رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نتنياهو يحاول عبور أزمته على جثث الفلسطينيين

نتنياهو
نتنياهو

حلقة جديدة من حلقات مسلسل العدوان الإسرائيلي المستمر على الأراضي الفلسطينية بدأت فجر أمس الإثنين بالهجوم واسع النطاق الذي شنه جيش الاحتلال على مخيم جنين للاجئين بالضفة الغربية.

الهجوم العسكري الذي أسفر حتى الآن عن استشهاد 10 فلسطينيين وإصابة العشرات بينهم نساء وأطفال، هو الأكبر في الضفة الغربية منذ عملية السور الواقي عام 2002، إبان انتفاضة الأقصى.

بحسب تصريحات القادة الإسرائيليين، فإن الهجوم مستمر حتى تحقق العملية الأهداف المرجوة بقلب الوضع رأسا على عقب في الضفة الغربية!

قائد الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، آفي بلوت، قال إن العملية العسكرية في جنين تهدف إلى إحداث تغيير في الوضع هناك، محددا أهداف الهجوم ببسط سيطرة عملياتية، وتحييد عناصر المقاومة واعتقالهم وتدمير البنية التحتية للفصائل الفلسطينية ومصادرة الوسائل القتالية لديهم.

الهجوم الإسرائيلي الموسع على مدينة جنين يشارك فيه حوالي 2000 جندي، وهو عدد كبير نسبياً مقارنةً بالأعداد المعتادة التي تشارك في اقتحام المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية يومياً. 

في هذه العملية، استخدم جيش الاحتلال الجرافات المجنزرة العملاقة "دي 9"، وهي آليات ثقيلة لم تستخدم منذ الانتفاضة الثانية، مما أحدث دمارا غير مسبوق. انضمت هذه الجرافات العملاقة إلى نحو 150 آلية عسكرية أخرى في اقتحام المخيم والمدينة. ولأول مرة تستخدم الطائرات المسيرة في عمليات الاقتحام حيث قصفت أهدافا مدنية في المخيم، مثل مسجد الأنصار ومسرح الحرية.

الهدف الحقيقي

يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي منذ إعادة انتخابه رئيسا للوزراء، أزمة حكم داخلية على خلفية اتهامه بالفساد. هذه الأزمة تفاقمت بدرجة كبيرة منذ إعلانه عن تشريع جديد يقلص صلاحيات السلطة القضائية.

تحت ضغط من جبهتين، إحداهما من حلفائه، والأخرى من المعارضة، وقع نتنياهو تحت ضغط كبير للإسراع في تقديم خطة إصلاح القضاء، وإعادة التوازن بين السلطة القضائية والسلطتين التشريعية والتنفيذية. صاحب تلك الضغوط تحركات للمعارضة في حشد الشارع ضده وهو ما تبدى في الاحتجاجات الأسبوعية التي تشهدها إسرائيل لتفكيك الائتلاف الحاكم ومن ثم إقالة الحكومة.

في كل مرة تواجه الحكومات اليمينية المتطرفة في إسرائيل أزمات من هذا النوع تلجأ لضرب معاقل المقاومة الفلسطينية من أجل كسب الرأي العام وتوحيد الشارع الإسرائيلي خلف الحكومة.

الهجوم على مخيم جنين في هذا التوقيت، جاء قبل ساعات من الاحتجاجات الكبيرة التي كانت المعارضة في إسرائيل تعتزم تنظيمها في مطار بن جوريون، رفضاً لتمرير التعديلات القضائية المجمدة منذ أشهر تحت ضغط الاحتجاجات.

ورغم أن المعارضة نظمت المظاهرات بالفعل في موعدها المقرر سلفا، إلا أنها لم تحظى باهتمام إعلامي نظرا للتركيز على تغطية ما يحدث في مخيم جنين، ما يعني أن نتنياهو نجح في مسعاه، واستطاع تحييد الاحتجاجات حتى ولو بدماء الفلسطينيين.

وهذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها الحكومة الإسرائيلية لهذا التكتيك، حيث سبق لنتنياهو أن شن عملية العسكرية ضد حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية بقطاع غزة في مايو الماضي، وأسفرت عن خسائر كبير في الأرواح والممتلكات.

اللعب بالنار

التصعيد الإسرائيلي المتكرر بحق الفلسطينيين من شأنه زعزعة أمن واستقرار المنطقة بالكامل، فالعدوان على الشعب الفلسطيني الأعزل من شأنه أن يفاقم الشعور بالغضب لدى الشعوب العربية المحتقنة بالأساس ضد ممارسات الدولة القائمة بالاحتلال.

ولأن مصر هي الراعي الأول للقضية الفلسطينية، ووسيط عملية التهدئة بين الطرفين، أدانت القاهرة بدورها العدوان الإسرائيلي، على الفور، محذرة مما أسمته "المخاطر الجسيمة للتصعيد".

وفي بيان شديد اللهجة، أكدت وزارة الخارجية على رفض مصر الكامل للاعتداءات والاقتحامات الإسرائيلية المتكررة ضد المدن الفلسطينية، وما تسفر عنه من وقوع ضحايا أبرياء من المدنيين بسبب الاستخدام المفرط والعشوائي للقوة، والانتهاك السافر لأحكام القانون الدولي والشرعية الدولية، لاسيما القانون الإنساني الدولي الذي يفرض التزامات واضحة ومحددة على إسرائيل باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال.

مصر حذرت كذلك، في بيانها، من المخاطر الجسيمة للتصعيد الإسرائيلي المستمر ضد الفلسطينيين، وما يؤدى إليه من تأجيج لحالة الاحتقان ومفاقمة معاناة الشعب الفلسطيني، معتبرة أن ذلك من شأنه تقويض مساعيها لخفض التوتر في الأراضي المحتلة، وطالبت الأطراف الفاعلة والمؤثرة دولياً بالتدخل لوضع حد لتلك الانتهاكات وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني.

جاءت رسالة مصر واضحة جلية في هذا البيان ومفادها أن "لعب الحكومة الإسرائيلية بالنار من شأنه أن يحرق المنطقة كلها".

آفاق التسوية

الحكومة والمعارضة في إسرائيل يتنافسان على كسب الشارع في ظل الأزمة السياسية المحتدمة داخليا، فخطة نتنياهو لتقليص صلاحيات القضاء أدت إلى خلاف يصعب إصلاحه في المستقبل القريب. الانقسام داخل الدولة والمجتمع الإسرائيلي ليس مجرد خلاف سياسي بل اجتماعي وأيديولوجي أيضًا. إنه ليس انقسامًا بين مؤيدي ومعارضي الديمقراطية كما تصوره المعارضة، بل صراعًا شديدًا حول "المصالح" لفئات اجتماعية مختلفة.

لذلك، فإن المفاوضات المتوقعة بين الحكومة والمعارضة ستكون أكثر عنفًا بين الجانبين خلال الفترة المقبلة وهو ما ينطوي على احتمالات لجوء نتنياهو إلى مزيد من التصعيد ضد الفلسطينيين من أجل احتواء الشارع وتحييد مطالب المعارضة، مما ينذر بفترة من عدم الاستقرار الإقليمي.

ما يزيد من ترجيح تلك الفرضية، أن الحكومة الإسرائيلية أعلنت، بحسب تقارير إعلامية منشورة، استمرار العملية الحالية حتى تحقق أهدافها، وهو ما يضع ضغطا إضافيا على القاهرة باعتبارها مطالبة بالتحرك دوليا لوقف الاعتداءات بحق الشعب الفلسطيني، وردع نزعات المتطرفين الصهاينة نحو مزيد من التصعيد بحق الفلسطينيين، حتى لو اضطرت أن تؤدي - منفردة -  هذا الدور، في ظل انشغال العالم بأزماته.