رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رئيس كنيسة الأرمن الكاثوليك بمصر: عيد العذراء عقيدة إيمانية

عيد العذراء
عيد العذراء

تحتفل الكنائس الغربية في مصر، وعلى رأسها الكاثوليكية والروم الأرثوذكس اليوم، بعيد إصعاد جسد السيدة العذراء مريم، وهو المعروف باسم عيد العذراء، والذي يحتفل به الأقباط الأرثوذكس، يوم 22 من أغسطس الجاري.

وعلى خلفية الاحتفالات قال المطران كريكور اوغسطينوس كوسا أسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك، في تصريح له بمناسبة عيد انتقال العذراء بالنفس والجسد إلى السماء، إن إنتقال العذراء مريـم إلى السماء عقيدة إيمانية حيث أعلن قداسة البابا بيوس الثاني عشر عقيدة إنتقال العذراء بالنفس إلى السماء  سنة ١٩٥٠ قائلاً : " نؤكد ونعلن ونُحَدّد عقيدة أوحى بها الله وهي أن مريم أُمّ الله الطاهرة مريم الدائمة البتولية، بعدما أتمت مسيرة حياتها على الارض ، رفعت بالنفس والجسد إلى المجد السماوي " .

مريم هي حواء الجديدة، فهي موازية للمسيح آدم الجديد . إتحدت مريم إتحاداً وثيقاً بآدم الجديد في محاربة العدو الجهنمي ، فكان لا بُدَّ من أن تنتهي الحرب التي خاضتها مريم متحدةً مع إبنها بتمجيد جسدها البتولي ، والإنتقال من هذا العالم بالنفس والجسد .

انتقال القدّيسة مريم ، أمّ الفادي ، بنفسِهَا وجَسَدِها إلى مجد السماء يجعل منها تحفة الفداء وعمل الله الثالوثي : إنَّها إبنةُ الآب وأمّ الإبن وعروس الروح القُدُس . بواسطتِها تحقّق تصميم الآب الخلاصي الذي وعد به منذ سقوط آدم وحواء  " فهي تسحق رأسَكِ ، وأنتِ تُصيبينَ عَقِبَه " ( تكوين ٣ : ١٥ ) .                             

منها ظهر للعالم الكلمة المتجسّد، ومعها بدأت الشركة بالروح القدس بين الله والإنسان . محبَّةُ الآب ملأتها ، ونعمةُ الإبن خلّصتهَا ، وحلول الروح قدّسَهَا . يجعلها الإنتقال نموذجاً لعمل الله الثالوثي في كلّ إنسان في دعوته الشاملة إلى القداسة ، وفي دعوته الخاصّة وسط مسيرة شعب الله . ويجعل منها قدوةً في إختبارات الإنسان مع عمل الله . 

انتقال العذراء مريـم  بالنفس والجسد مشاركة فريدة في قيامة إبنها وصعوده بالمجد نفساً وجسداً إلى السماء ، وإستباق لقيامةِ القلوب ومشاركةِ النفوس المفتداة بدمِ إبنها الفادي الإلهي في الأمجاد السماويّة ، ولقيامةِ الأجسادِ في نهايةِ الأزمنة للمشاركة في هذا المجد السماويّ . 

إن الانتقال، في كلّ ما يحتويه من حقائق، إعلان لكرامة الشخص البشريّ في نفسه وجسده ، ولمصيره الأبديّ الذي يتسأل حوله الكثيرون : ماذا بعد الموت ؟

بانتقال مريـم العذراء إلى السماء، بقيت أمومتها في الكنيسة، شفيعة،  ترفع صلواتها لأجل أبنائها المسافرين في هذا العالم وسط المحن وتعزيات الله،  تتضَرّع من أجلهم وتستمطر عليهم النِعَمْ التي تضمن خلاصهم الأبديّ، فيكتمل نهائباً عقد المختارين جَميعاً  ، ولهذا تدعوها الكنيسة : الأُمّ ، المحامية ،  المعينة ، المغيثة ،  الوسيطة ، المعلِّمة ، المرشِدة . ونحن بدورنا ننشد لها : " وإن كان جِسمُكِ بعيداً منّا ، صلواتك هي تصحبنا … " .

إنّ مريم العذراء، منذ تكوينها بريئة من دنس الخطيئة حتى نياحها مُحرّرة من فساد الموت والقبر، وهي إلى جانب إبنها أيقونة الحرّية والتحرير بمعناها الرّوحيّ وبُعدها الإنسانيّ والإجتماعيّ . 

إنّ الكنيسة المقدسة، بالنظر إلى مريم أمّها ومثالها،  تفهم فهماً كاملاً معنى رسالتها وأبعادها، وتلتزم بها دون خوف أو تردّد أو مساومة .

من أكثر الأعياد قدماً ومحبةً للعذراء مريم الكلية القداسة هو عيد إنتقالها لمجد السماوات بالنفس والجسد ، أي بكامل كيانها البشري ، بكامل شخصها .

يُعدّ إنتقال العذراء مريم بالنفس والجسد إلى السماء عقيدة من أهم العقائد المسيحية حول العذراء في الكنيسة الكاثوليكية والارثوذكسية . والعقيدة معناها حقيقة إيمانية إلزامية ، بحيث لا يمكن لأحد أن يدعي المسيحيّة  ما لم يؤمن بها .

أشار نص سفر الرؤيا إلى مصير سيدتنا مريم العذراء ، مصير مجد فائق الوصف لأنها متحدة بشكل كبير بالإبن الذي تلقته بالإيمان وولدته في الجسد ، وقاسمت بالكمال مجده في السماوات . “ ظهرت آية عظيمة في السماء : " إمرأة ملتحفة بالشمس والقمر تحت قدميها ، وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكباً ، حامِلاً تَصرُخُ من ألم المخاض … فوضعت ابناً ذكراً ، وهو الذي سَوفَ يَرعى جَميعَ الأُمَمِ بِعَصاً من حديد "  (رؤيا يوحنا ١٢ : ١ - ٢ و ٥ ). إن عظمة مريم ،  أُمّ الله ، الممتلئة نعمةً ، والخاضعة بالكامل لعمل الروح القُدُس ، تعيش في سماء الله بكامل كيانها ، نفساً وجسداً .

هكذا آمنت الكنيسة على مر العصور : " ان أُمَّ الله الطاهرة ، في ختام حياتها الأرضية ، قد نُقِلَتْ نفساً وجسداً إلى المجد السماوي " . وهذا ما حدَّده قداسة البابا بيوس الثاني عشر في اليوم الأول من شهر نوفمبر /  تشرين الثاني عام  ١٩٥٠ ، سنة اليوبيل ، عقيدةً إيمانية بشأن إنتقال مريم المجيد إلى السماء ، الذي يشيد به عيد اليوم .  قال قداسة البابا حينها : " إنها لحقيقة إيمانية أوحى الله بها ، ان مريم والدة الإله الدائمة البتولية والمنزهة عن كل عيب ، بعد إتمامها مسيرة حياتها على الأرض نُقِلَت بجسدها ونفسها إلى المجد السماوي " . 

ويبيّن البابا أن هذا العيد : " لا يذكر فقط أن الفساد لم ينلْ من جسد مريم العذراء بل يذكر إنتصارها على الموت أيضاً ، وتمجيدها في السماء ، على مثال إبنها ووحيدها يسوع المسيح" .

وعن إنتقال العذراء وآباء الكنيسة  فقار إنه وقد ظهرت هذه العقيدة في كتابات آباء الكنيسة إذ يقول القديس يوحنا الدمشقي : " كما أن الجسد المقدّس النقي ، الذي اتخذه “ الكلمة الإلهي " من مريم العذراء ، قام في اليوم الثالث هكذا كان يجب أن تُؤخذ مريم من القبر ، وأن تجتمع الأم بابنها في السماء " ، ويتابع يوحنا الدمشقي القول : " كان لا بد لتلك التي استقبلت في أحشائها الكلمة الإلهي ، أن يتم انتقالها إلى أخدار إبنها ، كان لا بد للعروسة التي اختارها الآب ، أن تقيم في أخدار السماوات ” . ويشير القديس يوحنا الدمشقي إلى هذا السر بعظة شهيرة فيقول : 

“ اليوم ، حُمِلَت العذراء مريـم  إلى الهيكل السماوي . اليوم ، التابوت المقدس الحامل الإله الحي ، التابوت الذي حمل في أحشائه صانعه ، اليوم يرتاح في هيكل الرب الذي لم تبنيه أيادي بشرية ” .

أما القديس بطرس دميانوس فيقول : “ في صعودها جاء ملك المجد مع أجواق الملائكة والقديسين لملاقاتها بزفةٍ إلهية ،  ولهذه الأقوال نجد صدىً في الكتاب المقدس ولا سيما نشيد الأناشيد  يقول : " قومي يا خليلتي ، يا جميلتي ، وهَلُمِّي " ( نشيد الأناشيد ٢ : ١٠ ) ، ادخلي إلى ملكوتي .