رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكنيسة الكاثوليكية تحتفل بذكرى القديس سرجيوس رادونيز

الكنيسة
الكنيسة

تحتفل الكنيسة القبطية الكاثوليكية بذكرى القديس سرجيوس رادونيز وهو راهب وناسك.

وأطلق الأب وليم عبد المسيح سعيد الفرنسيسكاني، نشرة تعريفية قال فيها إنه ولد سرجيوس حوالي عام 1315م ، في ولاية روستوف التي تشكل، حالياً، جزءاً من مقاطعة ايفانوفو، على بعد حوالي مئتي ميل، شمالي شرقي موسكو. 

وهو الصبي الثاني لكريللس ومريم اللذين أنجبا ثلاثة ذكور، وكانا بارين، سالكين في مخافة الله. ويبدو أن العائلة عاشت في بحبوحة، ردحاً من الزمان، إلى أن اضطرتها ظروف محلية إلى التخلي عن ملكيتها ومغادرة روستوف إلى قرية رادونيج التي دعي سرجيوس باسمها، وهي على بعد تسعة أميال من دير الثالوث القدوس الذي أسسه، والقائم حالياً في زاكورسك، في مقاطعة موسكو.

معموديته

اسم سرجيوس في المعمودية كان برثولماوس. وقد اتخذ اسم سرجيوس يوم اقتبل الإسكيم الرهباني في عيد القديسين سرجيوس وباخوس،الموافق 7 أكتوبر، وهو في الثالثة والعشرين من العمر.

كان روح الرب على سرجيوس، وهو بعد في الرحم. مذ ذاك أبدى علامات على كونه إناء مختاراً للثالوث القدوس. يحكى، في هذا السياق، أن أمه حضرت يوماً من أيام الآحاد، خدمة القداس الإلهي، وفي أثنائها خرجت من أحشائها أصوات غريبة وكأنها هتاف، مرة عندما كان الكاهن يقرأ الإنجيل، وأخرى قبل الشاروبيكون، وثالثة عندما هتف الكاهن: "لنصغ! القدسات للقديسين". وقد أثرت حوادث كهذه ونبوءات نطق بها بعض الأتقياء بشأنه في موقف والديه منه فاعتبرا نفسيهما مؤتمنين على إناء مختار لله، وصارت أمه تلحظ نفسها بدقة، لجهة السيرة والأصوام، حتى لا يتلوث الجنين في أحشائها بخطيئة ترتكبها أو تقصير في محبة الله يبدر عنها.

ومن الدلائل الأخرى على عناية الله الخاصة بعبده سرجيوس، ما حدث له وهو في السابعة من عمره، يومها عانى الصبي من صعوبات في التعلم، إذ بدا أنه غليظ الذهن، بطيء الفهم، قليل التركيز. وقد سبب له ذلك متاعب جمة لأن معلمه كان يعاقبه ورفاقه يسخرون منه ووالديه يوبخانه ظناً منهما أنه كسول. ومع أن الصبي كان يبذل كل ما في وسعه فإنه لم يكن ليحقق تقدماً يذكر، لا في القراءة ولا في الكتابة. خرج مرة إلى الحقل حزيناً يبحث عن جياد أبيه، فإذا به يلقى في الطريق، تحت سنديانة، راهباً قائماً في الصلاة يبكي. فاقترب منه وسجد أمامه، إلى الأرض، كما جرت العادة، وانتظر. 

وانتهى الراهب من الصلاة وتطلع إلى الصبي بعين الروح فعرف أنه إناء مختار لله فقال له: "تعال يا بني!" فتقدم الصبي فباركه الراهب وقبله وسأله: "ماذا تريد يا بني؟ هل تبحث عن شيء؟".فأجاب: "يا أبانا، إن ذهني غليظ ولا احفظ مما أتعلمه شيئاً، ولا أعرف الكتابة. اشتاق إلى قراءة الكتاب المقدس ولا أعرف القراءة. فصل من أجلي إلى الله". قال هذا وبكى. فرفع الشيخ عينيه ويديه إلى السماء وصلى متنهداً، في روحه، ثم قال: "آمين!". ومد يده وأخرج من كيسه قطعة من القربان وأعطاها للصبي قائلاً: "كل هذه، يا بني! فهذه علامة نعمة الله وعطيته لك لتفهم الكتاب المقدس...". 

ثم أضاف: "إن كنت تؤمن يا بني فسترى أعظم من هذا. أما بشأن القراءة والكتابة فلا تكن حزيناً لأن الله قد أعطاك، منذ الآن، أن تفهم الكتب أكثر من أخويك ورفاقك".

قال هذا وهمّ بالانصراف فخرّ الصبي عند رجليه يرجوه أن يأتي معه إلى البيت قائلاً: "إن أبي وأمي يحبان كثيراً من هم مثلك يا أبانا!". فجاء الاثنان إلى المنزل واستقبل والدا الصبي الراهب الضيف استقبالاً طيباً ودعياه إلى تناول الطعام فقبل. ولكن، دخل الجميع أولاًَ إلى الكنيسة لأداء فريضة الساعات. 

افتتح الراهب الخدمة ثم طلب من الصبي أن يقرأ المزامير، فارتبك سرجيوس وقال أن هلا يعرف القراءة. فأصر الراهب فتناول الصبي الكتاب وراح يقرأ منه بوضوح وبلا خطأ أو تلعثم، فيما وقف الحاضرون مندهشين لا يصدقون أسماعهم. وانتهت الصلاة وتناول الراهب طعام الغداء. وقبل أن يغادر قال عن الصبي أنه سيكون خادماً للثالوث القدوس وسيأتي بكثيرين إلى معرفة الوصايا الإلهية. منذ ذلك الحين صار بمقدور الصبي أن يقرأ الكتب. وقد سلك في الطاعة لوالديه، وانصرف، على غير عادة أترابه، إلى شؤون العبادة بغيرة وبهجة قلب، صلوات وأصواماً وأسهاراً وقراءات.

نموه وتقدمه الروحي

ونما سرجيوس في النعمة والقامة أمام الله والناس. ولما أبدى رغبة في الترهب أجابه والده: "اصطبر علينا قليلاً، يا بني، فأنا وأمك قد شخنا ونحن مريضان وليس لنا من معين سواك...". قال كيرللس ذلك لأن ولديه الآخرين كانا قد تزوجا، فقعد سرجيوس صابراً إلى أن افتقد الرب الإله والديه وأخذاهما إليه. فقام، إذ ذاك، إلى أخيه الأكبر استفانوس الذي كان قد ترمل واقنعه بالسلوك سوية في طريق الحياة الملائكية. ثم عمد الأخوان إلى شق طريقهما عبر الغابات الكثيفة العذراء. بحثاً عن مكان يلائم ما ينشدانه. وأخيراً حطا رحالهما في بقعة منعزلة وشرعا، للحال، ببناء كنيسة وبضع قلال. وقد كرسا الكنيسة للثالوث القدوس. ولكن لم يشأ استفانوس البقاء بجانب أخيه لأن وطأة العزلة والعوز في ذلك الموضع كانت ثقيلة عليه فغادر، بعد فترة وجيزة، إلى دير الظهور الإلهي في موسكو، وبقي سرجيوس لنسكه وحيداً.ثم أن سرجيوس أعد نفسه لاقتبال الإسكيم الرهباني. ولما آن الأوان هداه ملاك الرب إلى راهب كاهن له رتبة رئيس دير شرطنه وزوده بالبركة والتوجيهات وانصرف عنه.

لا أحد يعرف تماماً كيف أمضى سرجيوس سنوات انفراده ولا كم كان عددها، ولعلها سنتان أو ثلاث، عرف خلالها منتهى الفقر. كما كانت تحتف حوله وتتهدده حيوانات البرية، ذئاباً تزأر ودبباً تأتيه جائعة تبحث عن فريسة. وبقوة الصلاة ونعمة الله صمد وثبت حتى إن قصصاً تحكى عن مؤانسات كانت له وبعض هذه الحيوانات نظير آدم في الجنة قبل السقوط.

إلى ذلك، لم تترك الأبالسة حيلة إلا استعملتها لتخرجه من منسكه فلم تفلح. جاءته، مرة، عبر جدران الكنيسة وهو يصلي. اندفعت صوبه وادة لو تدك الكنيسة والمكان كله إلى أساساته، وهي تصر على رجل الله بأسنانها وتقول: "اترك هذا المكان لأنك لا تستطيع 

أن تبقى فيه بعد اليوم! فها قد وجدناك، فأين تهرب من وجهنا؟! وأنت أنت من يهاجمنا! إذا لم تفر من هنا فسوف نمزقك إرباً إرباً وستموتن بإيدينا..", ولما كان سلاح سرجيوس صلاته. وحالما استجار سرجيوس بالسيد الإله تبددت الأبالسة كأنها لم تكن فشكر الله على رحمته الغنية العظمى.

هكذا أمضى سرجيوس سنواته الخصيبة الأولى ناسكاً يقاوم الخوف والضيق والتجارب بخوف الله، وبنعم، من خلال الهدوء الجميل والانصراف الكامل إلى وجهه ربه، بحلاوات العشرة الإلهية. هكذا تروض على تخطي نفسه إلى التسليم الكامل لله وإلى الصلاة المستمرة والنظر في الإلهيات.

علاقاته ببطريرك القسطنطينية

ثم أن خبر سرجيوس بلغ فيلوثاوس، بطريرك القسطنطينية في ذلك الزمان، فبعث إليه برسالة حضه فيها على تنظيم الحياة الرهبانية عنده على أساس الكينوبيون أو الشركة، وفيها يصلي الرهبان الصلوات الكنسية مجتمعين، وينامون في قلالي مشتركة وينقسمون إلى فرق عمل ويشتركون في أمور الحياة ولا تكون لأي منهم ملكية خاصة. وقد أطاع سرجيوس لتوه وباشر تغير النظام في الجماعة من إيديورينمي إلى شركوي. كان ذلك ابتداء من العام 1354م.

ومع أن الأمور أخذت تنتظم في هذا الاتجاه شيئاً فشيئاً، إلا أن بعض الإخوة بدأوا يتململون إلى أن كاد تململهم يتحول إلى عصيان، فأضحت الجماعة على شفير الانقسام والانفراط لولا تجرد القديس سرجيوس الذي آثر الانصراف عن الجماعة، ولو إلى حين، على فرض النظام الجديد فرضاً. شوقه، في كل حال، كان إلى حياة الخلوة. وقد بينت المستجدات بعد ذلك أن يد الرب كانت وراء ما حدث لأن سرجيوس بدأ بتأسيس دير في غير مكان. وكان هذا خطوة في اتجاه تأسيس عدد من الأديرة هنا وهناك، يظن الدارسون أنها قد بلغت، يومها، الأربعين عدداً. يذكر أن سعي القديس سرجيوس إلى الحياة الرهباينة المشتركة كان بمثابة بعث لها بعدما زالت إثر الغزو التتري للبلاد الروسية.

وذاع صيت القديس سرجيوس في كل مكان حتى أن الكسي متروبوليت موسكو عرض عليه خلافته عام 1378م فامتنع. غير أنه لعب دوراً في حفظ السلام بين الأمراء المتخاصمين الذين كانوا يأتونه مسترشدين من كل صوب. ويذكر التاريخ أنه لما أراد الدوق ديمتري أيانوفيتش الخروج لمحاربة قبائل التتر، عام 1380، جاء إلى سرجيوس سائلاً البركة فباركه قائلاً: "سوف تنتصر بعون الله وسترجع معافى كريماً". وبالفعل، تمكن الدوق من دحر أعدائه ورفع عن الشعب الروسي نير مستعبديه.

عاش القديس سرجيوس ثمان وسبعين سنة، وقد كشف له الرب الإله ساعة موته قبل ذلك بستة أشهر فأعد نفسه وتلاميذه وزودهم بتوجيهاته وأقام عليهم تلميذه المتفاني نيقون وأسلم الروح. كان ذلك في اليوم الخامس والعشرين من شهر سبتمبر عام 1392م أو ربما من العام 1397م.