رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر وعُمان.. آفاق واعدة

يحكي لنا التاريخ أن أبا جعفر المنصور قد أرسل القائد العماني الأصل "يزيد بن حاتم المهلبي" واليًا على مصر عام 762 م -144هجريًا، في فترة الدولة العباسيين، وقال له "المنصور": "اذهب إلى مصر، وأنقذها من فلول العلويين ودافع عن حقوق شعب مصر". وقد كان "يزيد" رجل دولة محافظًا عليها ومدافعًا عن العمق الاستراتيجي، كما أرسل جيشًا كبيرًا لتفقد وإنقاذ منابع النيل، ولهذا التف حوله الشعب المصري آنذاك في مدة حكمه التي لم تتجاوز 6 أعوام. 
وكان  يزيد بن حاتم يراقب الله في الرعية، وبخاصة من لا ناصر له ولا معين، وكان عهده مع المصريين بقوله: "ما هبت شيئًا فقط من رجل ظلمته وأنا أعلم أن لا ناصر له إلا الله". كان  "يزيد بن حاتم المهلبي" قائد أركان حرب الدولة العباسية في مصر والمغرب العربي، وصفه الحاكم العباسي بالقائد العسكري الناجح الذي يخطط للعمليات العسكرية الصعبة، وقد نجح في ضم إقليم برقة إلى مصر. 
علاقات مصر وسلطنة عمان جذور ممتدة عبر التاريخ، ومواقف بين البلدين لا تتأثر بأي تحول سياسي دولي أو إقليمي، وعلى مدار نصف القرن الماضي مع تولي السلطان قابوس حكم البلاد  ووصولًا إلى السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، والعلاقات بين البلدين لم تشُبها شائبة على المستوى السياسي أو الشعبي، لقد أحب الشعب المصري الشعب العماني رغم البُعد الجغرافي، إلا أن أواصر المحبة تجاوزت الجبال والصحاري والبحار، وكما يقول علماء اللغة العربية إن شعبي مصر وعمان لا يعطشان الجيم بخلاف سائر البلاد العربية. 
مواقف عمان السياسية ثابتة على مر التاريخ، دائمًا ما يحرص حكامها على الوساطة  ورأب الصدع بين الدول وإنهاء الخلافات، فالدبلوماسية العمانية لعبت دورًا كبيرًا في الملفات الإقليمية والعربية شعارها لا نحتاج إلى وسطاء أجانب أو سطاء عملاء بين العرب، فنحن أدرى بشئون بلادنا، وتتجلي الدبلوماسية العمانية في تقريب وجهات النظر بين مصر وإيران في الوقت الراهن، كما كان للسلطان "قابوس بن سعيد" دور كبير أثناء حرب أكتوبر 73 حين تبرع بربع رواتب العاملين بالسلطنة من أجل دعم الحرب، كما كان له موقف حكيم حين قاطعت الدول العربية مصر عقب توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، ودائمًا عمان حاضرة بدبلوماسيتها الحكيمة والرشيدة. كما تهدف السياسة العمانية لمواجهة حالة الاستقطاب الدولي والصراع بين القوة العالمية ومحاولة انقسام الدول العربية وتبعيتها إلى خندق القوى العالمية ما بين قطب الولايات المتحدة من جانب والقطب الصيني من جانب آخر.. هكذا تكون السياسة العمانية الهادئة التي تسعي دائمًا إلى استقرار وأمن المنطقة العربية..  بما يؤكده  قول السلطان هيثم: "ستواصل عمان دعمها كعضو فاعل في منظمة الأمم المتحدة تحترم ميثاقها وتعمل مع الدول الأعضاء على تحقيق السلم والأمن الدوليين، ونشر الرخاء الاقتصادي في جميع العالم، وسنبني علاقاتنا مع جميع دول العالم على تراث عظيم خلفه لنا السلطان الراحل عليه رحمة الله، أساسه الالتزام بعلاقات الصداقة والتعاون مع الجميع واحترام المواثيق والقوانين والاتفاقيات التي أمضيناها مع مختلف الدول والمنظمات".
التحركات العمانية وزيارة كبار المسئولين إلى مصر لا تنقطع أبدًا، شهدنا زيارة السلطان  هيثم بن طارق آل سعيد منذ أيام، كما حرصت جمعية الصحفيين العمانية على إقامة الملتقى الصحفي العماني المصري على مدار يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين، واختارت المتحف القومي للحضارة المصرية مكانًا لإقامة فعاليات الملتقي، بحضور شخصيات عامة وجمع غفير من الصحفيين والإعلاميين، وحضور عماني متميز بثقافته وبعاداته وقيم مجتمعه.
لقاءات وزيارت بين البلدين علينا أن نحرص عليها جميعًا على مستوى الحكومات والاستفادة من توقيع البروتوكولات ومذكرات التفاهم على كافة المستويات الاقتصادية والاستثمارية والثقافية والأدبية، وبناء مسارات جديدة من العلاقات التي تجاوزت الحدود الجغرافية، ولا سيما أن الجانب العماني أحرص ما يكون على مد المزيد من جسور التعاون بين البلدين والشعبين الشقيقين.. والجانب المصري أعلن عن أن الاستثمارات العمانية في مصر تبلغ نحو 80.5 مليون دولار في عدد 110 مشروعات في قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة والخدمات والإنشاءات..علاقة بين بلدين نتمنى لها دوام الحب والصداقة وآفاقًا واعدة.