رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ظواهر إيجابية فى موسم الدراما الرمضانية (3- 3)

ويستمر حديثنا عن التقييم المبدئي لما أنجزته الدراما المصرية خلال الموسم الرمضاني الحالي، ففي يقيني أن مصر الكبيرة عربيا وإقليميا تسعد بتقدم شقيقاتها على أي مستوى علمي أو رياضي أو فني. والأمر في مقام الإنتاج الدرامي يتجاوز فكرة المنافسة إلى التكامل. وكم أتمنى أن ننطلق إلى حيز الإنتاج الدرامي المشترك الذي يقدم أعمالا تعالج قضايا عربية ويناقش موضوعات اجتماعية تقرب الشعوب العربية الشقيقة وتزيل نعرات الطائفية ودعاوى الفتن السياسية.

وألاحظ بقوة سعي القيادات السياسية العربية إلى تعزيز خطوات التقارب على كافة المستويات، في حين لا تواكب الفنون- بذات السرعة والقوة والزخم- تلك الخطوات وتعززها وتقدم لها الدعم الذي يبسط أهدافها ومضامينها للجماهير، سواء من خلال أغنية أو مسلسل أو حتى برامج تليفزيونية أو إذاعية. ويقيني أن هناك جهدا مضاعفا في هذا السياق ينبغي أن يبذله كل من اتحادي إذاعات الدول العربية، واتحاد اذاعات الدول الإسلامية الذي يرأسه الإعلامي المصري د. عمرو الليثي.

وإذا كانت خطة الإنتاج الدرامي التي تبنتها الشركة المتحدة هذا العام قد تمت وفقا لدراسات وتبنت فكرة تغطية احتياجات مناطقية تستوعبها الدراما المصرية، فإن ثقتنا في وعي قيادات الشركة بالبعد القومي للفن المصري سيقودهم للتوجه نحو إنتاج عمل درامي- وربما أكثر- تدور أحداثه وتيمته في أكثر من دولة عربية، الأمر الذي يسمح بمشاركة نجوم عرب كثر من مجتمعات عربية مختلفة، وبما يجذب اهتماما جماهيريا عربيا،  بما يضمن تسويقا كبيرا للمسلسل. وقد كانت لصوت العرب تجارب إذاعية متميزة في هذا الصدد، سواء بإنتاج روايات لمؤلفين عرب أو حتى مناقشة قضايا عربية لمؤلفين مصريين، فضلا عن تجربة الإنتاج المشترك مع إذاعات عربية.

أمر آخر في شأن الدراما المصرية هو مسألة الترويج المباشر لتلك الأعمال مبكرا وقبل الموسم الرمضاني بفترة كافية لدى الأسواق العربية التقليدية، وأعني بها جماهير الدراما العربية في المغرب والمشرق العربي. فالمسلسلات المصرية سلعة فنية رائجة ومنتظرة من شريحة كبيرة جدا من الأشقاء العرب، والترويج المبكر لها سيسهم في مزيد من الانتشار والنجاح الاقتصادي لتلك المسلسلات، نجاحا يوازي نجاحها الفني ويدعمه.

ولا يتسع المقام للوقوف طويلا عند كل عمل من مسلسلات الموسم الدرامي الرمضاني بالتفصيل، لكن تبقى في النهاية كلمة شكر وجب توجيهها للقائمين على إدارة الشركة المتحدة.

وهذا الشكر واجب لأمور كثيرة، منها هذا التنوع الدرامي الذي حرص مسئولو المتحدة على ضمان وجوده لإرضاء المشاهد المصري- بل العربي- بكل أطيافه وبيئاته وثقافاته. التقدير لهم أيضا لإتاحتهم الفرصة لأقلام جديدة ووجوه جديدة تبشر بمستقبل مشرق للدراما المصرية.

السعادة الحقيقية أنهم حين تابعوا ملاحظات المهتمين بالدراما في أعوام سابقة لم يديروا وجوههم، مدّعين أنهم صنعوا أفضل شيء وأن ليس في الإمكان أبدع مما كان، وإنما فتحوا صدورهم وعقولهم للأخذ بالموضوعي من تلك الملاحظات والعمل على تلافي السلبيات إن وجدت.

أما عن دراما النصف الثاني من شهر رمضان- التي كان أبرزها مسلسلات: جت سليمة، كشف مستعجل ، تحت الوصاية، وأخيرا مسلسل حرب الذي بدأ عرضه قبل أيام قليلة- فهي مسلسلات نالت اهتمام قاعدة كبيرة من الجماهير على الرغم من أنها بدأت في وقت حسبنا أن الجمهور قد تشبّع من الوجبة الدرامية التي قدمت على مأدبة رمضان الدرامية في النصف الأول منه.

ولكن على العكس تماما فقد أكدت دراما النصف الثاني من رمضان أن النجاح يأتي للمجتهد على قدر جهده وبعيدا عن حسابات الورقة والقلم من حيث مواعيد العرض أو توقيت البث.

إذ يأتي مسلسل "تحت الوصاية" في مقدمة الأعمال التي أثارت جدلا مع نشر البوستر الترويجي له. وهو أمر يذكرني بألاعيب منتجي السينما قديما من حيث جذب انتباه الجماهير للفيلم وعمل ضجة تتيح للعمل فرصة للمشاهدة. وبالفعل، نجح صناع "تحت الوصاية" في هذا وإن كانت هذه الطريقة تمثل سلاحا ذا حدين، فالجمهور ينتظر مثل تلك الأعمال الجدلية بتربص. فلو لم يكن لدى المنتج وصناع العمل ما يضمن نجاح منتجهم لانتهت مغامرتهم بإعلان فشل مبكر وسريع ومدو للعمل، سواء كان سينمائيا أو تليفزيونيا.

ولكن صناع مسلسل "تحت الوصاية" تجاوزوا هذا التحدي إذ أثبت المسلسل مع حلقاته الأولى نجاحا ملحوظا ضمنه وجود نجمة كبيرة بقيمة منى زكي و كاست من المتميزين أبرزهم من وجهة نظري هو الطفل عمر شريف الذي نال تعاطف المشاهدين مع الشخصية بحنانه الشديد ورعايته الأبوية لشقيقته الرضيعة. ولولا خوفي عليه من غرور مبكر أو من هزة نفسية تعرض لها قبله كثيرون أدركوا النجومية في طفولتهم لكتبت عنه الكثير.

وفي إطار من المزج الفني الجميل بين الأسطورة والواقع وفي سياق كوميدي يحتاجه المشاهد المصري ويحسن استقباله، تتألق الموهوبة بحق دنيا سمير غانم من خلال حلقات مسلسل "جت سليمة" ومعها كاست متميز من النجوم. وتلفت دنيا جمهورها من جديد لمواهبها المتعددة وحضورها الطاغي، بعد غياب قارب الثلاث سنوات، ما يدعونا إلى العودة للحلم بأن نعود من جديد للفوازير الاستعراضية الراقية التي قدمها من قبل الراحل سمير غانم، وقبله نيللي، وشريهان وغيرهما.

أكرر شكري "للمتحدة" قيادة وأفرادا وفي انتظار موسم درامي قادم تشرعون في تنفيذه مبكرا، والأهم هو السعي لترويجه وتسويقه، فالدراما فضلا عن كونها تحمل بعدا اقتصاديا، فهي أيضا إحدى أهم أدوات القوى الناعمة القادرة على النفاذ للقلوب وتغيير المفاهيم وترسيخ التقاليد ودعم الثوابت.