رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محسن يونس: خلال 40 عاما كتابة لم أجد دارا تحافظ على حقوق الكاتب

الكاتب محسن يونس
الكاتب محسن يونس

ما بين أول الكتب المنشورة وصولا لأحدثها، هناك حكايات عن رحلات الكتاب والمبدعين مع دور النشر، هناك صعوبان ومعوقات مع نشر العمل الأول، وهناك أيضا المشكلات المتكررة والمتشابهة بين المبدعين ودور النشر، سواء فيما يخص تكلفة الكتاب، أو توزيعه، والعقود المبرمة بين الطرفين، أو حتي حقوق الملكية الفكرية وغيرها. في سلسلة حوارات تقدمها الــ “الدستور” يحكي الكتاب تجاربهم مع عالم النشر.

يحدثنا الروائي محسن يونس عن تجربته، وهو روائي وقاص، صدر له العديد من الأعمال الإبداعية القصصة والروائية، نذكر من بينها: يوم للفرح، ما تبقي من بدايات بعيدة، حكاية عن الألفة، تدوير مفتاح الخزينة، منطق الزهر، بانتظار المنقذ الأعظم، خرائط التماسيح، لكل منا شجرته، بيت الخلفة، حلواني عزيز الحلو، من ديوان الحمقي، الكلام هنا للمساكين، منام الظل، حسن السماع وطيب المقام وغيرها.

ــ ما الصعوبات التي صادفتك في طريق نشر كتابك الأول؟

تأخرت فى نشر كتاب يضم قصصى، فأنا أحسب ضمن جيل السبيعينات، كنت أنشر قصصا قصيرة فى ملحق المساء الذى كان يشرف عليه طيب الذكر “عبد الفتاح الجمل” بشكل خاص، وبعده فى بعض المجلات، ثم فى 79 جئت للقاهرة لدراسة ما يسمى دبلوم التربية الخاصة، وكانت مجموعة ( الأمثال فى الكلام تضيىء ) كاملة ومعدة، لأنها مكتوبة منذ 72 - وكان هناك ناشر بعض الأصدقاء حدثونى عنه، وكنت أعرفه عن طريق اقتناء بعض كتبه الصادرة عن هذه الدار، دفعت إليه المجموعة، وكنت أظن أنه سينشرها فورا، لأننى كنت فى هذه الآونة قد حصلت بعض الانتباه، والذكر الطيب، ولكنه فاجأنى فى مرة كنت أزوره فى دار نشره، بأن دفع إلى المجموعة معتذرا عن نشرها بحجة أن صديقا مشتركا ذكره بالاسم ألح عليه فى نشرها، وكان عقابى بأننى أبلغت هذا الصديق بوجود المجموعة لديه، زائد أنه حدثه عنها، وطلب الاهتمام بها، طبعا كان السبب واهيا، وغير منطقى، لم أبحث عن السبب الحقيقى إلى الآن، ولا يعنينى، هذه المجموعة لم تنشر إلا فى 1992 بالهيئة العامة للثقافة – سلسلة أصوات أدبية.

ــ ما المشاكل التي واجهتها بخصوص حقوق النشر والملكية الفكرية؟

أرجو ألا يفهم من حديثى الذى يمكن أن يكون سلبيا على أنه رفع لواء المظلومية، أو الشكاية كطبع يعيد التوازن لشخصى، أنا فى كامل الامتنان للحياة أن أدخلتنى فى تجارب قاسية، أو محبطة، فهى على الجانب الآخر أعطتنى فيضا من التجارب الفرحة أيضا، مما يجعلنى أعلن هنا وأنا أقهقه عاليا، وأسألك: ما هذا الذى تتحدثين عنه حقوق فكرية؟!

خريطة الوطن الكبير لا تعترف بهذا إلا من باب الوجاهة، وقدرتنا على الحديث والثرثرة، ما تعاملت مع دار نشر تؤمن، أو تسارع أو تحافظ على حق الكاتب فيما يسمى الملكية الفكرية، فى درج مكتبى عدة عقود موقعة من دار نشر عربية تهتم بالأدب الموجه للأطفال، وعددها ستة عقود لستة كتب نشرتها بالفعل، بل أرسلت لى مشكورة عشر نسخ عن كل كتاب من الستة، ومع ذلك لم تعطنى شيئا، وكأن أكل السحت هواية لدى هذه الدور، على مدى الأربعين عاما، لم أجد دارا تحافظ على حقوق الكاتب، بل تراه صيدا عليها أن تنصب له الفخاخ، وسوف يقع حتما- فهو يريد نشر ما يكتب - أستثنى دارا مصرية خاصة نشرت لى رواية بعنوان “منام الظل فى 2017” منحتنى مبلغا قريبا من الخمسة آلاف من الجنيهات، أصابتنى بفعلتها هذه بحالة من الدهشة والذهول والامتنان امتد أثرها إلى الآن، حتى أننى أحتفظ بنقودها كاملة بدرج مكتبى، لا ينقصون جنيها واحدا، كالحرز أو التميمة، يستثنى بالطبع هيئتان حكوميتان تعملان بمصر، فهما يمنحان الكاتب حقوقه المالية وإن كانت ضئيلة، أضف على هذا أنا ككاتب لا أعرف كم من النسخ تم طبعها، وهل نفدت مثلا، وأعادت الدار طبعها وطرحها؟ حدثنى أحد أصحاب هذه الدور أنه أعاد طباعة رواية لى دون أن يعلمنى، وأنا لم أهتم لأنه نشر، ولم يأخذ منى نقودا، على فى هذه الحالة أن أصمت.

ــ كيف تواجه هذه المشكلات مع الناشر؟ وما أصعب موقف تعرضت له؟

نحن ككتاب نعيش حالة غريبة، لا أعرف هل هى متداولة وموجودة فى بلاد أخرى بعيدا عن خريطة الوطن الكبير أم لا، الكاتب المؤلف يدفع لصاحب دار النشر نقودا لينشر كتابه، أى بؤس نعيش فيه؟!

ما ينقصنا بالفعل هو وجود المؤسسة التى تأخذ بيد الكاتب، وتقدمه فى صورة طيبة، شاهدت فيلما عن الكاتب الأمريكى “توماس وولف” ووقوف ناشره خلفه، والتعديل على العمل بما يخدم المنتج الأدبى، هذا التعامل الراقى والمثمر لأطراف العملية من تأليف ومراجعة ونشر، ومتابعة النقاد، والتأسيس لما سوف يكتب مستقبلا، شعرت بحالتنا الغريبة والعجيبة ككتاب، ودور نشر، سلم كتابك، خذ نسخا من كتابك، والسلام ختام .. للأسف.

ــ هل سبق ووصلت خلافاتك مع ناشر ما إلي ساحات المحاكم؟

لم يحدث أزعم أننى على دراية وقناعة بالفضاء الإبداعى والنشر والناشرين، وأن حالتنا حالة تشبه المرض الذى يمكن التعايش معه، كما أننى أؤمن بأننى مبدع عليه أن يكتب، ولا يعطل نفسه بالوجود بالمحاكم، سبق أن دخلت محكمة القاهرة الاقتصادية كشاهد فى قضية بين ناشر وكاتب، ما يخصنى أننى أدليت بشهادة تفيد بكيفية تعامل الناشر معى، من كتابة عقد، وكان هو محل الشكاية والقضية، وعدم حصولى على عائد بموافقتى، صرفنى القاضى، وركبت إحدى المواصلات فى عودتى إلى مدينتى، ثم إلى بيتى.

ــ هل قمت يوما بسداد كلفة نشر كتاب لك ؟

طبعا مثلى مثل بقية الكتاب فى مصرنا الغالية، فى السنوات الأخيرة حدث هذا، ولكن من الإنصاف أن أكون صادقا فكل دور النشر التى تعاملت مها تعاملنى معاملة خاصة، فلا يبالغون فى التكلفة، وحدث أكثر من مرة أن تم إعفائى من التكلفة مع إهدائى العشرين نسخة من الكتاب المنشور.

ــ ما الذي حلمت به لكتاب من كتبك ولم يتحقق وتأمل أن تتداركه مع مؤلف جديد؟

الحلم الأساسى لأى كاتب أن يحوز كتابه الذيوع والانتشار، وحصد الانتباه من جانب النقاد، والكتابة عنه بشكل مرض، كل هذا يبدو حلما بعيد المنال فى واقعنا للأسف، فهنا ردة فى عدم اعتبار الكتاب وخاصة الأدبى من الاهتمامات الحياتية، لدينا فساد فى كل شىء، وعدم اهتمام بتكويننا الثقافى عامة، ثم تزيد الأمور سوءا حيث يعيش الكثير من الكتاب، وأنا واحد منهم بعيدا عن المركز، إلى جانب موقف خاص قد يكون موقفا طوباويا، مؤداه أن على الكاتب أن يكتب، فهذه وظيفته، وأن على الناقد أن يسعى ويبحث عن الكتب ليقوم بعمله.

ــ في رأيك صناعة النشر في تقدم أم تراجع؟

هذا سؤال مهم جدا، من قبل حدثتك عن دور النشر الغربية، وما تقوم به تجاه الكتاب وصناعة الكتاب من دور مؤثرفى عملية إنتاج الثقافة والمعرفة والأدب، وتقديم ورعاية الكاتب فى نفس الوقت، سأختصر الرأى فى طلب أن تعمل الجهات التى أقيمت من أجل الثقافة فى المجتمع عملها بشكل جاد، يحكمه قانون منظم لعملية النشر، وأخص بالذكر ما يسمى " نقابة اتحاد الكتاب" عليه مواجهة المشاكل الحقيقية للكتاب، وكذا " المجلس الأعلى للثقافة "، لإحكام السيطرة على هذا العدد المهول من دور النشر التى يمكننا تسميتها بدور الخدمة المدفوعة الأجر مسبقا، والعمل على أن تكون مؤسساتنا التى تتعامل مع النشر والكتاب متحملة دورها تجاه الكاتب ثقافيا ومعيشيا وانتشارا.