رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحديات الجمهورية الجديدة.. الموهبة أولًا

يحب الناس دائما في مختلف الأوقات اللحاق بالتفسيرات والتبريرات الأكثر راحة لهم والتي تتسق مع حالتهم النفسية سواء سلبًا أو إيجابًا، ففى كل حدث أو مشكلة أو أزمة يضع كل فرد فى الشارع تصوره ورؤيته الخاصة عن ما يحدث، وقد يتفق الأغلبية أو الجمع الأكبر من أفراد المجتمع على  تصور أو تفسير أو رؤية واحدة أو متشابهة، وهو ما نسميه فى علوم الاتصال والإعلام بالرأى العام.

الرأى العام فى مصر متقلب وصعب الإرضاء، فهو ما إن يأخذ وضع التحفز أو السخط أو الهجوم  تجاه شخص أو قضية ما، يكون من الصعب جدًا تغيير هذه الرؤية أو الرأي حتى وإن كانت بواطن الأمور وحقيقتها على خلاف ما ينبئ به ظاهرها، وعلى العكس من ذلك فى حالة الرضا الذي يكون معرضا بشكل دائم لسحبه والتحول لنقيضه بمعلومة قد تكون مغلوطة أو صورة مجتزئة أو مقطع مفبرك.

في الأسبوع الماضي شُغل الرأي العام في مصر بواقعة هروب المصارع أحمد بغدودة لاعب المنتخب الوطنى للمصارعة، وذلك بعد تتويجه بفضية بطولة إفريقيا للمصارعة الرومانية والمقامة فى تونس، فما إن انتشرت أنباء هذه الواقعة حتى شهدنا هجومًا كبيرًا على اللاعب الشاب، من معظم ولا أقول كل برامج " التوك شو" على الفضائيات المصرية، وأصبح معروفًا إعلاميًا بـ"المصارع أو اللاعب الهارب"، وكان ذلك قبل معرفة كل ملابسات وظروف ما حدث ولماذا اتخذ هذا القرار.

الرأي العام فى البداية كان منقسمًا حول تأييد موقف الشاب أو إدانته وأنه تهرب من بلده وحرمها من موهبة جلبت إليه ميدالية  في بطولة دولية، فيما رأى البعض أن موقفه سليم في ظل ما يواجهه معظم الشباب والمواهب والأبطال من عقبات وعوائق قد تودي بهم في النهاية إلى ترك مجال تفوقهم وتميزهم رغم بداياتهم المبشرة والرائعة.

ولكن ما إن عرف ما حدث مع اللاعب بخصوص مستحقاته المالية وخصم مبلغ كبير منه من مستحقاته طوال 6 شهور لم يكن يقبضها، ورد الاتحاد المصري للمصارعة على مصلحة الضرائب في هذا الشأن بأن اللاعب يتقاضى مبلغ 3 آلاف جنيه شهريا من الاتحاد، والمستحق للاعب هو مبلغ 18 ألف جنيه عن 6 أشهر، وأنه تم خصم 10% كضريبة كسب عمل بالإضافة إلى 3% رسم تنمية طبقا للوائح وقوانين الدولة.

وكان الجزء الأخطر في رد الاتحاد هو أن اللاعب كان عليه مبلغ 13680 جنيها رسوم انتقاله من مركز شباب بيلا، للانضمام للمشروع القومي للموهبة، في ضوء اللائحة الداخلية للاتحاد والتي كان واجبًا على اللاعب سداد هذا المبلغ قبل الانتقال، وتم إرجاؤها لحين صرف المستحقات المالية للاعب تيسيرًا عليه، وهو ما جعل الرأى العام فى أغلبيته يؤيد "بغدودة" فى موقفه بل ويسانده ويدافع عنه بعد ما تكشف من حقائق.

وكانت المفاجأة الكبيرة للجميع مؤيدين ومعارضين لتصرف "بغدودة" أن أعلن عن توجيه من الرئيس عبدالفتاح السيسي دعوة للاعب لتلقي منحة للتدريب والتأهيل مع رعاية تامة له كموهبة رياضية مصرية واعدة من الأكاديمية الوطنية للتدريب، فقد حظي هذا التوجيه بالتثمين والإشادة من قبل الكل، وأوضح بصورة جلية أن القيادة السياسية للدولة في أعلى مناصبها وهو الرئيس السيسي حريص على متابعة ما يظهر ويبرز من مشكلات وحلها على الفور حرصًا على مصلحة ابن من أبناء لو لم توجه  إليه هذه الدعوة من قبل الرئيس لكان ربما حتى الآن يحاكم على مشانق ومقاصل برامج أو صفحات "السوشيال ميديا"، ثم جاءت الخطوة الثانية بإعلان وزير الشباب والرياضة إحالة اتحاد المصارعة إلى النيابة العامة بشأن مسئولية الاتحاد والظروف التي أدت إلى هروب اللاعب بهذا الشكل.

هذه الواقعة ربما كانت تمثل واحدة من أهم التحديات التي تواجهها الجمهورية الجديدة، مسئولون في مناصب أوكل إليهم العناية والرعاية بمواهب في قطاع من قطاعات الرياضة فبدلًا من أن يبحثوا عن كيفية تذليل الصعاب والعوائق أمام أبناء مصر من المواهب والمتميزين في هذه الرياضة أو ذلك المجال، فإنهم على العكس من ذلك يتفنون في صناعة العراقيل والعقبات أمام المتميزين والمواهب الحقيقية، وحجتهم في ذلك هو حفظ حق الدولة.

ولكنهم لا يدركون أن حفظ حق الدولة يكون بإظهار وتنمية المواهب في كل مجال، وليس باستقطاع المبالغ البسيطة منهم مما يجعلهم يفكرون في الهروب إلى مكان أو بلد آخر  يقدر موهبتهم وتميزهم ويساعدهم على النبوغ والتفوق أكثر.

توجيه الرئيس بدعم ورعاية اللاعب "بغدودة" هو رسالة واضحة لا لبس فيها لكل مسئول وصاحب قرار، بألا تكونوا ملكيين أكثر من الملك ولا تتطوعوا بتقديم ما لم تطلبه الدولة منكم فتضروها عن عمد وقصد أكثر مما تفيدونها بمستقبل واعد لأبنائها، ففي الجمهورية الجديدة الموهبة  والتميز أولًا ومقدمان على غيرهما ولو كانت بضعة آلاف من الجنيهات يراها مسئول مكسبًا عاجلًا في مقابل خسارة كبيرة لموهبة وبطل بإمكانه صنع الفارق في المستقبل.