رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"النظرية وتحديات الناقد الثقافي".. نحو خطاب نقدي جديد

الناقد محمد الشحات
الناقد محمد الشحات

مع فورة الإصدارات الأدبية التي تشهدها المكتبات العربية والسعي النقدي الدؤوب للحاق بالتغيرات والتحولات التي تعتري المشهد الأدبي العربي، تصير مُساءلة المشهدين الإبداعي والنقدي في آن وفق رؤية شمولية ضرورة لمعرفة المستقبل المأمول للممارسات النقدية العربية في ضوء واقعها الراهن وانشغالاتها الحالية.   

النظرية وتحديات الناقد الثقافي

في كتاب "النظرية وتحديات الناقد الثقافي.. مساءلات وممارسات في الخطاب الأدبي والنقدي العربي" الصادر عن "دار أثر" مطلع هذا العام، يُطلِع الناقد وأستاذ النظرية الأدبية؛ محمد الشحات، قارئ كتابه على المستجدات النقدية والإبداعية ولكنه يموضعها في سياقها الأعم والأشمل ممثلًا في الوعي بخصوصية التحولات الاجتماعية والثقافية التي مرّت بها المنطقة العربية بالسنوات الأخيرة وكذلك التحديات العالمية التي لا يُمكن إدراك أي خطاب بمعزل عنها. 

ينطلق الجهد النقدي الذي يمثله هذا الكتاب من إيمان بأن ممارسة النقد الأدبي ليست نشاطًا منعزلًا عما يواجهه العالم من متغيرات، فالناقد المعاصر ليس بمقدوره الانعزال في صومعة التحليل المخبري للنصوص الأدبية، إذ هو مطالب بالاشتباك مع التحديات الثقافية العامة وبنقل خطابه النقدي إلى تأويل الخطابات وتعرية مضمرات الثقافة الكامنة وراء تشكل النصوص.

من هذا المنظور وفي ضوء المتغيرات متسارعة الوتيرة، لم يعد بإمكان الناقد المعاصر أن يظل مكتفيًا بالانكفاء على المناهج النصية كالبنيوية والشكلانية والأسلوبية التي هيمنت بالعقود الأخيرة من القرن الماضي إن رام وجودًا فاعلًا بمجتمعه، وإنما بات لزامًا عليه أن يتحلى بوعي نقدي شامل قادر على التجوال بين العلوم الإنسانية والاجتماعية في سبيل قراءة مستجدات واقعه كما تتمثل في النص الأدبي. 

النقد الثقافي

يرى الشحات أن النقد الثقافي قد يُمكّن الناقد المعاصر من ممارسة نقدية مؤثرة وفاعلة إن استطاع تفعيل استراتيجيات القراءة الثقافية الحرة للنصوص وفق مرجعيات متعددة تنهض على التكافؤ دون هيمنة مرجعية بذاتها على أخرى ودون تلفيقية للمناهج، وفي سبيل تحقيق ذلك، يتعين على الناقد الثقافي مواجهة عدد من التحديات هي: تحدي المنهجية، وتحدي المرجعية، وتحدي الهوية، وتحدي الجندرية، وتحدي النوع الأدبي. 

لا يكتفي الشحات في كتابه بمحاولة التأسيس النظري للنقد الثقافي ولكنه يُسائل أشكال حضوره في الممارسات النقدية العربية ليُقدِّم رؤيته الخاصة له، فالنقد العربي الراهن برأيه يطرح نفس أسئلة العلوم الإنسانية؛ أسئلة الفلسفة وعلم الاجتماع والتاريخ وعلم النفس والأخلاق، وهو خطاب معرفي تأملي كلي الرؤية قائم على تعدد المقاربات المنهجية وبناء الجسور بين المناهج النصية والمناهج السياقية وغير قائم على مجافاة الأبعاد الجمالية أو نبذها بشكل تام.  

علاوة على ذلك، يقدم الكتاب قراءات نقدية ثقافية في أعمال قصصية وروائية وشعرية بغية قراءة تمثيلات النسق الثقافي لقضايا الهوية في عالم ما بعد الاستعمار، لإبراز التمثيلات السردية التي تتعامل مع قضايا الهوية سواء كانت تمثيلات للهوية الضائعة مثلما في روايات مثل "يحدث في بغداد" و"خلسة في كوبنهاجن"، أو في تماهي روايات أخرى مع هويات تاريخية مستعادة كما في "رحلات ابن البيطار"، أو في بحث المرأة العربية عن هويتها الضائعة في عالم تهيمن عليه قيم الذكورة مثلما في رواية "حانة الفضة" و"جاثوم". 

ولا تقتصر القراءات الثقافية التي يقدمها الكتاب على الرواية والقصة، وإنما يُبرِز الناقد السؤال عن تحدي النوع الأدبي بدراسته لقصيدة النثر بوصفها بحثًا عن جنس فني جديد، وهو في كل تلك الممارسات على قناعة بأن الناقد لن يتأتى له أن يناقش أحد الأنواع الأدبية من دون أن تكون لديه مفاهيم أكثر شمولا عن مهمة الإنسان وموقفه من الحياة والواقع وعلاقة الفن بتلك المهمة، وبأن النقد ممارسة ونشاط اجتماعي مشروط بشروط اللحظة التاريخية التي يمر بها المجتمع.