رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الحج رحلة إيمانية".. موضوع خطبة الجمعة اليوم 9 يونيو 2023

خطبة الجمعة
خطبة الجمعة

أعلنت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة اليوم، 9 يونيو 2023، الموافق 20 من ذي القعدة 1444 هـ، تحت عنوان" الحجُّ رحلةٌ إيمانيةٌ". 

وأكدت الأوقاف، على جميع الأئمة الالتزام بموضوع خطبة الجمعة القادمة نصًا أو مضمونًا على أقل تقدير، وألا يزيد أداء الخطبة علي عشر دقائق للخطبتين الأولى والثانية مراعاة للظروف الراهنة.

نص خطبة الجمعة

وجاء نص خطبة الجمعة على النحو التالي: 
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، القائلِ في كتابهِ الكريمِ: ﴿وأذِّنْ في النّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنَا ونبيَّنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللهُمَّ صلّ وسلمْ وباركْ عليهِ، وعلى آلهِ وصحبهِ، ومَن تبعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وبعدُ:

فإنَّ الحجَّ هو الركنُ الخامسُ مِن أركانِ الإسلامِ، وهو مِن أحبِّ الأعمالِ إلى ربِّ العالمين، بهِ تُرفَعُ الدرجاتُ، وتُكفرُ الذنوبُ والسيئاتُ، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}، ويقولُ نبيُّنَا (صلّى اللهُ عليه وسلم): (بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ شَهادةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحمَّدًا رسولُ اللَّهِ وإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ وصَومِ رمضانَ وحجِّ البيتِ لمنِ استطاعَ إليهِ سبيلًا)، ويقولُ (صلّى اللهُ عليه وسلم): (منْ حجَّ فَلَم يرْفُثْ، وَلَم يفْسُقْ، رجَعَ كَيَومِ ولَدتْهُ أُمُّهُ)، ويقولُ (عليه الصلاةُ والسلامُ): (أمَا علمتَ يا عمرُو أنَّ الإسلامَ يهدِمُ ما كانَ قَبلَهُ وأنَّ الهِجرةَ تهدِمُ ما كان قبلَهَا وأنَّ الحجَّ يهدِمُ ما كان قبلَه)، ويقولُ صلّى اللهُ عليه وسلم): العُمرةُ إلى العُمرةِ كفَّارةُ ما بَيْنَهما والحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلَّا الجنَّةُ.


والحجُّ رحلةٌ إيمانيةٌ مباركةٌ، رائدُهَا الإخلاصُ للهِ ربِّ العالمين، بعيدًا عن الرياءِ والسمعةِ، فالحاجُّ يخرجُ مِن بيتهِ مهاجرًا إلى ربِّهِ، تاركًا أهلَهُ، متواضعًا لمولاه، متنقلًا بين المشاعرِ المقدسةِ بقلبٍ خاشعٍ، ولسانٍ ذاكرٍ، مقبلًا على ربِّهِ، يرجُو رحمتَهُ، ويخشَي عذابَهُ، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانه: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾، لذلك فإنّ أولَ ما يهلُّ به الحاجُّ هو شعارُ التوحيدِ، قائلًا: (لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ، وَالنِّعْمَةَ، لَكَ وَالْمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ).

ومِمّا لا شكَّ فيه أنّ الحجَّ هو ميدانُ ذكرِ اللهِ تعالى، فالذكرُ هو المقصودُ الأعظمُ للعباداتِ عمومًا، وللحجِّ خصوصًا، فمَا شُرعَ الطوافُ بالبيتِ العتيق، ولا السعيُ بين الصفَا والمروة، ولا رميُ الجمارِ إلّا لإقامةِ ذكرِ اللهِ، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَه:ُ ﴿لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ﴾، ويقولُ سبحانَه: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ ۚ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (199) فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ۗ﴾، فيأنسُ الحاجِّ بالذكرِ، وتطمئنُ نفسُهُ به، يقولُ سبحانَه ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، ويتذكرُ الحجاجُ في حجهِم يومَ القيامةِ، حيث تجتمعُ الأعدادُ العظيمةُ في صعيدٍ واحدٍ، فيتذكرُ الناسُ زحامَ يومِ القيامةِ، يومَ يجمعُ اللهُ الأولينَ والآخرين ليومٍ عظيم، يومَ يقومُ الناسُ لربِّ العالمين.

***

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمرسلين، سيدِنَا مُحمدٍ (صلّى اللهُ عليه وسلم)، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.

لا شكَّ أنّ الحجَّ موسمٌ لتعزيزِ العلاقاتِ الاجتماعيةِ، ففي الحجِّ يتعارفُ الناسُ ويتآلفون ويتراحمون، فتتجلَّى الأخوةُ الإسلاميةُ في أبهَى صورِهَا، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَه: ﴿إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾، ويقولُ سبحانَه: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾، ويقولُ نبيُّنَا (صلّى اللهُ عليه وسلم): (لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأبيضَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أبيضَ إلَّا بالتَّقوَى، النَّاسُ من آدمُ، وآدمُ من ترابٍ).


على أنّنَا نؤكدُ أنّه لا يتصورُ أنْ يكتملَ حجُّ إنسانٍ دونَ أنْ يتخلقَ بالفضائلِ، ويتجنبَ الرذائلَ، فالحجُّ سلوكٌ ومسئوليةٌ وخلقٌ حسنٌ، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَه: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾، ويقولُ نبيُّنَا (صلّى اللهُ عليه وسلم): (أنا زعيمٌ ببيتِ في رَبَضِ الجنةِ لمَن تَرَكَ المِراءَ وإن كان مُحِقًّا، وببيتِ في وسطِ الجنةِ لمَن تركَ الكذبَ وإن كان مازحًا، وببيتٍ في أعلى الجنةِ لمَن حَسُنَ خُلُقُه).

فالحاجُّ لا يجادلُ، ولا يمارِي، ولا يؤذِي أحدًا بقولٍ أو فعلٍ، بل عليه أنْ يكونَ معينًا للضعفاءِ، راعيًا لهم، حسنَ الصحبةِ والمروءةِ، لينَ الجانبِ مع كلِّ مَن معه، حريصًا على أداءِ الشعائرِ على الوجهِ الأكملِ، مكثرًا مِن ذكرِ اللهِ تعالى وسائرِ الطاعاتِ.