رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المؤرخ المسرحى عمرو دوارة: إقبال جماهيرى كبير ومشاهدة «إلكترونية» ضخمة لندوات المهرجان القومى للمسرح

جريدة الدستور

 

حظى المحور الفكرى فى المهرجان القومى للمسرح هذا العام باهتمام ومتابعة المسرحيين بشكل لافت للنظر، خاصة مع تفرعه إلى مسارات عدة، أولها الندوات حول إعداد الممثل، والورش الفنية الخاصة بالمناهج والتوثيق والتجارب المهمة، وذلك تماشيًا مع تيمة الدورة الحالية التى حملت اسم النجم الكبير عادل إمام، وبالتالى تم تخصيصها للممثل المسرحى كإحدى أهم ركائز صناعة «أبوالفنون».

وتضمن المسار الثانى للمحور الفكرى تنظيم ندوات عن المسرحيين الذين فارقونا هذا العام، سواء الكُتاب أو النقاد أو الممثلون، بينما كان المسار الثالث «ماستر كلاس» للمخرج الكبير خالد جلال عن كيفية إدارة الموهبة، الذى شهد إقبالًا كبيرًا خاصة من الشباب الذين يتطلعون لصقل مواهبهم، وصولًا إلى المسار الرابع المتمثل فى تنظيم ندوة عن الفنان عادل إمام وتاريخه فى المسرح.

كما اشتمل المحور على حفلات توقيع الكتب المحررة عن المُكرمين فى المهرجان هذا العام، وهم: الفنان صلاح عبدالله، والفنان رشدى الشامى، وفنانة الديكور نهى برادة، والفنان محمد داود، والفنان محمد محمود، والفنان رياض الخولى، والفنان سامى عبدالحليم، والفنان أحمد فؤاد سليم، والفنان خالد الصاوى، والكاتب محمد السيد عيد.

ووقفت وراء هذا الجهد الكبير لجنة مشكلة لصياغة وتنفيذ المحور الفكرى، ضمت فى عضويتها كلًا من الناقد ناصر العزبى، والمخرج عصام عبدالله، والكاتب الكبير محمد أبوالعلا السلامونى، الذى رحل قبل انطلاق المهرجان بفترة قصيرة، وكانت برئاسة الدكتور عمرو دوارة، المخرج والمؤرخ المسرحى، الذى تحاوره «الدستور» فى السطور التالية للتعرف على أهم مخرجات المحور الفكرى، وتجربته لما تم تقديمه هذا العام.

■ هل الممثل المصرى أو العربى له خصوصية فى الأداء أو سمات ثقافية مميزة؟

- إذا كان الإنسان بصفة عامة هو ابن بيئته ومجتمعه، فإن الممثل ابن مجتمعه الذى نشأ به وارتبط بأهله، الذين أصبحوا فيما بعد جمهوره الذى يعبر عنه. كما أن طرق ووسائل التعبير قد تختلف من دولة لأخرى، بل ومن منطقة إلى أخرى، ليس فقط فى كيفية استخدام اللغة وطريقة توظيفها فى التعبير عن مختلف المشاعر، سواء كانت لغة فصحى أو لهجة عامية، لكن أيضًا فى طريقة توظيف لغة التعبير الجسدى والإيماءات والإشارات.

على سبيل المثال، يشارك الممثل المصرى كل دول حوض البحر الأبيض المتوسط، خاصة إيطاليا واليونان وإسبانيا، فى المبالغة ببعض الانفعالات والأداء بصوت مرتفع نسبيًا «حيوية»، وكذلك فى كثرة التعبير بالإشارات اليدوية. فى حين قد يعتمد الممثل الغربى على لغة الهمس وتوظيف لغة العيون وقسمات الوجه فقط. وهذه المنطقة تحتاج لمزيد من الدراسات والأبحاث والرصد والتوثيق خلال الدورات المقبلة بإذن الله.

■ ما أهم الإضافات أو الإنجازات التى تحققت عبر المحور الفكرى هذا العام؟

- الجديد هو اختيار العنوان الرئيسى للمحاور الفكرية والندوات، وإضافة كلمة «التوثيق» للعنوان الرئيسى للدورة ليصبح «الممثل المسرحى المصرى والتوثيق»، ليكون أول مهرجان مسرحى فى الوطن العربى يخصص الندوات والمحاور الفكرية لرصد أهم محاولات وجهود التوثيق لإسهامات الممثل، مع إلقاء الضوء على القضايا المختلفة الخاصة بالتوثيق العلمى.

أضف إلى ذلك إصدار كتاب الأبحاث والدراسات مبكرًا، بالتحديد مع بداية المهرجان وحفل الافتتاح، الذى يضم هذا العدد الكبير من أبحاث ودراسات نخبة من كبار الأساتذة الأكاديميين، علاوة على تنظيم عدد كبير جدًا من الندوات مقارنة بجميع السنوات السابقة، فقد تم تنظيم ٢٦ ندوة، بواقع جلستين يوميًا على مدى ١٣ يومًا، بينما تم تكريم المُكرَمين وعددهم ١٠، وتنظيم حفلات توقيع الكتب الخاصة بهم، على مدار ٥ أيام فقط.

وسعدت جدًا هذا العام بالاستجابة الفورية من رئيس المهرجان لطلبى بضرورة تخصيص مكافآت مادية مناسبة لكل المشاركين فى الأبحاث والدراسات، فلا يعقل أن يلتزم الباحث بكتابة دراسة لا تقل فى المتوسط عن ٥٠٠٠ كلمة وعرضها دون أن يتقاضى أجرًا مناسبًا عن ذلك.

■ وماذا عن المعوقات التى واجهتموها خلال عملكم فى اللجنة الخاصة بالمحور الفكرى؟

- بلا شك رحيل الأديب الوطنى الكبير محمد أبوالعلا السلامونى، وهو ضلع ومحور ارتكاز أساسى فى اللجنة، إلى جانب ضعف المكافآت المادية التى تم رصدها للأبحاث، والتى بالطبع لا تتناسب أبدًا مع قيمة الباحثين أو الجهد المبذول، ولا مع ما يتم الحصول عليه من خلال النشر فى بعض الدوريات العربية.

ولا أنسى اضطرارى مع أعضاء اللجنة إلى رفض مشاركة بعض الباحثين بدراساتهم التى تقدموا بها نظرًا لـ٣ أسباب جوهرية، إما لضعف مستواها الفنى، أو لعدم إمكانية إدراجها فى إطار العنوان الرئيسى للمحاور، أو لسابق نشرها كاملة فى إحدى الدوريات خلال الشهور الماضية.

وأخيرًا واجهنا أيضًا بعض المعوقات الفنية، مثل تردد بعض الأساتذة المتخصصين واعتذارهم عن عدم المشاركة، نظرًا لصعوبة الموضوع الرئيسى للمحاور الفكرية هذا العام، فالتوثيق المسرحى يعد مجالًا جديدًا ويحتاج إلى جهد بحثى كبير، بالإضافة إلى بعض المعوقات الإدارية، ومن أهمها صعوبة الحصول على رقم إيداع لكتاب الأبحاث.

■ ما حقيقة أن الجمهور غير معنى بتلك الندوات؟ وهل الجمهور العادى مستهدف؟

- يجب فى هذا الصدد أن نفرق بين طبيعة كل قسم من الأقسام الثلاثة لنشاط وفعاليات اللجنة هذا العام، فالقسم الأول وهو ندوات المكرمين من النجوم وحفلات توقيع الكتب الخاصة بكل منهم حظى بالإقبال الأكبر بلا شك، نظرًا لجاذبية النجوم وقدرتهم على استقطاب أجهزة الإعلام والجمهور.

تلى ذلك فى تحقيق النجاح الجماهيرى القسم الثانى «الموائد المستديرة»، التى استهدفت مشاركة جمهور الحاضرين فى الحوارات والتعليق، خاصة أن موضوعاتها جذابة ومتنوعة، مثل ندوات تكريم حامل اسم الدورة هذا العام الفنان القدير عادل إمام، وأيضًا تأبين الراحلين، خلال العام الماضى ٢٠٢٢/ ٢٠٢٣ «جلسات خاصة لكل من: الكتاب، المترجمين، النقاد، الممثلين.. إلخ»، وكذلك «الماستر كلاس» أو الندوات المحورية حول الورش المسرحية المهمة.

وكانت فى مقدمة هذه الورش المسرحية المهمة ٣ تجارب: تجربة الفنان القدير سمير العصفورى فى مسرح الطليعة منذ عام ١٩٧٥، التى استمرت ما يقرب من ٣ سنوات، وقدم من خلالها بعض النجوم والعروض المتميزة، مثل فاروق الفيشاوى ومحمود الجندى وأحمد راتب وصبرى عبدالمنعم وإبراهيم يسرى ومحمود مسعود ومحمد كامل وإسماعيل محمود وآخرين.

التجربة الثانية للفنان خالد جلال فى مركز الإبداع الفنى، التى استمرت ما يقرب من ٢٠ عامًا، قدم خلالها عددًا كبيرًا من النجوم، من بينهم بيومى فؤاد ونضال الشافعى وهشام إسماعيل ومحمد شاهين ومحمد ممدوح ووليد فواز ومحمد سلام وحسام داغر، وصولًا إلى تجربة الفنان حازم الصواف واكتشافه عددًا من الوجوه الجديدة التى شاركته فى عروض فرقة «استديو أوديشن».

ويجب ملاحظة أن الفنانين الثلاثة يمثلون ٣ أجيال متتالية، لذا فإن لكل منهم تجربته التى تستحق التوثيق والدراسة.

يبقى القسم الثالث وهو المحاور الفكرية التى تخاطب النخبة من المتخصصين، وأرى أنها حظيت بإقبال معقول مقارنة بالسنوات السابقة، فقد وصل عدد الحاضرين ما يقرب من ٥٠ فردًا، وهو عدد معقول جدًا بالنسبة للندوات، خاصة أن جميعها يُذاع كاملًا على الموقع الإلكترونى للمهرجان ويحظى بمشاهدة كبيرة، فى ظل صعوبة الحضور بسبب بُعد المسافات، والارتفاع الكبير فى درجات الحرارة، مع الاضطرار إلى التنظيم ظهرًا حتى لا يحدث تداخل مع مواعيد تقديم العروض المسرحية.

■ ندوات الراحلين أمر مستحدث هذا العام.. هل يمكن أن تصير تقليدًا سنويًا؟

- طالبت أكثر من مرة، ومن خلال أكثر من موقع، بضرورة استمرارية هذا التقليد الذى قُدم أول مرة خلال هذه الدورة، وهو تنظيم ندوات لتأبين المسرحيين الذن رحلوا خلال العام، وبالتحديد من بداية أول يوليو إلى نهاية يونيو من العام التالى، ليتطابق مع موعد تنظيم دورات المهرجان فى يوليو كل عام.

وحققت تلك الندوات نجاحًا كبيرًا، فى ظل إقبال عدد كبير من أصدقاء وأسر الفنانين الراحلين. وعلى مدى ٤ جلسات هذا العام، تم الاحتفاء بالراحلين فى مختلف مجالات الإبداع المسرحى، ومن بينهم الكُتاب: محمد أبوالعلا السلامونى ويسرى الجندى وجمال عبدالمقصود، والنقاد والمترجمون: د. كمال عيد ود. محمد عنانى والسباعى السيد ود. مصطفى سليم، وكذلك الممثلون: رجاء حسين وهشام سليم وسامى فهمى وهشام الشربينى وكمال سليمان وسلوى محمود وشريفة فاضل ولبنى محمود ومحمد الأدندانى. 

■ بعدما اكتملت أعمال اللجنة والندوات.. ما تقييمك لأعمالها وردود الأفعال بشأنها؟

- يمكن رصد النتائج الخاصة بأعمال اللجنة عبر تصنيفها إلى ٣ أقسام رئيسة، أولها الخاصة بالإداريات والمتابعات، وهى بلا شك بالنسبة لأعضاء اللجنة تعد تجربة قاسية جدًا، تطلبت تفرغًا كاملًا وجهودًا مكثفة، خاصة مع العدد القليل لأعضائها «٣ فقط»، وثانيها ردود الأفعال الجماهيرية، وتلك يمكن حصرها بسهولة، من خلال ذلك الإقبال الجماهيرى يوميًا، وكذلك تلك المتابعات والمشاهدات الكثيرة التى حظى بها جميع أنشطة اللجنة من خلال البث المباشر على موقع المهرجان، وثالثها ردود الأفعال النقدية التى تتضح جليًا من خلال كم إشادات كبار الفنانين والمسرحيين بالندوات، أو من خلال كتابات النقاد والمتخصصين فى وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية. 

■ أخيرًا.. ما أمنياتك التى تود تحقيقها فى الدورات المقبلة؟

- أتمنى بصفة عامة أن يستمر المهرجان فى تحقيق أهدافه المنشودة على جميع المستويات، وبصفة خاصة بالنسبة للمحاور الفكرية والندوات، أتمنى المحافظة على بعض الإنجازات التى تحققت هذا العام، مثل إصدار كتاب الأبحاث مبكرًا مع افتتاح المهرجان، والاستمرار فى تنظيم ندوات تأبين المسرحيين الراحلين فى كل دورة.

وأتمنى أن تحظى الندوات بالاهتمام الإعلامى الذى يليق بالجهد الكبير الذى يبذل فى إعدادها، وأسماء المشاركين بها، وجميعهم من النخبة المتخصصة، كما أتمنى أن تحظى بالإقبال الجماهيرى، ومشاركة المسرحيين بمختلف تخصصاتهم، مع الحرص على حضور ومشاركة طلبة الأكاديمية وأقسام المسرح فى الجامعات المختلفة.

كما تضمنت أمنياتى أيضًا إصدار الكتاب الخاص بالأبحاث والدراسات بعدد مناسب، وأن يسجل به رقم الإيداع فى دار الكتب، حتى يحقق الهدف من نشره، وتتم الاستفادة من تلك الأبحاث القيمة.

وأخيرًا أرى أهمية تأكيد أن الكتب الخاصة التى تصدر بمناسبة تكريم بعض الفنانين، هى ليست مجرد كتب احتفالية، لكنها بالدرجة الأولى كتب توثيقية، يجب أن تمثل الذاكرة الحقيقية والبيانات المتكاملة لجميع الإسهامات الفنية لكل فنان، خاصة فى مجال المسرح، ونظرًا لأن الكتاب الذى يقدم عن الفنان قد يكون هو الأول والأخير الذى يتناول إسهاماته، لذا يجب اختيار مجموعة من كبار النقاد والمؤرخين لكتابته، وعدم تكليف بعض صغار الصحفيين والإعلاميين بتحريرها على عُجالة.