رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"كليوباترا السوداء".. التزييف الممنهج لتاريخنا

"أتذكر قول جدتي لي: لا يهمني ماذا يقولون لكِ في المدرسة.. كليوباترا كانت سوداء"، أحدثت تلك الجملة التي تم عرضها في الفيديو الترويجي لأحدث سلسلة وثائقية من Netflix جدلا واسعا في الشرق والغرب، وسط اتهامات بتزييف التاريخ، ومطالبات بوقف السلسلة، فما الذي حدث؟

يجر هذا السؤال خلفه العديد من الأسئلة: ما الذي نبحث عنه عند مشاهدة الأفلام والمسلسلات التاريخية؟ وما مدى دقة هذه الأعمال؟ ولماذا يجب على مبدعي الأفلام والصحفيين والمؤرخين تقديم تصوير متوازن ودقيق للتاريخ؟ وما الذي قد يحدث إذا لم يتم ذلك؟

وللإجابة عن كل تلك الأسئلة، نشير أولًا إلى أن صناعة الأفلام تمتلك نفوذاً خاصاً على عملية الفهم الجماعي. فمن خلال السينما والتليفزيون يتمكن أصحاب تلك الصناعة من تشكيل النظرة للأحداث وشخصيات التاريخ. هذه القوة تأتي مع مسئولية تتمثل في تقديم تصوير دقيق وشامل للتاريخ. وعندما لا ينجحون في ذلك، يكون للنتائج آثار بعيدة المدى وهدامة.

ومع وجود الجيل Z الذي يعتمد على التكنولوجيا في كافة مناحي الحياة، بما فيها العمل والدراسة والترفيه في المشهد، ومع غياب المسئولية الاجتماعية لدى بعض عمالقة صناعة الأفلام، نجد أنفسنا أمام ورطة كبيرة: جيل يستقي معلوماته التاريخية من أعمال مضللة وكاذبة.

أحد أحدث الأمثلة الشائنة للإنتاج التاريخي المضلل سلسلة Queen Cleopatra الوثائقية من Netflix، والتي تصور ملكة مصر على أنها سوداء، والتي تنتجها جادا بينكيت سميث، أحد أبرز أنصار نظرية "المركزية الإفريقية"، والتي تدّعي ملكية الحضارة المصرية القديمة، وأن المصريين مجرد محتلين للأرض.

ما فعلته Netflix، التي لم تعلق على انتقادات المصريين حتى الآن، يضعها أمام سؤال محوري: هل تم إنتاج السلسلة بالاعتماد على توجه المنتجة وفريق العمل فقط؟ وما هي الإجراءات التي تتبعها الشركة لضمان دقة وجودة المحتوى التاريخي؟ وما الذي يمكننا، كمشاهدين، فعله لتدقيق المعلومات التي نتلقاها؟ 

كمشاهد، يمكنك البحث عن معلومات تاريخية موثوقة للأحداث والشخصيات الموجودة في أي عمل، والاطلاع على تقييمات النقاد والجمهور لتوجيههم حول دقة الفيلم التاريخية، والتحقق من صحة المعلومات التي تم تصويرها في الفيلم باستخدام المصادر الموثوقة المتاحة على الإنترنت، واستشارة المؤرخين والخبراء في المجال التاريخي، والاهتمام بالتفاصيل الصغيرة، مثل الأزياء والديكورات والعادات والتقاليد، حيث يمكن أن تدل هذه التفاصيل على دقة الفيلم التاريخية.

أما Netflix، فأنصحها بصفتي صحفيا، وأحد أبناء أقدم حضارة عرفت مبادئ الكتابة على وجه الأرض، بالتوقف عن الاعتماد على "الخيال التاريخي" أو النفوذ المادي، كمصادر لإنتاج وتمويل أعمالها التاريخية، وما زلت بانتظار أن يجد حديثي صدىً لدى المنصة لتصحيح المسار وتقديم محتوى أكثر دقة يحترم إرث المصريين.

وأخيراً، يجب أن أؤكد أن هذا المقال ليس هجوماً على السود، بل هو تحذير مهم لمنصات الإعلام الكاذبة ومحاولات تزوير التاريخ. أدرك تماماً وجود العديد من الحضارات الإفريقية السوداء الرائعة، لكن مصر ليست واحدة منها.