رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زيارة إلى عرب المعادى "المصرية السودانية"

تقول الإحصاءات إن نادي الهلال السوداني لم يفز يوماً بدوري أبطال إفريقيا، وأن الأهلي المصري حقق البطولة نفسها عشر مرات. إذن فالمواجهات بين الناديين محسومة للأخير في غير المفاجآت التي نادراً ما تحدث، وهو ما يشير إلى أن يد الفريق الأحمر عليا بحكم التاريخ والأرقام دون جدال.

يقول التاريخ إن العلاقات بين مصر والسودان شعبياً ورسمياً لم تكن يوماً إلا علاقات ود ومصاهرة ومحبة يقوي أواصرها نيل واحد وأرض واحدة ومصير مشترك إذا تألمت فيه الخرطوم يمتد الوجع إلى جسد القاهرة والعكس.

إذن، الغريب وما يستحق الكثير من علامات الاستفهام هو موقف إدارة نادي الهلال السوداني وصحافته وإعلامه من مباراتي دور المجموعات للبطولة القارية، إذ استحالت "اللعبة" إلى "حرب" وانقلب المدرج الذي يمنح المشجعين فرصة للترفيه عن النفس إلى "ميدان قتال"، يُستخدم فيه الجمهور كجنود في معركة وخلق حالة من "الإرهاب" للمنافس.

الصفحة الرسمية للنادي السوداني دأبت على شحن الجماهير ضد لاعبي الأهلي قبل المباراة الأولى على ملعب "الجوهرة الزرقاء" الذي وصفته بـ"المقبرة"، واستمر الشحن نفسه حتى موعد المباراة الثانية في القاهرة وبعدها.

وبعد الأحداث التي شهدتها مباراة السودان لم تخرج تصريحات مسؤولي النادي الأهلي عن السياق الطبيعي والتقدم بشكوى إلى الجهة المسؤولة عن الكرة الإفريقية وهو اتحاد الكاف. وفي المقابل خرجت تصريحات من مسؤولي النادي السوداني بأن الجماهير المصرية رددت هتافات عنصرية ضد اللاعبين لتبرير الهزيمة "المتوقعة والطبيعية".

بعد نهاية المباراة خرج محمد إبراهيم العليقي، نائب رئيس نادي الهلال السوداني ليصرح بأنه "بات بيننا وبين الأهلي ثأر". عن أي ثأر يتحدث رجل يُفترض أنه مسؤول، وهل حقاً حديثه عن "عنصرية الجماهير" حقيقة؟.

زيارة واحدة إلى منطقة عرب المعادي جنوبي القاهرة كافية لرسم صورة عن طبيعة العلاقات بين الشعبين، حيث تعيش جالية سودانية "في العين وعلى الرأس" يتعامل أفرادها كأصحاب بلد، ولا يتعامل معهم المصريون إلا كأصحاب بلد حقاً.

في عرب المعادي، محال تجارية ومقاهٍ وبيوت للسودانيين لا تشعر للحظة واحدة بأن أصحابها "من بلد آخر" غير مصر. يتبضعون من السوق نفسه والفرن نفسه ولا ينازعهم أحد في أرزاقهم.

في منزل واحد، تجد السوداني والمصري والإثيوبي يتشاركون أطباق الإفطار في رمضان، ويلهو أبناءهم سوياً ويصيحون على بعضهم في الشارع بأسمائهم فقط غير مصحوبة بجنسية أو عرق.

بعد نهاية المباراة الأخيرة بين الأهلي والهلال في القاهرة وكعادة المصريين "حفّلوا" على جيرانهم في المقاهي السودانية بالمنطقة، فلم يجدوا إلا الابتسامات والنقاشات الكروية الحامية، والشعور الطبيعي بالحسرة أن الفريق السوداني لم يحسم بطاقة التأهل أمام فريق صن داونز الجنوب إفريقي.

الحقيقة أن المسؤولين في نادي الهلال "ليسوا على قدر المسؤولية" ويشعلون فتيل "فتنة" لن تحدث أبداً بإذن الله، فالبلدان واحد والدم واحد والمصير واحد.