رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ابنة الشهيد إبراهيم الرفاعى: أصيب بنزيف من شدة الحزن بعد «67».. وتنبأ باستشهاده فى «73»

ابنة الشهيد إبراهيم
ابنة الشهيد إبراهيم الرفاعى

دور كبير لعبه البطل إبراهيم الرفاعى، قائد «المجموعة ٣٩ قتال صاعقة خاصة»، فى حرب أكتوبر المجيدة، فمن خلال مجموعته تلك أذاق الإسرائيليين الويل، وراح خلف خطوطهم ينفذ من العمليات العسكرية ما أصابهم بالرعب وجعلهم يرددون اسمه واسم مجموعته فى المنام قبل اليقظة.

 أطلقوا عليه وعلى مجموعته اسم «الأشباح»، وظلت معسكراتهم ومواقعهم ومخازنهم مضاءة بنيرانه ونيران رفاقه لأيام طويلة، ليس خلال فترة حرب أكتوبر فحسب، بل منذ الخامس من يونيو ١٩٦٧، حتى استشهاده على الجبهة، فى ١٩ أكتوبر ١٩٧٣.

فى السطور التالية، تصحبنا السيدة ليلى إبراهيم الرفاعى فى جولة ذكريات، تسترجع خلالها قصصًا من حياة البطل الراحل، منذ أن كان يصوب بندقيته «الرش» على أحد معسكرات الإنجليز بحى العباسية، حتى فاضت روحه إلى بارئها وهو يحمل «آر بى جى» فوق أحد تلال سيناء.

نيران مجموعته «39 قتال» فى معسكرات العدو أضاءت سيناء ليالى طويلة

قالت ليلى إبراهيم الرفاعى، ابنة قائد «المجموعة ٣٩ قتال صاعقة خاصة» فى حرب أكتوبر، إن والدها البطل الراحل ولد فى أسرة عسكرية، فوالده كان مأمورًا، وجده من الأم كان ضابطًا كبيرًا فى الجيش، وخالاه الاثنان كانا ضابطين أيضًا، واتسموا جميعًا باللياقة والمظهر الجيد.

وأفادت بأن الشهيد «الرفاعى» شارك فى ٥ حروب، كانت أولاها حرب ١٩٥٦، ثم حرب اليمن بعد ذلك، وحصل فى الأخيرة على ترقيتين استثنائيتين، مرورًا بحرب الخامس من يونيو ١٩٦٧، التى لم نحارب فيها، بل تم ضرب قواتنا على الأرض.

وذكرت أنه كان من الصعب على مقاتل شرس مثل والدها أن يقبل ما حدث، أو يُقال عنه لقد هُزم مثل هذه الهزيمة، لذا أصيب يوم الحرب بـ«قرحة فى المعدة» من شدة الحزن، وتسببت له فى نزيف حاد، فذهبنا به مسرعين إلى المستشفى، الذى سافر منه إلى إنجلترا لتلقى العلاج، وهناك نصحه الأطباء بعدم الانفعال أو بذل مجهود شديد.

لكن «الرفاعى» بعد العودة من رحلته العلاجية، بدأ تكوين «المجموعة ٣٩ قتال»، وذلك من خيرة ضباط الصاعقة البحرية والبرية، حتى إنه كان يدور على الوحدات لاختيار ضباط المجموعة بنفسه، وسط إصراره على أن يكون لها دور فى استرجاع الأراضى المصرية من قبل المُحتل، وفقًا لابنته السيدة «ليلى».

وقالت ابنة الشهيد «الرفاعى» إن والدها البطل الراحل بدأ فى تنفيذ عمليات قتالية من خلال «المجموعة ٣٩ قتال»، وذلك بعد حرب ١٩٦٧ بأسبوعين، وكانت أولى هذه العمليات تفجير المخزن الذى احتفظ فيه العدو الإسرائيلى بجميع الأسلحة التى حصل عليها من الجيش المصرى، ووضعها فى هذا المخزن كمعرض يشاهده العالم أجمع، لكن «والدى ومجموعته جعلوا سيناء مضاءة بنيران هذا المخزن لمدة ٣ أيام».

وأضافت: «نفذ والدى بعد ذلك ٩٨ عملية خلف خطوط العدو، من بينها العملية التى نفذها للثأر لاستشهاد الفريق عبدالمنعم رياض، بعد مرور ٤٠ يومًا فقط على وفاته، وحينها هاجم مع ٦٠ بطلًا موقعًا مهمًا جدًا للقوات الإسرائيلية ودمروه، وقتلوا وأسروا ٤٤ إسرائيليًا وأخذوا أسلحتهم، ثم أنزلوا العلم الإسرائيلى من الموقع ورفعوا العلم المصرى مكانه».

وواصلت: «أتذكر أنه بعد هذه العملية أتى والدى إلى المنزل ومعه العلم الإسرائيلى، وطلب منى أنا وأخى الأصغر الخروج إلى البلكونة ودهس العلم فيها، لكى يصورنا ونحن نفعل ذلك، وبالفعل صورنا ونحن ندوس على علم العدو».

وصلت السيدة «ليلى» للحديث عن ذكرياتها خلال فترة حرب أكتوبر فقالت: «كان عندى ١٠ سنوات، وأخى ٨ سنوات، وكنت أرى والدى دائمًا ما يقاتل، فهو كان موهوبًا للغاية فى القتال، وكان يحقق سعادته فى الحروب والعمليات العسكرية».

وأضافت: «وصلت مهارة والدى فى القتال إلى الحد الذى كان يرعب الإسرائيليين، لأنه يضع الخطة المثالية وينفذها بكل شجاعة، ثم يعود ومن معه بالنصر دون إصابة واحدة بين صفوفهم، وهو ما جعل قوات العدو تطلق عليه ورفاقه لقب (الأشباح)، لأنهم يظهرون فجأة وينفذون عمليتهم، ثم يعودون أدراجهم بسرعة البرق».

وتذكرت أنه نظرًا لكون والدها هو رئيس فرع العمليات الخاصة، وكان يعمل فى الاستطلاع أيضًا، حرص على تصوير ما يشاهده، وكان يأتى إليهم بهذه الصور ليريهم إياها، قائلًا لهم بحزم: «بصوا المنطقة دى بتاعتنا وأنا هاجيبها».

وواصلت: «لم أشعر بحرب أكتوبر إلا بعد استشهاد والدى، فأنا دائمًا ما أرى والدى ينفذ عمليات عسكرية ويشارك فى حروب ويعود، أما الأمر المختلف بالنسبة لى فى حرب أكتوبر، كان سماعى أغنيات عن الحرب والنصر واستشهاد والدى فى الراديو».

استشهد على الجبهة بين جنوده والسادات قال: «رجعوا جثمانه بأى ثمن»

تذكرت السيدة «ليلى» آخر عملية نفذها الشهيد إبراهيم الرفاعى خلال حرب أكتوبر، بتكليف من الرئيس الراحل محمد أنور السادات، مشيرة إلى أنه قبل الحرب ببضعة أيام، ذهب والدها بصحبة والدتها إلى جميع أقاربهم للسلام عليهم، وكأنه يودعهم الوداع الأخير.

وقالت ابنة الشهيد «الرفاعى»: «كان والدى عائدًا إلى المنزل منذ فترة قصيرة جدًا، وكان صائمًا فى هذا الوقت، فتلقى اتصالًا هاتفيًا من الرئيس الراحل أنور السادات، أبلغه فيه بأن هناك هجومًا على مدينة الإسماعيلية، بعدما نفذ العدو معبرًا غاطسًا تحت الماء، ولا يستطيع أحد إنهاءه غير إبراهيم الرفاعى». وأضافت: «غير والدى ملابسه وتناول وجبة الإفطار، ثم خرج ووقف على باب المنزل، وقال لوالدتى لأول مرة: (خدى بالك من العيال)، وبعدما وضع خطة عملية نسف المعبر الذى أعده العدو، فوجئ بعد وصوله الإسماعيلية بالفريق سعدالدين الشاذلى يخبره بتغيير مهمته، لتصبح الدخول إلى منطقة أخرى لمحاصرة دبابات العدو».

وواصلت: «نفذ والدى الأمر رغم اعتراضه عليه، لأنه لم يكن مُجَهزًا بالأسلحة المناسبة، ولم يضع خطة مناسبة لهذه المهمة الجديدة، لكن الفريق الشاذلى أصر على تنفيذها، فذهب الشهيد الرفاعى إلى المنطقة المقررة، فوجد طوابير من دبابات العدو، وكان هو ورفاقه يسيرون على أقدامهم».

وأكملت «وزّع المجموعة التى كانت معه يمينًا ويسارًا حتى يشعر العدو بأن عددهم كبير، وبدأ فى ضرب أول دبابة فوقف طابور الدبابات، وظل يضرب، فيتوقف الطابور بشكل متتال».

وتابعت: «كان والدى يضرب الدبابات من فوق تبة عالية بملابسه، التى يعرف العدو أنها ملابس القائد، فبدأ العدو فى الضرب بالدبابات فى هذا المكان، ما دفع والدى إلى أن يأمر مجموعته: (انبطحوا)، ثم وقف فوق مكان عال فى التبة ليشاهدهم بنظارته المكبرة، فرآه العدو». وأضافت: «أخذ والدى آر بى جى صف الضابط الذى كان بجواره ليضرب العدو بنفسه، فاللهب الذى خرج من هذا السلاح أظهر للعدو مكانه، فضربت دبابة من دبابات العدو دانة على المكان الذى كان يقف فيه العميد الرفاعى آنذاك، فسقطت وراءه، لكن شظية من هذه الدانة أصابت ظهره ثم استوطنت فى القلب مباشرة، فسقط على الصف ضابط المجاور له وفارق الحياة». حينها أبلغ رفاق الشهيد «الرفاعى» السلطات باستشهاده، وأخبرهم الرئيس السادات بضرورة الرجوع بجثمانه بأى ثمن، وكان بالفعل الضابط الوحيد الذى تم أخذه من سيناء ودفنه فى القاهرة، وفقًا للسيدة «ليلى».

واستكملت سردها للحظات الأخيرة فى حياة «الرفاعى»: «أخذه رفاقه إلى الإسماعيلية وذهبوا به إلى المستشفى، ولم تنزل منه نقطة دم واحدة، وأخبرهم الأطباء باستشهاده، وهو ما جعل الضباط وصف الضباط والجنود ينهارون من البكاء عليه حتى وصلوا إلى القاهرة». وأبلغ الجيش أعمام السيدة «ليلى» بخبر وفاة والدها، فذهب عمها ووالدتها إلى المستشفى الذى كان به الشهيد، وفجأة تحول منزل جدها إلى ساحة لاستقبال عدد كبير من الناس يرتدون الملابس السوداء.

وقالت ابنة البطل: «حينها ظللت أتساءل أنا وأخى عما يحدث، ولماذا كل هؤلاء الأشخاص يزوروننا، ولماذا يرتدون جميعهم ملابس سوداء ويبكون وينظرون إلينا آسفين. فذهبت لسؤال جدى: لماذا يبكى هكذا وهو شخصية شديدة للغاية؟.. فقال لى: إن أحد أقاربنا قد توفى، فقلت له: لا حضرتك لن تبكى هكذا على فراق أحد الأقارب، فانهار فى البكاء وظل صامتًا».

وأضافت: «عندما عدنا لمنزلنا ظللت أنا وأخى نضغط على والدتى ونسألها عن أبينا، حتى أخبرتنا باستشهاده، وأن الشهيد لا يموت، فبكينا بشدة، ثم بدأنا نتعايش بعد ذلك، لكننى ما زلت أشعر بأنه معى بالفعل فى كل مكان أذهب إليه».

قال لوالدتى عند خطبتها: «هعيش 10 سنين بس.. توافقى تتجوزينى؟»

تحدثت السيدة «ليلى» عن النياشين التى حصل عليها والدها، قائلة إنه حصل على ما يقرب من ٣٠ ميدالية فى كل الألعاب الرياضية، منذ التحاقه بالثانوية العسكرية حتى استشهاده، وعلى رأسها ميداليات فى السباحة والرماية والضاحية والملاكمة وكرة القدم.

كما أنه حصل على نوط الواجب العسكرى مرتين، ونوط الشجاعة العسكرى مرتين، والنجمة العسكرية ٣ مرات، إلى جانب وسام الترقية الاستثنائية، ونجمة الشرف، ونجمة سيناء، ووسام الشجاعة الليبى، وجميعها من الطبقة الأولى.

وأضافت: «رغم صغر سننا أنا وأخى كنا مدركين كل شىء، وكان والدنا يتعامل معنا كالكبار تمامًا، ويصطحبنا أحيانًا إلى مجموعة عمله ٣٩ قتال فى الحلمية، ومعنا ٢ بندقية لصيد العصافير واللعب معهم، حتى لا نشعر بأن والدنا بعيد عنا، لأنه كان يقضى طوال اليوم فى المجموعة».

وواصلت: «حببنا والدنا فى القتال، وعلمنا النشان والرماية والسباحة وكرة القدم وكل الرياضات التى كان يحبها»، مشيرة إلى أنه عندما ذهب ليتقدم لخطبة والدتها قال لها: «أنا هعيش ١٠ سنين بس، توافقى تتجوزينى؟»، فوافقت والدتها حينها على الزواج، مضيفة: «المفارقة هنا هى أن والدى توفى وأنا عندى ١٠ سنوات ونصف!».

وأكملت: «رغم كل ما تعرضت له والدتى من فراق وأحزان، صممت على أن يصبح أخى ضابطًا فى الجيش، واشترت له (أفارول) وهو فى الإعدادية، وعلقت فيه نياشين والدى كلها، وكانت تقدمه لتلقى الجوائز عن أبى، وهو ما حدث بالفعل، فقد أصبح شقيقى ضابط جيش، وتخصص فى الاستطلاع أيضًا مثل والدى».

وتطرقت إلى صفات والدها الشخصية قائلة: «كان شهمًا للغاية مع جميع من يعرفه، كما أنه كان يلبى جميع الطلبات التى تطلب منه، سواء من الأقارب أو المعارف أو الأشخاص الذين لا علاقة لنا بهم».

وأوضحت أن «والدى عندما كان يعانى من قرحة فى المعدة، وكان بواب العمارة الخاص بنا يعانى من نفس المرض، وكان دواء والدى لا يوجد فى مصر حينها، والفريق صادق- رحمه الله- يأتى بالدواء له من إنجلترا، وهو عبارة عن زجاجتين من أجل تغليف المعدة حتى لا تنزف، فكان والدى يأخذ زجاجة ويعطى الأخرى للبواب».

وواصلت: «كان يشترى لنا كل ما هو جديد فى عالم الألعاب والأدوات المنزلية والملابس، وكان يتمتع بذوق عال فى الأزياء، كما أنه علمنا الكرامة، وألا نطلب شيئًا من أحد، وألا نهين أحدًا أو نقبل من أى أحد الإهانة».