه الضجة التى قامت، ثم يمر كما يمر السحاب دون أن ينال المسىء جزاء إساءته، لا أريد أن يقال طعن فى الدين وشهر به ومر الأمر على مجلس النواب وخرج الطاعن شريفًا بدون جزاء. إن الرحمة واجبة ولكن ليس فى الدين، وقد أوجب الدين أن يرجم بعض من يرتكب الجرم فما بالكم فيمن يدعى أن الله كاذب وأن النبى كاذب وأن المؤمنين جاهلون لا يفرقون بين الحق والباطل. ثم على اقتراح من حضرة عبد الحميد البنان أفندى وهذا نصه:

أولًا: مصادرة وإعدام كتاب طه حسين المسمى بـ"الشعر الجاهلى" بمناسبة ما جاء فيه من تكذيب القرآن الكريم. واتخاذ ما يلزم لاسترداد المبلغ المدفوع إليه من الجامعة ثمنًا لهذا الكتاب.

ثانيًا: تكليف النيابة العمومية برفع الدعوى على طه حسين مؤلف هذا الكتاب لطعنه على الدين الإسلامى دين الدولة

 ثالثًا: إلغاء وظيفته من الجامعة وذلك بتقرير عدم الموافقة على الاعتماد المخصص لها.

الشيخ أمين الخولي

كما أثيرت المسألة أيضًا فى مجلس الشيوخ فى جلسة ٢١ مايو سنة ۱۹۲۷ حيث تقدم سؤال إلى وزير المعارف من حضرة الشيخ المحترم محمود رشاد باشا أشار فيه إلى تصريح معالى وزير المعارف فى مجلس النواب فى هذا الشأن، وتحقيق النيابة فيه وقرارها حفظ الأوراق، وتشكيل الوزير لجنتين لفحص هذا الكتاب وتناقض قرارهما، ثم تشكيل لجنة ثالثة للبت فى الموضوع وإلى بلاغ الجامعة الذى نشرته فى الصحف ونصه:

نشر بعض الصحف أن الدكتور طه حسين أستاذ الآداب العربية بكلية الآداب تعرض فى دروسه للقرآن الكريم، ونسبت إليه أقوال وآراء لا تلائم أصول الدين. فالجامعة تكذب هذا كله تكذيبًا قاطعًا، وعليه أن القرآن يدرس فى كلية الآداب دراسة متفقة كل الاتفاق مع ما يليق بمكانته المقدسة من الاحترام والإجلال ليتبين الطلاب ما فيه من مواضيع الإعجاز وحسن البيان. ورجاء من معالى وزير المعارف سرعة البت فى الموضوع.

فأجاب وزير المعارف بأن لا جديد عليه يزيده على بيانه السابق أمام مجلس النواب. وقد علق على هذا الرد الشيخ المحترم رشاد باشا بأن استصرخ بالمجلس لمرور ثلاثة أعوام على هذا الموضوع دون البت فيه. ثم أثاره بعد ذلك الشيخ المحترم سعيد فهمى الروبى فى جلسة ٦ يونيو سنة ١٩٢٧ بسؤال تقدم به إلى وزير المعارف استظهر فيه ما جاء بالكتاب من التعريض فى الإسلام، وما تضمنه تقرير النيابة العمومية من أن مؤلف هذا الكتاب تعدى على الدين الإسلامى بأن نسب إليه بأنه استغل قصة ملفقة هى قصة هجرة إسماعيل.

ثم ختم سؤاله بأن سأل وزير المعارف: هل يرى وزير المعارف فى دولة إسلامية أنه يسوغ استبقاء معلم للناشئة فى أكبر جامعة علمية يطعن هذه المطاعن على الدين الإسلامى بهذه الصورة ويلقيها على التلاميذ وينشرها بين الأمة، خصوصًا وإنه عندما اطلعت على قرار النيابة لم يجد بدًّا من أن يتخلى عن مركزه ويرفع استقالته إلى الجامعة.

 

علي الشمسي وزير المعارف

-3-

 (1) أرسل الدكتور طه حسين إلى حضرة مدير الجامعة الكتاب الآتى بتاريخ ١٧ مايو سنة1926

حضرة صاحب العزة الأستاذ الجليل مدير الجامعة المصرية حرصًا على حل المشكلة التى أثارها كتابى "فى الشعر الجاهلى" أتشرف بأن أعرض على عزتكم وضع النسخ الباقية من هذا الكتاب تحت تصرف الجامعة ترى فيها ما تشاء.

وتفضلوا بقبول تحياتى الخالصة وإجلالى العظيم.

 

 

طه حسين

 

فأبلغ حضرة مدير الجامعة بتاريخ ١٧ مايو هذا الخطاب إلى معالى وزير المعارف وشفعه بقوله ورجائى أن يكون فى هذا ترضية كافية وداعية إلى إنهاء هذه المسألة بسلام، كل ذلك اعتمادًا على نفوذ معاليكم.

هذا وقد حصلت الجامعة فعلًا على النسخ الموجودة من الكتاب عدا ما لا سبيل إليه ما دخل فى يد الأفراد، والآن هى فى مخزن الجامعة تحت تصرف الحكومة.

( ۲)غيّر الدكتور طه حسين اسم الكتاب وجعل عنوانه "فى الأدب الجاهلى" ودرسه لطلبة الجامعة وكانت الضجة لا تزال قائمة فطلبت الوزارة نسختين من الكتاب، فوردا إليها بخطاب من الجامعة بتاريخ ٢ نوفمبر سنة ۱۹۲۷ فأحيلا إلى لجنة مشكلة من حضرات الأساتذة "محمد الغمراوى بك وأحمد العوامرى بك ومحمد عبد المطلب" بقصد النظر فيما إذا كان قد ورد به ما يمس الدين أنه لم يرد به شيئًا من ذلك، فقدمت تقريرها فى ٨ ديسمبر سنة ۱۹۲۷ جاء فى مقدمته أن:

اللجنة قرأت فصول هذا الكتاب فوجدت فيه شيئًا كثيرًا يناقض الدين الإسلامى ويمسه مسا مختلف الدرجات فى أصوله وفروعه.

ثم فصلت وجود هذا التناقض وانتهت إلى الخلاصة الآتى نصها:

غاية الكتاب فى مقدماته ونتائجه هذا الكتاب فى مقدماته ونتائجه غريب فإن قارئه لا يدرى أى النوعين هو المقصود أهى المقدمات وحدها أم هى النتائج دون المقدمات، مقدمات على أشد حالات الخطر، ونتائج فى أدنى هنات التفاهة. مثل المؤلف فيها كمثل قائد قوم أوفى بهم على غمر ماء وليسوا من أهل السباحة لوم، فأبصر فى الماء هناة طافية على وجهه لم يدر أسمكة هى أم عود غناء قذفت به الريح، فما أن صاح بهم أن ينساقوا فى الماء ليتبينوا أمر تلك الهناة، حتى إذا تداعوا فى الماء لم يصلوا علم هذه الهناة وإنها عود غشاء حتى كان أكثرهم من المغرقين.

ولكن حقيقة هذا الكل ترياك ما ضاع على القراء من أمر دينهم. الأدب الجاهلى محقق منجول سبيل أن يعتقدون أن "مقدمة"

  1. ضاع عليهم الوحدة القومية والعاطفة الدينية وكل ما يتصل بهما. البحث الكتاب ومنهع
  2. وضاع عليهم الإيمان توام، وقراءاته، وأنهما وحى من الله "باب اللهجات والانتحال الدم".

(۳) وضاع عليهم كرامة السلف من أئمة الدين واللغة وعرفان فضلهم "بابا السياسة والدين"

  (4) وضاع عليهم الثقة بسيرة النبى صلى الله عليه وسلم فى كل ما كتب فيها.

( ٥ ) وضاع عليهم اعتقاد صدق القرآن وتنزهه عن الكذب.

 

 (٦) وضاع عليهم الوحدة الإسلامية التى أوجدها الدين والقرآن والنبى بين الأنصار. 

(۷) وضاع عليهم ما وجب من حرمة الصحابة والتابعين والمهاجرين.

 

(۸) وضاع عليهم تنزيه القرآن عن التهكم والازدراء ما كتب فى سورة الجن وفى صحف إبراهيم وملة إبراهيم.

 

(٩) وضاع عليهم تنزيه النبى وأسرته عن مواطن التهكم والاستخفاف.

(۱۰) وضاع عليهم صدق القرآن والنبى فيما أخبر به عن ملة إبراهيم وصحف إبراهيم. 

(11) وضاع عليهم براءة القرآن مما رماه به المستشرقون من أعدائه.

 (12) وضاع عليهم الأدب العام مع الله ورسله وكرام خلقه.

 

هذا كله يضيع على قارئ الكتاب من أجل أن يصل إلى نتيجة هى أن الأدب الخاطر مختلق منحول فلا كان الأدب الجاهلى ولا كان قائلوه.

هل هذا كل ما يرمى إليه المؤلف؟ لعل مرام أخرى هى تلك التى تتراءى من خلال الكتاب بين التصريح والتلويح. وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون.

تحريرًا فى ٨ ديسمبر سنة ١٩٢٧ محمد حسنين الغمراوى محمد عبد المطلب أحمد العوامرى

مراسلات الله حسين وأوراقه الخاصة.

 

شكلت الوزارة بعد ذلك لجنة من حضرتى نجيب حتاتة أفندى وعبد الحميد حسن أفندى فقدمت تقريرًا.

أعادت الوزارة بعد ذلك النظر فى هذا الكتاب وألفت لجنة أخرى وراعت فيها تمثيل جملة جهات من حضرات: ومحاضر جلساتها. هنا دعويان الأولى: هى زعم المستشرقين أن القرآن تأثر بدين أهل الكتاب وتأثر بمذاهب أخرى بين بين كانت شائعة فى البلاد العربية وما جاورها. والدعوى الثانية: أن المستشرقين ومن بينهم الأستاذ كليمان هوار أضافوا إلى تلك المصادر مصدرًا عربيًّا خالصًا من شعر الجاهليين والعرب.ثالثًا: الصلة بين الإسلام وملة إبراهيم فاستعرض الغمراوى بك آراءه فى هذه المسألة ثم قال: والخلاصة أن طعن المؤلف فى ملة إبراهيم فيه مساس كبير بالقرآن وما هو معلوم بالدين بالضرورة.

 

الشيخ محمد حسنين الغمراوى بك وعبد الحميد حسن أفندى والشيخ أحمد أمين المدرس بالجامعة. وقد قدمت هذه اللجنة للوزارة عن رأيها فى هذا الكتاب ثلاثة تقارير للحضرات أعضائها.

 

علي ماهر وزير المعارف عام ١٩٣٢

 

 

 

ومضمون تقرير حضرة الغمراوى بك أنه بحث النقط الآتية:

أولًا: القراءات السبع وقد وصفها المؤلف بأنها ليست من الوحى فى قليل ولا كثير، فأدلى من الحجج العقلية والنقلية من القرآن والحديث المتواتر وأقوال الأئمة والسند المتواتر المتصل بالنبى -صلى الله عليه وسلم- فى كل قراءة من القراءات على أنها من الوحى.

ثانيًا:رأى المستشرقين عامة ورأى الأستاذ "كليمان هوار" خاصة فى مصادر القرآن، فقال الغمراوى بك إن المؤلف يؤيد المستشرقين فى مزاعمهم المؤلمة وفى هذا مساس كبير بالقرآن؛ لأنه استهتار يترتب عليه زعزعة العقيدة الصحيحة فى أن القرآن وحى منزه.

رابعًا:العداوة بين المهاجرين والأنصار: استعرض الغمراوى بك ما ذكره المؤلف فى هذا الشأن من وصف الخلاف ثم أورد الآية القرآنية التى تدل على أن الأنصار والمهاجرين كانوا إخوانًا متحابين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. ثم قال: "إن هذا اجتراء على مناقضة تلك الآيات الصريحة والسنة المتواترة فيه مساس بأصول الدين".

خامسًا: سورة الجن والإتيان بها فى مقام ذكر أساطير العرب: جاء الغمراوى بك بنصوص وردت فى صفحتى ١٤٠ و١٤١ من الكتاب ثم قال: والذى تلاحظه أنه أسهب ما شاء فى بيان هذه الأسطورة على نهج يراه العقلاء تأبيًا عن أذهانهم، ثم دخل بالقراء فجأة فى سورة الجن مصورًا أحوال الجن فيها بأن منهم مستمعين للقرآن ودعاة للتبشير وأنهم قادرون على الصعود فى السماء واستراق السمع، وقادرون على الهبوط، وقد ألموا بأخبار الغيب. فهذا الدخول المفاجئ بسورة الجن فى مقام بحث أسطورة شائعة بين العرب يشعر بأن القرآن يشتمل على أساطير خيالية لنوع يدعى الجن كنوع الشياطين التى تخيلها العرب، وفى هذا استخفاف بالقرآن وحط من التعظيم اللائق به.

سادسًا:عن تأثير الدين فى انتحال الشعر وإضافته إلى الجاهليين لم ير الأستاذ الغمراوى بك فيما كتبه المؤلف فى هذه المسألة ما يستحق الملاحظة. ومضمون تقرير عبد الحميد حسن أفندى بعد أن بحث النقط السابقة أنه يرى: أما المبحثان الأخيران فلا يرى فيهما مساسًا بالدين مساس استهتار وتجريح. أو ما يدعو إلى مؤاخذة.

أما تقرير الأستاذ أحمد أمين فقد جاء فى مقدمته: وقبل أن أدلى برأى فى هذه المسائل أرى من الضرورى الإشارة إلى أنى فهمت من كتاب الوزارة أنها تريد من قولها ما فيه مساس بأصول الدين أو تنقص لأحكامه، أن تتبين هل فى الكتاب شىء يعد إنكارًا لأصل من أصول الدين بحيث يعتبر إنكاره كفرًا أو لا.فأما ما عدا ذلك من مخالفة بعض العلماء أو إنكار شىء لا يعد أساسًا من أسس الدين فلا يطلق عليه ماس بأصل من أصول الدين.

ولعله يحسن هنا أيضًا النص على أن الكفر كما عرفه أهل السنة هو عدم تصديق الرسول فى بعض ما علم مجيئه بالضرورة أو إنكار ما علم بالضرورة مجىء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأما إنكار أقوال بعض العلماء أو الجمهور فى شىء لم يعلم من الدين بالضرورة فليس من الكفر فى شىء، ثم بحث النقط الست التى جعلتها اللجنة أساسًا لبحثها ورتب على هذه المقدمة الخلاصة الآتى نصها:

وخلاصة رأيى فيها ما أبنت من أنه ليس فيها شىء يمس أصلًا من أصول الدين أو ينتقص أحكامه ما دمنا لا نعد شيئًا ماسًّا بأصل من أصول الدين إلا ما كان إنكارًا لما علم من الدين بالضرورة؛ أعنى ما ثبت مجىء رسول الله به ثبوتًا لا يحتمل الشك.أما باقى الكتاب - عدا هذه المسائل الست-  فليس فيه شىء يتعرض للدين حتى نناقشه.ومن ذلك نتبين أن التقرير الذى قدمه عبد الحميد حسن أفندى يوافق فى خلاصته التقرير الذى قدمه الغمراوى بك فى ثلاث نقط فيها مساس بأصول الدين هى:

 ۱- علاقة القراءات السبع بالوحى.

-۲- رأى المستشرقين فى مصادر  القرآن.

-3 الصلة بين الإسلام وملة إبراهيم.

-4-

 

حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء، ألف الدكتور طه حسين كتابًا سماه "فى الشعر الجاهلى" فقامت عقب نشره ضجة شديدة بين علماء الإسلام فى مصر وغيرها؛ لما حواه الكتاب من آراء عدها العلماء ماسة بالدين الإسلامى فأرسل الدكتور طه إلى حضرة مدير الجامعة كتابًا بتاريخ ٢٧ مايو سنة ١٩٢٦ يعرض عليه وضع النسخ الباقية من هذا الكتاب تحت تصرف الحكومة ترى فيها ما تشاء، وبناء على ذلك تسلمت الجامعة ۷۸۷ نسخة من هذا الكتاب بثمن قدره ۱۰۰ جنيه كما اشترت أيضًا من مكتبة الهلال ٣٤ نسخة بمبلغ ٥ جنيهات و٧٨٥ مليمًا بقيت كلها بمخزن الجامعة إلى الآن محفوظة فى صندوقين مختومين بالشمع الأحمر.

وقد أثيرت مسألة الكتاب فى البرلمان فى مجلس الشيوخ بجلسات ٢١ / ٥ / ١٩٢٧ و٤ / ٦ / ۱۹۲۸ وفى مجلس النواب فى جلسة ١٣ ديسمبر ١٩٢٦ وانتهت باقتراح إعدام الكتاب فى هذه الجلسة، وأعلن وزير المعارف أنه لا يرى مانعًا من إعدامه، ورغم ذلك بقى الكتاب إلى الآن فى مخازن الجامعة.

ثم أصدر الدكتور طه حسين بعد ذلك كتابا سماه "فى الأدب الجاهلى" فأثيرت حوله نفس الضجة التى قامت حول الكتاب الأول، فطلبت الوزارة نسختين منه بتاريخ ٢ نوفمبر سنة ١٩٣٧ وأحيلا إلى لجنة مشكلة من حضرات الأساتذة محمد حسنين الغمراوى بك وأحمد العوامرى بك والمرحوم الشيخ محمد عبد المطلب، بقصد النظر فيما إذا كان قد ورد به ما يمس الدين أو أنه لم يرد به شىء من ذلك، فقدمت تقريرها فى ۲۸ ديسمبر ۱۹۲۷ جاءت فى مقدمته: أن اللجنة قرأت فصول هذا الكتاب فوجدت فيه شيئًا كثيرًا يناقض الدين الإسلامى ويمسه مسا مختلف الدرجات فى أصوله وفروعه، ثم سردت اثنى عشر وجهًا أضاعها الكتاب على قرائه من أمر دينهم.ثم شكلت لجنة أخرى من حضرات الشيخ محمد حسنين الغمراوى بك والشيخ عبد الحميد حسن والشيخ أحمد أمين المدرس بالجامعة، وقد رفع رئيسها تقارير الأعضاء إلى وزير المعارف فى ٢٤ يونيو سنة ۱۹۲٨ بكتاب جاء فيه أن تقرير الشيخ عبد الحميد حسن يوافق فى خلاصة التقرير الذى قدمه الشيخ محمد الغمراوى فى ثلاث نقط على أن فيها مساس بالدين الإسلامى.

ولقد أثير موضوع هذا الكتاب أيضًا فى مجلس النواب فى جلسة سنة ١٩٢٢ واتضح للمجلس ما فيه من مخالفات لأصول الدين الحنيف، كما تبين هذا من تقارير اللجان المشار إليها.وقد قررت الوزارة تشكيل لجنة لفحص كتابه "حديث الأربعاء" بمناسبة ما جاء عنه فى الاستجواب المقدم الوزير المعارف فى الجلسة المشار إليها، وذلك لفحصه وتقديم تقرير عنه، وقد تلقت الوزارة خطابًا من حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر جاء فيه: ونظرًا إلى أنه قد تبين أن كتاب "الشعر الجاهلى" لا تزال نسخه مصادرة محفوظة كما أن كتاب "الأدب الجاهلى" الذى جاء فيه أنه مساس بالدين الإسلامى لم يصادر، ترجو إجراء ما يلزم بإعدام الأول ومصادرة الثانى وإعدامه، محافظة على مبادئ الدين وعقائد الإسلام، فأتشرف بعرض الأمر على مجلس الوزراء لإصدار قرار فى هذا الشأن.

وتفضلوا بقبول عظيم الاحترام

 

 

عدلي يكن رئيس وزراء مصر عام ١٩٢٦

 

 

 

 إن اللجنة قرأت فصول هذا الكتاب فوجدت فيه شيئًا كثيرًا يناقض الدين الإسلامى ويمسه مسا مختلف الدرجات فى أصوله وفروعه، ثم سردت اثنى عشر وجهًا تضامها الكتاب على قرائه من أمر دينهم، إن كتاب الشعر الجاهلى الذى ألفه الأستاذ طه حسين قد انتهى أمره عقب الضجة التى قامت حوله فى البلاد والمناقشة الحادة التى أثيرت بشأنه فى البرلمان بالكيفية الآتية.

أولًا: مصادرة وإعدام كتاب طه حسين المسمى "فى الشعر الجاهلى" بمناسبة ما جاء فى من تكذيب القرآن الكريم، واتخاذ ما يلزم لاسترداد المبلغ المدفوع إليه من الجامعة المنا لهذا الكتاب.

ثانيًا: تكليف النيابة العمومية برفع الدعوى على طه حسين مؤلف هذا الكتاب لطعنه على الدين الإسلامى دين الدولة.

 ثالثًا: إلغاء وظيفته من الجامعة وذلك بتقرير عدم الموافقة على الاعتماد المخصص لها فاطن وزير المعارف سعادة على الشمسى باشا بأن الوزارة لا تمانع فى إعدام الكتاب.

وأثيرت المسألة كذلك فى مجلس الشيوخ بجلسة ۲۱ مايو سنة ١٩٢٧ وأجاب وزير المعارف "بأن لا جديد عنده يزيده على بيانه السابق أمام مجلس النواب"، وأرسل الدكتور طه حسين إلى حضرة مدير الجامعة كتابًا بتاريخ ١٧ مايو سنة ١٩٢٦ مضمونه أنه: حرصًا على حل المشكلة التى أثارها كتابه "فى الشعر الجاهلى" يعرض عليه وضع النسخ الباقية من هذا الكتاب تحت تصرف الجامعة ترى فيه ما تشاء، فأبلغ حضرة مدير الجامعة فى نفس التاريخ هذا الخطاب إلى وزير المعارف وشفعه بقوله: ورجائى أن يكون فى هذا ترضية كافية وداعية إلى إنهاء المسألة بسلام، كل ذلك اعتمادًا على نفوذ معاليكم. هذا وقد حصلت الجامعة فعلًا على النسخ الموجودة من هذا الكتاب عدا ما لا سبيل إليه ما دخل فى يد الأفراد، والآن هى فى مخزن الجامعة تحت تصرف الحكومة.

.. وأذاعت الجامعة بيانًا على الصحف نصه: نشرت بعض الصحف أن الدكتور طه حسين أستاذ الآداب العربية بكلية الآداب تعرض فى دروسه للقرآن الكريم، ونسبت إليه أقوالًا لا تلائم أصول الدين، فالجامعة تكذب هذا كله تكذيبًا قاطعًا وتعلن أن القرآن الكريم يدرس فى كلية الآداب دراسة متفقة كل الاتفاق مع ما يليق بمكانته المقدسة من الاحترام والإجلال، ليتبين الطلاب منه مواضيع الإعجاز وحسن البيان. وجاء فى البيانات التى طلبناها من الجامعة أن الأستاذ طه حسين قدم لحضرة مدير الجامعة كتابًا ١٢ مايو سنة ١٩٢٦ يثبت فيه إسلامه وينفى فيه تعمده إهانة الدين والخروج عليه، وقد نشر هذا الخطاب فى الصحف المحلية وأبلغ لوزير المعارف وجاء فيه ما يأتى: كثر اللغط حول الكتاب الذى أصدرته منذ حين باسم "فى الشعر الجاهلى".  وقيل إنى تعمدت فيه إهانة الدين والخروج عليه وإنى أعلم الإلحاد فى الجامعة، وأنا أؤكد لعزتكم أنى لم أرد إهانة الدين ولم أخرج عليه وما كان لى أفعل ذلك، وأنا مسلم أؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. كما جاء فيه: «وأؤكد لعزتكم أن دروسى فى الجامعة خلت خلوا تامًّا من التعريض للديانات؛ لأنى أعرف أن الجامعة لم تنشأ لمثل هذا. وأنا أرجو أن تتفضلوا فتبلغوا هذا البيان من تشاءون (۱) وتنشروه حيث تشاءون وأن تقبلوا تحياتى الخالصة وإجلالى العظيم. ثم عرض الموضوع على مجلس الجامعة فى جلسة ١٦ مايو سنة ١٩٢٦ بمناسبة العريضة المقدمة من حضرات علماء الأزهر الشريف يطلبون فيها مصادرة هذا الكتاب وإبعاد الدكتور طه من الجامعة وإحالته إلى المحاكمة فأصدر القرار التالى: 

إن مجلس الجامعة المصرية وكّل لسعادة المدير تسوية مسألة الدكتور طه حسين مع السلطات المختصة على أن يراعى فى ذلك المبادئ الأساسية للتعليم الجامعى والشرف العلمى لهيئة موظفى التدريس بالجامعة..  وبناء على ما أعرب عنه من أنه يضع النسخ الباقية من كتابه تحت تصرف الحكومة تسلمت الجامعة ۷۸۷ نسخة من كتاب الشعر الجاهلى على سبيل الشراء بمقتضى فاتورة بتاريخ ٥/٢٢/ ١٩٢٦ بمبلغ مئة جنيه، كما اشترت الجامعة أيضًا من مكتبة الهلال ٣٤ نسخة بمبلغ ٥ جنيهات و٧٨٥ مليمًا بقيت كلها بمخزن الجامعة إلى الآن محفوظة فى صندوقين مختومين بالشمع الأحمر. ويستفاد من ذلك أن الكتاب غير متداول فى الجامعة.

أما كتاب الأدب الجاهلى فقد تبين أن الوزارة طلبت نسختين منه فوردا إليها من الجامعة بتاريخ ۲ نوفمبر سنة ۱۹۲۷ وأحيلا إلى لجنة مشكلة من حضرات الأساتذة محمد حسنين الغمراوى بك وأحمد العوامرى بك والمرحوم الشيخ محمد عبد المطلب بقصد النظر فيما إذا كان قد ورد به ما يمس الدين أو أنه لم يرد به شىء من ذلك، فقدمت تقريرها فى ۲۸ ديسمبر ۱۹۲۷ وجاء فى مقدمته (3): (أن اللجنة قرأت فصول هذا الكتاب فوجدت فيه شيئًا كثيرًا يناقض الدين الإسلامى ويمسه مسا بمختلف الدرجات فى أصوله وفروعه، ثم سردت اثنى عشر وجهًا أضاعها الكتاب على قرائه من أمر دينهم وهى: 

  1. ضاع عليهم الوحدة القومية والعاطفة الدينية وكل ما يتصل بهما "مقدمة الكتاب ومنهج البحث".

 

 (2) وضاع عليهم الإيمان بتواتر القرآن وقراءاته، وأنهما وحى من الله "باب اللهجات وانتحال الشعر".

(۳) وضاع عليهم كرامة السلف من أئمة الدين واللغة وعرفان فضلهم "بابا السياسة والدينوانتحال الشعر".

 (4) وضاع عليهم الثقة بسيرة النبى- صلى الله عليه وسلم- فى كل ما كتب فيها.

(٥) وضاع عليهم اعتقاد صدق القرآن وتنزهه عن الكذب.

(٦) وضاع عليهم الوحدة الإسلامية التى أوجدها الدين والقرآن والنبى بين الأنصار والمهاجرين.

(۷) وضاع عليهم ما وجب من حرمة الصحابة والتابعين. 

(8) وضاع عليهم تنزيه القرآن عن التهكم والازدراء بما كتب فى سورة الجن وفى صحف إبراهيم وملة إبراهيم.

(۹) وضاع عليهم تنزيه النبى وأسرته عن مواطن التهكم والاستخفاف.

(10) وضاع عليهم صدق القرآن والنبى فيما أخبر به عن ملة إبراهيم وصحف إبراهيم.

(۱۱)  وضاع عليهم براءة القرآن مما رماه به المستشرقون من أعدائه.

(۱۲) وضاع عليهم الأدب العام مع الله ورسله وكرام خلقه.

 

هذا كله يضيع على قارئ الكتاب من أجل أن يصل إلى نتيجة هى أن الأدب الجاهلى مختلق منحول، فلا كان الأدب الجاهلى ولا كان قائلوه.

ثم شكلت لجنة أخرى من حضرات الشيخ محمد حسنين الغمراوى بك والشيخ عبد الحميد حسن والشيخ أحمد أمين المدرس بالجامعة، وقد رفع رئيسها تقارير الأعضاء إلى وزير المعارف فى ٢٤ يونيو سنة ١٩٢٨ بكتاب جاء فيه أن تقرير الشيخ عبد الحميد حسن يوافق فى خلاصته للتقرير الذى قدمه فى ثلاث نقط على أن فيها مساسًا بالدين الإسلامى وهى:

  1. علاقة القراءات السبع بالوحى.
  2. رأى المستشرقين فى مصادر  القرآن.

 3 - الصلة بين الإسلام وملة إبراهيم.

وقد وردت إجابة الجامعة عن هذا الكتاب أن كلية الآداب أفادتها بكتابها رقم ۱۷۲۹ بتاريخ ۲۳ مارس الجارى أن موضوع الأدب الجاهلى يدرسه حضرة طه إبراهيم أفندى من ناحية مذاهب النقد والأدب ودراسته، وحضرة عبد العزيز أفندى أحمد من ناحية الموضوع. وقد أجاب أولهما عن علاقة كتاب الأدب الجاهلى بتدريس هذه المادة، بأن الكتاب ليس مقررًا بالمعنى المعروف فى معاهد العلم الأميرية، ولكن بما أن الكتاب يتصل بموضوعات تدرس فى الأدب الجاهلى فإن الطلبة يستعينون به. وقال حضرة أحمد الشايب أفندى "إنه لا يعرف إن كان الكتاب مقررًا بعينه ولكن قد يراجع فى بعض الموضوعات كأى كتاب علمى آخر".

أما كتاب "حديث الأربعاء" فقد أجابت الجامعة عنه بما يأتى: قال حضرة أحمد إبراهيم أفندى "إنه غير مقرر ولكن هذا الكتاب يتصل بموضوعات أدبية فى العصر الأموى والعصر العباسى، ويقول مستندًا على علمه بما كان يدرس فى هذين العصرين فى العام الماضى والذى قبله أن هذا الكتاب لا يعتمد عليه فى التدريس ولا يشار إليه إلا فى شىء يسير جدًّا".

 

 

 

 

 

وقال حضرة أحمد أفندى الشايب: “إنه قد يراجع فى بعض الموضوعات كأى كتاب علمى آخر ولكنه ليس مقررًا بعينه”، وبما أن هذا الكتاب لم يفحص فقد تقرر عرضه على لجنة خاصة لتقدم تقريرها بشأنه.. أما كتاب الأدب الجاهلى فستقوم بتبليغ تقريرى اللجنتين السابق ذكرهما إلى الجامعة المصرية وتوجيه نظرها إلى ما جاء فيهما، لتتخذ بشأنه ما اتخذ بشأن كتاب الشعر الجاهلى من حيث عدم تقریر دراسته لمساسه بالدين الإسلامى، فتلك سياسة الحكومة فى التعليم والواجب مراعاتها، وقد سبق للجامعة أن نفذتها بمناسبة كتاب الشعر الجاهلى، كما جاء فى بيانها الذى نشرته الصحف وسبقت الإشارة إليه، من أن الجامعة تراعى فى تدريس القرآن ما يليق بمكانته المقدسة من الاحترام والإجلال، وأعتقد أن فى ذلك تحقيقًا لرغبات البرلمان، سواء ما ظهر منها فى الاستجواب الحالى أو ما بدا من البرلمان أثناء مناقشة قانون الجامعة المصرية رقم ٤٣ لسنة ۱۹۲۷ الخاص بإعادة تنظيمها، حيث أشار رئيس لجنة المعارف المرحوم الأستاذ ويصا واصف إلى ذلك فى تقريره الذى رفعه إلى مجلس النواب بتاريخ ۱۳ ديسمبر سنة ١٩٢٦ من أن التعليم العالى وهو الذى ينظم الثقافة العالية فى البلاد وتحرير (۱) الرجال الذين يعهد إليهم أمر إدارة أمورها الحيوية لا يمكن أن يكون بعيدًا عن سلطة ومراقبة البرلمان، وما جاء فى شرح الأستاذ عبد الخالق عطية فى جلسة مجلس النواب بتاريخ 13 ديسمبر ١٩٢٦ حيث قال: إننا إذ نسلم أولادنا للحكومة ليتعلموا فى دورها نفعل ذلك معتمدين على أن بيننا وبينها تعاقدًا ضمنيًّا على أن الديانات محترمة لا أقول تعاقدًا ضمنيًّا فقط بل صريحًا؛ لأن الحكومة تعنى بتعليم الدين فى مدارسها ووضعه فى مناهجها، وإذا كان الأمر كذلك فعلى الذين يريدون أن يحرقوا بخور الإلحاد أن يحرقوه فى قلوبهم،أو أن يحرقوه فى منازلهم؛ لأنهم أحرار فى بيئاتهم الخاصة، أما أن يطلقوه فى أجواء دور العلم ومنابر الجامعة فهذا ما لا يمكن أن نفهمه بحال من الأحوال. على أنه مما يتعين ملاحظته أن سياسة الحكومة من حيث التعليم واحدة على اختلاف الحكومات. وقد أبان ذلك سعادة على الشمسى باشا وزير المعارف فى رده على ملاحظات الأستاذ عبد الخالق عطية أفندى فى تلك الجلسة إذ قال:

"إنا نطمع فى أن تكون الجامعة معهدًا طلقًا للبحث العلمى الصحيح، وليس معنى هذا أن ترضی بأن تكون كراسى الأساتذة منابر تلقى منها المطاعن فى أى دين من الأديان بقصد النيل من كرامته أو التهجم على حرمته، وإن واجب الأساتذة أن يتحاشوا ذلك فى كتاباتهم ومحاضراتهم. وحادثة كتاب (فى الشعر الجاهلى) وقعت كما تعلمون فى عهد الوزارة السابقة، فلما توليت وزارة المعارف أردت أن أقف على حقيقة الأمر، فسألت حضرة مدير الجامعة عن الإجراءات التى اتخذها إزاء هذه الحادثة، فأجاب بأن الجامعة منعت انتشار الكتاب بأن اشترت جميع نسخه من المكاتب وحفظتها فى مخازنها، كما اتخذت الإجراءات اللازمة لمنع طبع نسخ أخرى منه.  وقد أكد حضرته أن الأقوال التى يؤاخذ عليها المؤلف لم يلقها على طلبته بالجامعة كما ظن، وأن المؤلف صرح على صفحات الجرائد بأنه مسلم ولم يقصد إلى الطعن فى دين من الأديان أو المس بكرامته، فيستفاد من ذلك أن الكتب التى فيها مساس بالدين تتخذ الإجراءات لمنع انتشارها وطبعها، وواجب الأساتذة أن يتحاشوها فى كتاباتهم ومحاضراتهم، وذلك هو الواجب اتباعه خصوصًا وهو الأمر المطابق لروح التشريع الخاص بقانون الجامعة، فبينما كان قد نص المرسوم بقانون إنشاء الجامعة المصرية وتنظيمها الصادر بتاريخ ۱۱ مارس ۱۹۲۵ على أن يكون من اختصاص مجلس الجامعة إعداد اللوائح الخاصة بها على أن لا تكون نافذة إلا بعد أن يصدر بها مرسوم، طبقًا للمادة ١٨ منه  - وكانت الفقرة السابعة منها تبيح للجامعة أن تقرر اللوائح الخاصة بمناهج الدراسة ونص عليها فى الفقرة الخامسة من المادة ۱۸ الجديدة الواردة بالقانون رقم ٤٣ لسنة ۱۹۲٧ الخاص بإعادة تنظيم الجامعة وانتزع منها خطط الدراسة وقضى فى الفقرة الأولى من المادة ١٨ المذكورة بأن خطط الدراسة تصدر بقانون. وذلك بدون أخذ رأى مجلس الجامعة، ثم بعد ذلك أخذت المادة تبين المسائل الواجب صدورها برسوم بعد أخذ رأى مجلس الجامعة.ومنها الدراسة كما تقدم. وقد شرح رئيس لجنة المعارف حينئذ الفكرة فى ذلك بقوله وقد رأت اللجنة أن الفكرة الظاهرة فى المرسوم بقانون الصادر ۱۱ مارس سنة ۱۹۲٥ هى أن واضعه أراد أن يخرج الجامعة المصرية وبالتالى التعليم العالى من مراقبة البرلمان؛ ولذلك فإنه أعطى جميع السلطات فيه لمجلس الجامعة ولمجالس الكليات التى أنشأها، فهى التى تدير أموال الجامعة وتقبل الهبات والوصايا، بل هو الذى يرتب الميزانية ويضع الخطط وينشئ الشهادات والدبلومات.

كما جاء به بيد أن المتبع فى بلادنا وفى كثير من البلدان الأخرى أن خطط التعليم وتعيين قيمة الدرجات العلمية تكون من اختصاص السلطة التنفيذية والبرلمان، وكذلك الحال بالنسبة للميزانية؛ ذلك أن التعليم العالى وهو الذى ينظم الثقافة العالية فى البلاد، فيخرج الرجال الذين يعهد إليهم أمر إدارة أمورها الحيوية لا يمكن أن يكون بعيدًا عن مراقبة وسلطة البرلمان الذى هو وحده الكفيل برسم خطط التعليم الذى يتطلبه رقى الأمة والذى يهيئ لها المستقبل الذى ترنو إليه. كل هذه الاعتبارات حملت اللجنة على أن تنهج طريقًا وسطًا فتركت لمجالس الكليات حرية كاملة فى جميع المسائل التى لا تؤثر على نظام التعليم العالى فى جوهره.

على أن يكون الدكتور طه حسين قد نقل من الجامعة إلى وزارة المعارف بقرار وزارى تاريخه ۳مارس سنة ١٩٣٢".

 أما مسألة الصورة الفوتوغرافية المنشورة بالعدد ١٦٩٥٩ من جريدة الأهرام فقد أجابت عنها الجامعة بما يأتى:

إن الصورة الفوتوغرافية المنوه عنها فى الاستجواب قد أخذت فى اجتماع نادى طلبة الجامعة، وقد نبهت الجامعة بعدم السماح للطالبات بدخول ذلك النادى...  أما امتناع أساتذة كلية الآداب عن التدريس فى كليات الأزهر فقد تبين أن الأستاذ عبد الحميد أفندى العبادى هو الذى امتنع، فقد طلب الأزهر بكتابه رقم ۲۹۲۹ فى ٢٦ سبتمبر سنة ١٩٣١ ندبه لتدريس التاريخ بكلية اللغة العربية وكلية أصول الدين فأفادت الكلية بخطابها رقم ٧٤٠ فى ٣ أكتوبر سنة ۱۹۳۱ أنه اعتذر عن عدم التدريس بالأزهر.

 

-5-

 

الجامعة المصرية

فی ۲۳ مارس ۱۹۳۲

 

حضرة صاحب المعالى وزير المعارف العمومية:

ردًا على خطاب معاليكم الذى تطلبون فيه بيانات عن الموضوعات الواردة فى الاستجواب المقدم إلى مجلس النواب والمرفق مع خطاب معاليكم أتشرف بأن أرسل لمعاليكم ما يأتى:

أولًا: بيانًا عما طلبته إدارة الأزهر من انتداب مدرسين من كلية الآداب للتدريس بكليات الأزهر هذا العام وما تم فى كل حالة.

ثانيًا: مذكرة عن كتاب فى الشعر الجاهلى.

ثالثًا: مذكرة عن موضوع الأدب الجاهلى عن كتابى "فى الأدب الجاهلى" و"حديث الأربعاء"، هذا ونفيد معاليكم أن الصورة الفوتوغرافية المنوه عنها فى الاستجواب المذكور قد أخذت فى اجتماع فى نادى طلبة الجامعة، وقد نبهت الجامعة بعدم السماح للطالبات بدخول ذلك النادى. وتفضلوا معاليكم بقبول وافر الاحترام،،،

وكيل الجامعة

توقيع على إبراهيم

-6-

الجامعة المصرية "قلم المستخدمين" كشف بأسماء حضرات الذين طلب الأزهر انتدابهم من كلية الآداب للتدريس به فى هذا العام الدكتور حسن إبراهيم حسن- الشيخ أمين الخولى: طلب الأزهر بكتابه رقم ٢٩٣٠ فى ٢٦ سبتمبر ۱۹۳۱ انتدابهما للتدريس بقسم التخصص ووافق مجلس كلية الآداب على ندبهما فى أول أكتوبر سنة ۱۹۳۱، ووافق مجلس الجامعة فى ١٣ أكتوبر سنة ١٩٣١ على ذلك وأبلغ ذلك للأزهر فى ١٩ أكتوبر سنة ١٩٣١.  الدكتور عبد الوهاب عزام - الدكتور محمد مصطفى ذادة: طلب الأزهر بكتابه رقم ٣٢٢٥ فى 7 أكتوبر سنة ۱۹۳۱ انتدابهما للتدريس بفرق التخصص ووافق مجلس كلية الآداب على ندبهما فى ١٧ أكتوبر سنة ۱۹۳۱ ووافق مجلس الجامعة فى ٨ نوفمبر سنة ۱۹۳۱ على ذلك وأبلغ ذلك للأزهر فى ١١ نوفمبر سنة ۱۹۳۱. عبد الحميد العبادى أفندى: طلب الأزهر بكتابه رقم ۲۹۲۹ فى ٢٦ سبتمبر سنة ١٩٣١ندبه لتدريس التاريخ بكلية اللغة العربية وكلية أصول الدين، وأبلغ ذلك إلى الكلية للإفادة عما إذا كانت توافق على ندبه فأوضحت بخطابها رقم ٧٤٠ فى ٣ أكتوبر سنة ۱۹۳۱ ووافق مجلس الجامعة فى ٨ نوفمبر سنة ۱۹۳۱ على ذلك وأنه اعتذر عن عدم التدريس بالأزهر.

 

 

-7-

مذكرة عن كتاب فى الشعر الجاهلى تأليف الدكتور طه حسين

فى سنة ١٩٢٦ أخرج حضرة الدكتور طه حسين أستاذ أدب اللغة العربية بكلية الآداب وقتئذ كتابًا أسماه "فى الشعر الجاهلى" فكثرت الأقاويل حول ما جاء بهذا الكتاب من أن المؤلف تعمد فيه إهانة الدين والخروج عليه.

فقدم حضرته فى ١٢ مايو سنة ۱۹۲٦ خطابًا لعزة مدير الجامعة يثبت فيه إسلامه وينفى هذه التهم. ونشر هذا الخطاب بالجرائد المحلية وأبلغ لمعالى وزير المعارف ومرفق معه صورته. ثم عرض الموضوع على مجلس الجامعة بجلسته المنعقدة فى ١٦ مايو ١٩٢٦ وذلك بمناسبة العريضة المقدمة من حضرات علماء الأزهر الشريف يطلبون فيها مصادرة هذا الكتاب وإبعاد الدكتور طه حسين من الجامعة وإحالته إلى المحاكمة فأصدر القرار الآتى:

إن مجلس الجامعة المصرية يكل لسعادة المدير تسوية مسألة الدكتور طه حسين مع موظفى السلطات المختصة على أن يراعى فى ذلك المبادئ الأساسية للتعليم الجامعى والشرف العلمى لهيئة التدريس بالجامعة..  وبعد ذلك رفع حضرة مدير الجامعة إلى معالى وزير المعارف خطاب حضرة الدكتور طه حسين الذى يبلغه فيه أنه يضع النسخ الباقية من الكتاب المذكور تحت تصرف الجامعة، ورجا حضرة وزير المعارف أن يكون فى هذا الترضية الكافية. وبناء عليه تسلمت الجامعة من حضرة الدكتور طه حسين عدد ۷۸۷ نسخة من الكتاب المذكور على سبيل الشراء بمقتضى فاتورة مقدمة منه بتاريخ ٢٦/٥/٢٢ بمبلغ كما اشترت الجامعة أيضًا من مكتبة الهلال ٣٤ نسخة بمبلغ ٥ جنيه و۷۸۰ مليمًا فيكون مجموع النسخ التى استولت عليها الجامعة ۸۲۱ نسخة منها عدد ٤ صرفت للنيابة العمومية ونسخة لحضرة مدير الجامعة، وبقى بمخزن الجامعة إلى الآن النسخ الباقية وقدرها عدد ۸۱٦ نسخة محفوظة فى صندوقين مختومين بالشمع الأحمر.

-8-

 حضرة صاحب العزة الأستاذ الجليل مدير الجامعة المصرية:

أتشرف بأن أرفع إلى عزتكم ما يأتى: أکثر اللغط حول الكتاب الذى أصدرته منذ حين باسم "فى الشعر الجاهلى" وقيل إنى تعمدت فيه إهانة الدين والخروج عليه وأنى أعلم الإلحاد فى الجامعة، وأنا أؤكد لعزتكم أنى لم أرد إهانة الدين ولم أخرج عليه.وما كان لى أن أفعل ذلك وأنا مسلم أومن بالله وملائكته وكتبه واليوم الآخر، وأنا الذى جاهد ما استطاع فى تقوية التعليم الدينى فى وزارة المعارف حين كلفت العمل فى لجنة هذا التعليم؛ يشهد بذلك معالى وزير المعارف وأعوانه الذين شاركونى فى هذا العمل، وأؤكد لعزتكم أن دروسى فى الجامعة خلت خلوا تامًّا من التعرض للديانات؛ لأنى أعرف أن الجامعة لم تنشأ لمثل هذا. وأنا أرجو أن تتفضلوا فتبلغوا هذا البيان من تشاءون وتنشروه وأن تقبلوا تحيتى الخالصة وإجلالى العظيم.

فى ١٢ مايو سنة ١٩٢٦

الختم (طه حسين)

 

-9-

 

 حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس الشيوخ أتشرف بإخبار دولتكم أنى أريد تقديم الاستجواب الآتى إلى حضرة صاحب المعالى وزير المعارف، راجيًا الرد عليه بأقرب جلسة، وقد أرسلت إلى معاليه صورة منه.  وتفضلوا دولتكم بقبول كل احترامى،، الخميس ١٢ مايو سنة ١٩٢٧

محمود رشاد عضو مجلس الشيوخ

 

 فى الدورة البرلمانية الثالثة أثير فى مجلس النواب مؤلف طه حسين "فى الشعر الجاهلى" الذى طعن فيه على الدين الإسلامى بتكذيب القرآن فى إخباره عن إبراهيم وإسماعيل والطعن على النبى صلى الله عليه وسلم مما آلم نفوس المسلمين، وكاد يحدث فتنة فى البلاد، وقد قدمت بلاغات للنيابة العمومية وانتهى التحقيق بإصدار قرار، وهو وإن كان لم يجد القصد الجنائى متوفرًا إلا أنه أثبت اعتداء هذا المؤلف على الدين الإسلامى والتهكم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنه لا يستند فى بحوثه على علم صحيح، ولا على عقل راجح وأنه صدم الأمة الإسلامية فى أعز ما لديها من الشعور وقد علمنا أن ذلك المؤلف قدم استقالته على أثر ظهور تقرير رئيس النيابة، وأن هناك مساعٍ تعمل فى الخفاء على رفض هذه الاستقالة، فماذا ستتخذونه معاليكم الآن تهدئة للخواطر خصوصًا بعد ظهور ذلك القرار، وبعد أن وعد دولة رئيس الوزراء، ومعالى وزير المعارف فى الوزارة السابقة بالنظر فى هذه المسألة وبحثها بما تستحقه منالعناية.

 وأرجو إرفاق قرار رئيس نيابة مصر هذا باستجوابى(۱)

 ١٥ مايو سنة ١٩٢٧

 

 محمود رشاد عضو مجلس الشيوخ

 

(1) مرفق بهذه الوثيقة نص قرار النيابة فى كتاب الشعر الجاهلى الذى أعده الأستاذ محمد نور رئيس نيابة مصر فى ۳۰ مارس ۱۹۲۷، والذى قرر فيه حفظ أوراق القضية إداريًّا، ولم تر ضرورة إعادة نشره خصوصًا وأنه سبق نشره فى أكثر من مناسبة.

 

-10-

مذكرة عن موضوع الأدب الجاهلى وكتابى "فى الأدب الجاهلى" و "حديث الأربعاء"

موضوع الأدب الجاهلى:

أفادت كلية الآداب بكتابها رقم ۱۷۲۹ المؤرخ ۱۹۳۲/۳/۲۳ أن موضوع الأدب الجاهلى يدرسه حضرة طه أفندى إبراهيم من ناحية مذاهب النقد والأدب ودراسته- وحضرة عبد العزيز أفندى أحمد من ناحية الموضوع.

 

كتاب "فى الأدب الجاهلى"

قال حضرة طه أحمد إبراهيم أفندى: إن الكتاب ليس مقررًا بالمعنى المعروف فى معاهد العلم الأميرية، ولكن بما أن هذا الكتاب يتصل بموضوعات تدرس فى الأدب الجاهلى فإن الطلبة يستعينون به. فأما كيف يستعينون فهذا تفصيل يرجع إلى القائم بتدريس هذه الموضوعات. وقال أيضًا: إن فى أول هذا الكتاب شيئًا يتصل بكيفية دراسة الأدب ويشير إلى بعض مذاهب النقد الفرنسية الحديثة- الأدب ودراسته-  والشعر والنثر من الموضوعات المقررة على طلبة السنة الأولى جميعًا. يرجع الطلبة إلى هذا الباب من الكتاب كما يرجعون إلى كتب أخرى.. وقال حضرة عبد العزيز أفندى أحمد إنه ليس مقررًا على الطلبة لا هو ولا غيره وليس فى أيديهم كتاب خاص يعتمد عليه أو يكلفون الرجوع إلى كتاب بعينه فى دراساتهم، بل لهم مطلق الحرية فى استيفاء أبحاثهم.

وقال حضرة طه أحمد إبراهيم أفندى إنه غير مقرر، ولكن هذا الكتاب يتصل بموضوعات أدبية فى العصر الأموى والعصر العباسى. ويقول معتمدًا على علمه بما كان يدرس فى هذين العصرين فى العام الماضى والذى قبله إن هذا الكتاب لا يعتمد عليه فى التدريس ولا يشار إليه إلا فى شىء يسير جدًا.

 

كتاب "حديث الأربعاء"

وقال حضرة أحمد أفندى الشايب إنه قد يراجع فى بعض الموضوعات كأى کتاب علمی آخر ولكنه ليس مقررًا بعينه.

هذا وقد قال حضرة أحمد أفندى أمين إنه ليس فى قسم اللغة العربية أى كتاب مقرر بل عادة المدرس أن يلقى محاضرات ويرشد الطلبة إلى بعض الكتب التى تكلمت فى الموضوع الذى يحاضر فيه. 

 

وزارة المعارف العمومية

مكتب الوزير

حضرة صاحب العزة مدير عام الجامعة المصرية: تلقيت من رئاسة مجلس النواب هذا الاستجواب الذى أبعث لعزتكم بصورته راجيًا التكرم بإفادتى عما لدى الجامعة من البيانات الخاصة بما تضمنه هذا الاستجواب ليتسنى لى الرد عليه فى جلسة قريبة.

وتفضلوا بقبول عظيم الاحترام،،

وزير المعارف

 

 

 

 

-13-

استجواب

حضرة صاحب المعالى رئيس مجلس النواب:

أتشرف بأن أرسل إلى معاليكم هذا الاستجواب الذى أرجو توجيهه إلى حضرة صاحب المعالى وزير المعارف ودرجه فى جدول الأعمال للإجابة عنه فى أقرب جلسة.

وتفضلوا بقبول عظيم الاحترام،،

٢٩ فبراير سنة 1932

"عبد الحميد سعيد"

نائب مسير

 

(1) لقد شكرت الأمة لمعالى وزير المعارف موقفه فى رعايته تعاليم الدين وتقاليد البلاد، وقد بدأ تنفيذ ذلك فعلًا فأغلق معهد التمثيل والرقص التوقيعى الذى كان لوجوده مساس مؤلم بآدابنا العامة وتقاليد الدين، ولكننا دهشنا حينما اطلعنا على صورة نشرت بالعدد ١٦٩٥٩ من جريدة الأهرام تكتل طلبة كلية الآداب بالجامعة المصرية حول عميدهم الدكتور طه حسين وقد جلست كل شابة إلى جانب شاب، وذلك بعد أن صرح معالى الوزير بأنه لا يسمح بالاختلاط الجنسى فى معاهد التعليم، فكيف وقع هذا إذا؟ وكيف تستمر وزارة المعارف على عدم احترام الشعور الدينى والآداب القومية؟ 

(۲) وقد علمنا فوق ذلك أن بعض أساتذة الجامعة المصرية امتنعوا عن التدريس هذا العام بكليات الأزهر الشريف، وعلمنا أن الغرض من هذا الامتناع هو محاربة هذا المعهد الإسلامى العظيم مهبط العلم من مختلف الشعوب الإسلامية، فإذا كان هذا صحيحًا فكيف سكتت عنه وزارة المعارف.

 (3) ومما يؤلمنا أن الدكتور طه حسين المسئول المباشر من جميع ذلك هو الرجل المعروف بمصادمة آرائه نصوص القرآن الكريم والعقائد الدينية، وقد ظهر عداؤه للإسلام فى كثير من تعاليمه وآثاره منها كتاب الشعر الجاهلى الذى ضجت عند صدوره البلاد بأسرها ولا يزال هذا الكتاب يدرس فى الجامعة بعنوان "فى الأدب الجاهلى" ولكن تغير العنوان لم يغير شيئًا من روحه اللا دينية، فإن السموم التى أراد الدكتور أن ينفثها فى كتابه لا تزال ماثلة فى كثير من فصوله ومباحثه، كما وأنه قد زين للشبان وسائل المجون والفجور فى مؤلفه "حديث الأربعاء" ولا يمكن للأمة أن تطمئن إلى وعوده المتكررة بالعدول عن هذا السبيل المعوج، فسوابقه لا تشجع على تصديقه وهذه جامعة أميرية مصرية من أعمال دولة دينها الرسمى الإسلام، ولا تريد مطلقًا أن تخفى حركة التعليم بين جدرانها أغراضًا سيئة كتلك الأغراض الغزية التى بدت للأمة عيانًا من بعض المعاهد الأجنبية التى تتخذ التعليم ستارًا للتضليل. فكيف سكتت وزارة المعارف عن ذلك كله ولم تحرك ساكنًا؟ وكيف أن يكون ذلك الرجل عميدًا لكلية الآداب بالجامعة المصرية بعد أن انفضح أمره وضجت الأمة من خطر تعاليمه وآرائه التى لا تقل عن خطر التنصير فى البلاد.