رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحالة الطارئة تأهب واستجابة

يسعى الإنسان المستخلف في الأرض لإعمارها حثيثًا بما له من سمات وخصائص تُطور نظم معيشته باستمرار بقوة عقلية وجسدية لا نهائية تبني الحضارة وتصنع النهضة وتمد جسور النمو والتطور. لكن مسيرته لتحقيق ذلك تعتريها الكثير من المصاعب، وتواجهها العديد من التحديات، وتُعيقها الكوارث والأزمات، وتثنيها المخاطر.  

المخاطر ما هي إلا ظروف قد يُحدثها الإنسان، إذ أثبتت بعض الدراسات أن نحو (88%) من الحوادث بوجه عام سببها الإنسان. وأن (80%) من تلك الحوادث تقع نتيجة أعمال غير أمنة يأتيها الناس أنفسهم أو يتسببون فيها، و(20%) منها ترجع إلى البيئة غير الأمنة في المحيط البيئي الذي يحيط بالإنسان، كالمخاطر الطبيعية المتمثلة في الحوادث والكوارث التي تكون ضمن الظواهر الطبيعية في مختلف ميادين الحياة. 

تحدث الكارثة عند عجز الإنسان عن التوصل إلى معلومات دقيقة عن نظام تكرارها ومداها وتوقيتها. ومن أكثر الكوارث خطورة الفيضانات والأعاصير والزلازل والجفاف وهذه الظروف هي التي تُشكل خطرًا مباشرًا، وبالتالي تكون مهيأة لوقوع الكوارث التي ينتج عنها أضرار مادية وبشرية جسيمة.

استند الإنسان قديمًا إلى نظرية تقليدية للحكم على مدى سلامة وصلاحية الأرض للانتفاع، فكان يأتي إلى حيز من الأرض ثم يقوم بحفر جزء دائري منها بقطر متر واحد وعمق متر، ويضع التراب في وعاء ثم يُعيد هذا التراب إلى الحفرة ذاتها، وبالملاحظة تنتج ثلاث حالات إما تزيد كمية التراب عن الحفرة أو تردمها تمامًا أو تنخفض داخلها، وعلى أثر ذلك يتم الحكم، فإذا زادت كمية التراب عن تلك الحفرة اطمأن الإنسان إلى تلك الأرض واستثمرها، وإن تساوت كمية التراب معها استفاد منها بحذر، وإن انخفضت الكمية أيقن بخطورتها وتركها وبحث عن غيرها. ويبدو أن ذلك توظيف تطبيقي لأداة الملاحظة العلمية لتجنب الكوارث والحد من تداعياتها أكدت صحته نتائج الدراسات الجيوفيزيائية الحديثة.    يُعد الاستثمار في التأهب المعني بتقليل الأثر الناجم عن الحالات الطارئة حجر الزاوية في إدارة الطوارئ. 

يُعزى السبب في ذلك إلى أن التأهب حالة من الاستعدادات الموسعة التي تبني قدرات متعددة الاختصاصات والإمكانات المادية والبشرية والتقنية، تُطورها الدول والهيئات والمنظمات في شكل استراتيجيات وخطط فرضية من أجل التخطيط والوقاية، والكشف، والاستجابة والتعافي على نحو فعال لتجنب الكوارث والأزمات والتقليل من آثارها.                     

يُشكل تطوير وتعزيز القدرات في مجال التأهب لحالات الطوارئ ضمانًا ضد التهديدات التي تتعرض لها مختلف قطاعات المجتمع عن طريق دمج التأهب لحالات الطوارئ كعنصر أساس ضمن عناصر إدارة الحالات الطارئة، ومواجهة الكوارث والأزمات، وفي مجال القدرة على الصمود والاستمرار في التصدي للمخاطر ومعالجة الآثار الناجمة عنها، والذي بدوره يتطلب نهجًا متكاملًا يؤصل للروابط والأدوار الحاسمة لكل الجهات ذات الصلة بمواجهة الحالات الطارئة والإنذار المبكر في إطار منظومة التأهب والوقاية والتخفيف من آثار حالات الطوارئ.

تُؤكد الدراسات والبحوث أن تدابير التأهب تُسهم إسهامًا فعالًا في تخفيف المعاناة الإنسانية، وتعويض فقدان سُبل العيش، وخفض الوقت والجهد والتكاليف البشرية والمادية المترتبة على الاستجابة لحالات الطوارئ.

 تُفيد التقديرات إلى أن ما يُنفق على التأهب لحالات الطوارئ يوفر ضعف التكلفة ويتيح فرصة زمنية ثمينة لعمليات الاستجابة.

تظل الاستجابة هي العنصر الأساس في مجال التصدي للمخاطر، وتُعد خطوة تتمتع بنفس القدر من الأهمية والحتمية في إدارة الطوارئ للمزج السريع والفوري بين عناصر الإدارة من تخطيط وتنظيم وتنسيق وتوجيه ورقابة واتخاذ قرارات ومتابعة وتقييم على نحو فاعل يستوعب كل جهود الاستجابة الوطنية وإدماجها مع كل سبل الدعم السريع الإقليمي والدولي عند الضرورة من خلال المعطيات القيادية والإدارية والتقنية لإدارة الطوارئ على نحو يجعل الحالة تحت السيطرة والتحكم في كل مراحلها، بما يُحقق الكفاءة الإنتاجية والكفاية التشغيلية في مراحلها الأربعة الوقاية، والكشف، والاستجابة، والتعافي، وضمن خطوط إنتاجها العاملة التدخل والإمداد والإخلاء والإيواء وإعادة أوضاع.                تُنبؤ سرعة الاستجابة عن الجاهزية التشغيلية والقدرة على التنبؤ بالمخاطر والكشف عن مصادرها وتطبيق تدابير الوقاية وتعزيز الممارسات الصحيحة لإدارة الحالات الطارئة في الجهات الفاعلة والرئيسة في كل الجهات المعنية بمواجهة المخاطر، والتي عليها أن تلتزم بخطة منظمة وواضحة ومحددة المهام تكون قادرة على تنفيذها، جنبًا إلى جنب مع مصادر الدعم والتعزيز الأخرى.

من الأهمية بمكان وجود دليل الممارسات السليمة لإدارة الحالات الطارئة وتحديثه وتطويره باستمرار، وإجراء تجارب وخطط فرضية بشكل دوري لجعل المشاركين من خلال الفرضيات في حالة تأهب واستعداد، بإجراء تدريبات وتطبيقات المحاكاة لمشاهد تشبهية للمخاطر قبل مواجهة التهديدات الفعلية، وذلك لإبقاء جهود التأهب قائمة وإمدادها بالخطوات القيمة والإجراءات الفعالة التي يلزم اتخاذها في الظروف الاعتيادية والأحوال الطارئة بما يجعلها قادرة على إدارة المواقف بكفاءة وفاعلية قبل حالات الطوارئ وفي أثنائها وبعدها.

تحليل وتصنيف المخاطر على قدر كبير من الأهمية لأن اجرائها سيسهم في تحديد أجهزة المراقبة القادرة على استشعار الخطر قبل وقوعه، والإسهام في تحديد نظم الإنذار المبكر عن الأخطار بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة. كما يساعد تحليل المخاطر الجهات المختصة على اقتراح ومتابعة مشروع اللوائح والتنظيمات الخاصة بذلك للحد من المخاطر بأنواعها كلها عند إعداد استراتيجيات وخطط الطوارئ أو الخطط الفرضية والتجارب الوهمية للتعامل مع المخاطر، ويساعد أيضًا الجهات المختصة على تحديد برامج وطرق التدريب المناسبة للفرق التي تواجه هذه المخاطر، ويُمكنها من تحديد الإمكانات المطلوبة بشرية ومادية، وكذلك تخصيص الآليات والتجهيزات الفنية التي تساعد في الوقاية من هذه الأخطار وتوزيعها على الفروع والمناطق حسب أنواع الأخطار.

زخر علم الفلك العربي بتراث علمي واسع، وبثقافة معرفية فلكية تراكمية لها بعدها التأصيلي لعلوم الفلك والفضاء الكوني، فقد كان مرصد الشماسية ببغداد العراق منذ عام 214هـ، 829م التابع لبيت الحكمة ساحة العلم ودار المعرفة العربية الشهيرة شاهدًا على جهود علماء العرب في مجال علوم الفلك والمناخ والاستمرار بتدوينها وتصديرها إلى العالم. 

يعكس مرصد قبة السيار على جبل قاسيون بسوريا منذ عام 216هـ 831م، جهودًا فلكية عربية يتوجها لنحو 12 قرنًا من الزمن. ومرصد مكة المكرمة على جبل أبي قبيس منذ عام 1948م محتفظًا بدوره الفلكي الفاعل في خدمة الأماكن المقدسة، ومرصد مصر بالقطامية في عام 1964م الذي سبق وأن بدأ بحلوان منذ عام 1903م، ويحظى بأهمية عالية على المستوى العالمي، لكونه يطل على قبة السماء في النصف الشمالي مع جزء كبير من النصف الجنوبي، مما يُميزه عن المراصد الأوروبية، وقد شرعت مصر الآن ببناء مرصد فلكي متكامل على جبل الرجوم بأبو سمبل جنوب سيناء، ليكون أول مرصد من نوعه في إفريقيا والشرق الأوسط، وتطوير شبكة رصد الزلازل، والكود الزلزالي، والكود الجيوتقني، والرصد تحت الصوتي، ورصد الإشعاع الشمسي. 

تظل جهود الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك بعمان الأردن مستمرة منذ 1997م لدعم التواصل بين المختصين والهواة العرب في علوم الفضاء والفلك، وتعزيز مسيرة البحث العلمي العربية في هذا المجال.                                                          

بات الوطن العربي تتدافع حوادثه وأحداثه الكارثية بمظاهر مرعبة مفجعة، لتحدو به نحو شراكة ضرورة في إطار علمي وعملي لإطلاق "مرصد الفلك والفضاء العربي" لتحقيق مفهوم التكامل والتلاحم بين جهود علماء الفلك والفضاء العرب لرصد الفلك والفضاء والمناخ، والاستفادة من فرصة اختيار أنسب المواقع جغرافيًا وأكثرها ملاءمة على خارطة الوطن العربي وتوظيف البعد الطبوغرافي والجيوفيزيائي لهذا الوطن الكبير، وإمكانية ضم دول حوض النيل غير العربية لـ"مرصد الفلك والفضاء العربي" لتعميم الفائدة وتوسيع دائرة الشراكات.

  • خبير استراتيجي ورئيس مكتب المعرفة العربية السعودي للاستشارات