رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زيرو تعصب

فى السياسة الدولية مبدأ معروف هو مبدأ تصفير المشاكل الذى يعبر عنه بتعبير «زيرو مشاكل» أو صفر مشاكل.. المتتبع مسار السياسة المصرية خلال التسع سنوات الأخيرة يرى أن مصر حرصت على اتباع هذه السياسة بقدر كبير.. حتى الدول التى ساندت الإرهاب فى فترات ما.. فاوضتها مصر وأعادت علاقتها بها لتكون طبيعية أو شبه طبيعية.. المتتبع لما يحدث مؤخرًا يكتشف أن هناك من يريد أن يحرم مصر من نتائج هذه السياسة.. بل أن يقلب الوضع للعكس.. هناك من يريد حصار مصر بالمشاكل من كل الجهات وهناك من يريد أن تصبح المشاكل هى الأساس.. بدأ الأمر منذ عام ٢٠١١ فى ليبيا مثلًا التى كانت حليفًا استراتيجيًا لمصر.. أصبح هناك ميليشيات وإرهابيون وحكومات من الإخوان فى الغرب.. وفى الشرق كانت هناك تركيبات مختلفة بعضها غير مريح لمصر.. وكان هناك من يسعى لزرع التوتر على حدود مصر الغربية التى تمتد لألف كيلومتر مربع.. ومن حين لآخر يرسل رسائل لإثارة غضب مصر.. فى السودان التى كانت حتى ١٩٥٦ جزءًا من الدولة المصرية تم إشعال حرب لا يمكننا تجاهلها ولا يمكننا التورط فيها.. وكان من الغريب أن تبدأ أحداث هذه الحرب بعملية هدفها استفزاز مصر أو توريطها أو دفعها للغضب دون حدود ودون حسابات.. وقد تعاملت القيادة مع الأمر بهدوء وحكمة واحترافية ليست غريبة عنها.. بعض الدول الحليفة لمصر والداعمة لها تتعكر العلاقات معها فجأة دون أن نعرف ما يدور فى الكواليس ولا من يدفع الأمور لهذه الدرجة.. نفس الأمر يتكرر مع الدول التى تربطنا بها حدود مشتركة.. حيث تتوتر الأمور بلا داع وبلا جديد وبلا تغير فى الحقائق الاستراتيجية بين البلدين.. وكان هناك من يريد لنا أن نسبح فى محيط من العداء والمشاكل.. وكان هناك من يحاصرنا بسياسة خبيثة تعبر عنها جملة حوارية من فيلم شهير هو فيلم الجزيرة تقول «اللى يعادى الكل يخسر»، وهى ليست فقط جملة حوارية بليغة، ولكنها حقيقة من حقائق السياسة لا يمكن تجاهلها.. إننى أتابع وسائل التواصل الاجتماعى يوميًا بحكم عملى، وأقول إن معدلات التعصب عليها باتت أكثر من اللازم وإنها أحيانًا تضر أكثر مما تنفع وتسخن الأمور بأكثر مما تحتمل، وإننا جميعًا يجب أن ننتبه لهذا.. كل حادث يحمل رسالة ما.. تصل بمجرد وقوعه.. والحادث الأخير على الحدود حمل رسالة.. والرسالة وصلت.. وبالتالى فإن كل المبالغات على السوشيال ميديا هى مبالغات عاطفية قد لا تكون مفيدة بقدر ما هى مضرة.. فنحن لا نريد أن نحارب أحدًا ولا نريد أن يحاربنا أحد.. وهناك آلاف الشواهد التى تؤكد هذا.. من جهة ثانية فإن أكثر ما كان يثير قلقى أن أجد أن ثمة موقفًا واحدًا يجمع بين المواطن المصرى العادى ولجان الإرهاب الإلكترونية.. إننى وقتها أشعر بالقلق.. لأننى أؤمن بأنه إذا سار الإخوان يسارًا فإن علينا أن نتجه لليمين، وإذا فرحوا فإن علينا أن نقلق، وإذا باركوا حدثًا ما فإن علينا أن نعيد التفكير فيه.. ولعل هذا ينطبق على الحادث الأخير كما ينطبق على حوادث أخرى.. بشكل عام أرى مخلصًا أن علينا أن نقلل معدلات التعصب على وسائل التواصل.. وأن «نصهين» بعض الشىء.. والصهينة على الشىء.. هى تجاهله.. وعدم أخذ رد فعل عنيف تجاهه رغم معرفتنا أنه يستحق اتخاذ رد فعل عنيف.. ولكننا فقط نؤجل اتخاذ رد الفعل هذا.. علينا أن نبرد الأمور فى هذا الصيف الحار.. ونترك المختصين يعملون.. إننا ننهال بمنتهى القسوة إذا وقع فنان فى سقطة أو نافق جهة استضافته.. وهذا الفنان مخطئ بكل تأكيد.. ولكننا يجب أن «نصهين» وأن نترك الأمر يهدأ بعض الوقت.. وهو نفس ما ينطبق على أمور داخلية كثيرة تبدو وسائل التواصل الاجتماعى فيها قاسية وحادة وعصبية، وتمسك سكينًا تمزق به الآخرين كل الوقت.. هل هناك مخطط ضد مصر؟ أنا مؤمن بهذا.. كم عمره؟ على الأقل منذ ٢٠١١ أو منذ غزو العراق فى ٢٠٠٣.. لماذا لم ينفذ؟ بسبب حفاظ القوات المسلحة على مصر وتفرد وضع الجيش المصرى فى المنطقة.. هل هناك من ما زال يرغب فى تنفيذ هذه المؤامرة ؟.. نعم.. ما الدليل؟.. انظر حولك.. ماذا نفعل؟ نلتزم الهدوء التام ونضع أعصابنا فى ثلاجة ونواصل العمل كتفًا بكتف ويدًا بيد.. هل هذه وصفة مضمونة؟.. وهل نملك غيرها؟