رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الباحث إدريس الكنبوري: أقدم رؤية جديدة في كتابي "الإصلاح الديني وتغريب الإسلام"

إدريس الكنبوري
إدريس الكنبوري

يولي الباحث المغربي إدريس الكنبوري اهتمامًا كبيرًا منذ عقود بالكتابة عن قضايا الفكر الديني ومسارات التجديد الفكري والعقلي لردم الهوة بين الحاضر والماضي، وقد أصدر في هذا الصدد الكثير من الأعمال، وقريبًا سيصدر له كتاب بعنوان "الإصلاح الديني وتغريب الإسلام" عن "دار النفائس" في بيروت. 

يوضح الكنبوري في حديثه مع "الدستور" أن فكرة كتاب "الإصلاح الديني وتغريب الإسلام" تعود إلى ما قبل عشر سنوات، بعد نشر كتابه "الإسلاميون بين الدين والسلطة: مكر التاريخ وتيه السياسة" الذي صدر عام 2013 في أعقاب التحولات التي شهدها العالم العربي، وما أثير حول علاقة الدين بالسياسة وضرورة الإصلاح الديني. 

ويتابع: تبلورت فكرة الكتاب في ضوء الجدل الذي قام في المجتمعات العربية حول الإصلاح الديني، وكان ينبغي الانتظار حتى تتضح الصورة في العالم العربي ونعرف ماذا يراد من الإصلاح الديني، وهو ما ظهر خلال الفترة الماضية بعد أن انتشرت الفوضى حول الخطاب الديني وحصل الانقسام بين خطين متعارضين؛ خط يدعو إلى إصلاح ليس له من الإصلاح سوى الاسم، وخط يطالب بإصلاح حقيقي.

اضطراب خطاب الإصلاح

يُبين الباحث المغربي أنه أراد من تأليف الكتاب إعادة طرح قضية الإصلاح الديني في العالم العربي من زاويتين؛ تاريخية ومعرفية تعيد ربط الماضي بالحاضر، لتذكير القراء والباحثين بأن موضوع الإصلاح ليس جديدًا كما قد يظن الكثيرون، بل هو جزء من منظومة الفكر الإسلامي نفسها، فعلى عكس الشرائع الموجودة تتميز بنية الإسلام بكونها مفتوحة تقبل الاجتهاد والتجديد والإصلاح بشكل مستمر، لأن الإسلام يساير وقائع الناس.

ويستطرد: لنا في تنزيل القرآن دليل على هذا الانفتاح، فقد نزل القرآن على مراحل لاستيعاب التجربة الواقعية للمسلمين والبشرية، فلكل آية سبب، وهذه العلاقة السببية بين النزول والواقع تدل على مرونة التشريع؛ كما أن قضية الناسخ والمنسوخ في حد ذاتها برهان على تغير الأحكام بتغير الوقائع. 

يتعرض الكتاب لحالة الاضطراب التي تطبع خطاب الإصلاح الديني اليوم، وظاهرة تحريف مفهوم الإصلاح في الإسلام بحيث تحوّل الأمر لدى بعض دعاة الإصلاح إلى التشكيك في التاريخ الإسلامي وإحداث القطيعة مع مشاريع الإصلاح السابقة التي حمل لواءها عدد كبير من المصلحين في مصر ولبنان والمغرب لكنها دُفنت أو شوهت صورتها لدى الأجيال الجديدة، بحيث صار الإصلاح الديني اليوم يبدو وكأنه بداية من الصفر لا آباء لها، وهذا غير صحيح.

المسيحيون العرب والإصلاح الديني

يشير الكبنوري، إلى أن الكتاب يعالج قضية لم يسبق أن عولجت بعمق وهي علاقة المثقفين المسيحيين العرب بمشروعات الإصلاح الديني في العالم العربي، ومن ثم جاء تخصيصه فصلًا كاملًا للإصلاح البروتستانتي في المسيحية الذي تحدث عنه بعض المفكرين والباحثين العرب بصفته نموذجًا لما يريدونه بالنسبة للإسلام.

ويستطرد: قدمت في هذا الفصل حقائق يغفلها هؤلاء، وأوضحت أن الأمر لم يكن إصلاحًا حقيقيًا داخل المسيحية بقدر ما كان انشقاقًا حديثًا كباقي الانشقاقات التي شهدتها الكنيسة الكاثوليكية في تاريخها، كما بينت أن الفروقات بين البروتستانتية والكاثوليكية لم تكن بالحجم الذي يسمح لنا باعتبار البروتستانتية قطيعة مع الكاثوليكية. 

فضلًا عن ذلك، يتطرق الفصل الأخير إلى علاقة خطاب الإصلاح بالمشروع الأمريكي والغربي عموما، من خلال التقارير الصادرة عن بعض المؤسسات الأمريكية المعروفة مثل مؤسسة راند الأمريكية. 

رؤية جديدة للإصلاح الديني

يلفت الباحث المغربي إلى أن كتابه يحمل رؤية جديدة للإصلاح الديني في الإسلام باقتراحه النظر إليه باعتباره مشروعًا متكاملًا مترابط الحلقات، فالخطاب الرائج حول الإصلاح الديني في العالم العربي يركز على ضرورة التقارب مع الغرب على حساب المشروع النهضوي الذي ينبغي لأي مشروع إصلاحي أن يتبناه، لأن هذا الخطاب يسعى إلى إرضاء أطراف أخرى ترى في الإسلام تحديًا، بينما الإصلاح المنشود يرى في الإسلام شريكًا في بناء الحضارة الإنسانية اليوم بصفته جزءًا من المشترك الإنساني، وهو إصلاح يقنع الأطراف الأخرى بأن المسلمين ليسوا خصومًا لأحد بل أصحاب قضية ووجهة نظر في النظام العالمي.