رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"خرج بدون فانوس".. حكاية ليلة قضاها الرحالة بيرتون في قسم الشرطة

رتشارد بيرتون
رتشارد بيرتون

في كتاب "حكايات عابرة" للمؤلف حمدى البطران، رصد تفاصيل ليلة قضاها الرحالة الأيرلندي رتشادر بيرتون في حجز الشرطة أثناء زيارة مصر، وهو أول أوروبي يكتشف بحيرة أفريقيا، وأجاد 25 لغة ولهجة، والتحق بجامعة أوكسفورد وتركها، ثم عمل ضابطًا في الجيش البريطاني في الهند أثناء حروبها مع السند "باكستان".

ومن ضمن الإنجازات التي فعلها خطط لاكتشاف منابع النيل عن طريق دخول إفريقيا من ناحية اليمن، لأجل ذلك جاء إلى مصر سنة 1853 ومنها إلى الحجاز ومنها عبر البحر الأحمر إلى أفريقيا، وكانت نتائج رحلته إلى مصر مؤلف ضخم بعنوان "رحلة بيرتون إلى مصر والحجاز"، وترجمه إلى اللغة العربية الدكتور عبدالرحمن عبدالله الشيخ.

سجل "بيرتون" في رحلته كل ما شاهده بالتفصيل، حتى أدق تفاصيل حياته، ومن ضمن المواقف أنه عندما وصل إلى القاهرة كانت تحتفل بعيد الفطر في جو من إعلان الحرب على روسيا، أي أن مصر في تلك الفترة كانت في ظل ما يعرف بحالة الطوارئ.

يقول بيرتون في كتابه: "إن القاهرة ازدحمت بالعمال المخطوفين، يقصد الأشخاص الذين جمعتهم الحكومة لأعمال السخرة، ويقول إنه حين يتجمع الناس في المساجد مثلا أو في المقاهي سارعت الشرطة فأغلقت الأبواب".

وأكمل: "وفضلًا عن هذا فقد امتلأت القاهرة بالشائعات عن المؤامرات والمتآمرين، والمسيحيون واليهود ترتعد فرائصهم خوفا من الاستعدادات المرعبة للعصيان المسلح والسلب والنهب، ويتهامس الناس بأن بضع مئات من المجرمين الخطرين قد أزمعوا إحراق القاهرة مبتدئين بحي البنوك، كما يزمعون نهب المصريين الأثرياء، ومما زاد في خطورة تلك الشائعات أن سمو عباس باشا كان غائبا عن القاهرة، وحتى لو كان في القاهرة فإن حضوره لم يكن يغني كثيرا، فالحاكم لا يستطيع أن يفعل شيئا نحو إعادة الثقة المملوءة بالذعر والخوف.

لأجل هذا تولت الشرطة المصرية مواجهة الأمر، وصدرت الأوامر المشددة في مدن مصر الرئيسية بأن كل من يخرج من بيته بعد حلول الظلام دون أن يحمل معه فانوسا، سيقضي ليلته في مركز الشرطة. 

وأشار بيرتون إلى أن الشرطة سحبت التصريح "تصريح إقامة الأجانب" منه, وحدث أن خرج بيرتون في الليل بدون فانوسه بعد الساعة الثامنة, أو أنها أرسله مع خادمه إلى بيت صديق ينوي زيارته, فقبضوا عليه, ويقول بيرتون إنه كان يرتدي الزى الشرقي, وحدث أن العسس قابلوه, وطوقوه, ثم استجوبوه, وقبضوا عليه, وقد حاول الإفلات من أربعة منهم.

ولكنه وجد نفسه محاطا بدستة منهم أمسكوه من أكمامه وذيل جلبابه, وطوقوه من فوق عباءته الفضفاضة, ووجد نفسه يطير فوق سطح الأرض بتسع بوصات حوالي ربع متر, ولم تجد أقدامه شيء تلامسه سوي الهواء, ثم أمسكوا بتلابيبه , وانهمرت منهم الأسئلة: اسمك وجنسيتك وسنك ودينك ومهنتك، وسألوه عن سائر أحواله بشكل عام خصوصا كيس نقوده، وعلي الفور أعلن بيرتون أنه ليس أعجمي ولا فارسي, ولكنه هندي تحت الحماية البريطانية.