رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

توفيق الدقن.. الشرير الظريف

فنان شامل مثل للسينما والمسرح والشاشة الصغيرة، اشتهر بأداء دور الشرير، لقب بجوكر  السينما المصرية أو بالشرير الظريف، ترك بصمة خالدة فى تاريخ السينما والمسرح جسد شخصية الشرير بصورة مبتكرة وغير نمطية، ارتبطت نجوميته بثورة يوليو ،عرفته الجماهير من خلال دور الباز أفندي في فيلم "ابن حميدو".. وأمين في فيلم "طاقية الإخفاء". 
عاش حياة حافلة بالأحداث، امتزجت فيها الكوميديا بالتراجيديا والمعاناة بالتحدي والنجاح، لعبت الصدفة دورها في حياته، يقول دائمًا إنه يعيش صدفة وبدل فاقد!
ساعدت ملامحه الغليظة في حصره في أدوار الشر وبعض الأدوار المختلفة التي بسببها كرهه البسطاء، أتقن تجسيد دور اللص والبلطجي والعربيد، إنه الفنان القدير توفيق محمد أمين الشيخ الدقن.. الشهير بتوفيق الدقن. 
توفيت والدته بعد تعرضها لصدمة حادة، حيث كان يسير معها في شارع عماد الدين ،طارده البعض بعد أن نعتوه بالسكير واللص.. فأصيبت بصدمة وماتت على إثرها ظنًا منها أن ابنها لص وعربيد، وأن الجميع يعلمون عنه ذلك!
طارده جزار بالساطور عندما توجه للشراء من محله.. رفض الجزار البيع له لأنه لا يتعامل مع اللصوص!!..
ظل يطارده بنظراته أينما ذهب.. لم يستطع البسطاء استيعاب مهنته كممثل وتقبله كفرد عادي بينهم. ربما إجادته وتقمصه للدور كانت سببًا في هذا.. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد!!
تم استبعاده من فيلم الرسالة من قبل المخرج مصطفى العقاد بشكل مفاجئ.. 
لطبيعة الأدوار التي حصر نفسه فيها.. متعللًا بأنه سيكون غير مقنع للمشاهد في الدور الجديد.. ليرد عليه الدقن ساخرًا.. كان يمكنك أن تضعني في دور كافر إذا كان ظهوري سيؤثر على الإسلام!
البداية:
ولد توفيق الدقن في قرية هورين بمركز بركة السبع بمحافظة المنوفية في مايو عام 1923، رفض والده تسجيله، ومنحه شهادة ميلاد شقيقه الذي رحل في نفس سنة مولده ليعيش الدقن بعمر أكبر من عمره الحقيقي بـ3 سنوات. كان دائم السخرية من هذه السنوات التي يحملها ولم يعشها. تعلم التمثيل سرًا خوفًا من والده الأزهري، وكانت والدته ترسل له مصروفات المعهد في السندوتشات!
حصل على بكالوريوس المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1950. بدأ حياته الفنية منذ أن كان طالبًا بالمعهد، وأول عمل له كان دور فلاح صغير، ثم اشترك بعدها في فيلم (ظهور الإسلام) عام 1951. التحق بالمعهد الحر بعد تخرجه لمدة سبع سنوات. كما عمل في فرقة إسماعيل يس. ثم التحق بالمسرح القومي الذي ظل عضو به حتى إحالته إلى المعاش، بجانب دراسته للفن عمل موظفا في السكة الحديد وكاتب مخالفات في النيابة  الجزائية بالمنيا لإجادته للخط العربي وتميزه بذلك..
بدأ الدقن حياته الفنية كومبارس صامتًا وتدرج بالأدوار حتى صار أيقونة من أيقونات الفن.
رصيده الفني زاخر بالأعمال التي وصلت لـ233 عملا فنيًا تنوعت ما بين السينما والمسرح والمسلسلات.
مشواره الفني:
اشتهر الدقن بأنه يتمتع بشخصية قوية معتدة بنفسها، وروى ابنه المستشار ماضي توفيق الدقن حادثة تعرض لها والده في بداياته تثبت أنه ذو شخصية جادة لا تقبل الإهانة وتعتد بنفسها وكرامتها..
لا تقبل أن يسخر منها أحد، كاد أن يصطدم بالفنان الكبير نجيب الريحاني في شبابه وأول مشواره!!
وعن هذه القصة تحدث المستشار ماضي توفيق الدقن في تصريحات خاصة لليوم السابع قائلا: "عندما تقدم والدي لاختبارات معهد التمثيل في أول دفعة بعد افتتاحه، كانت لجنة الاختبار مكونة من نجيب الريحاني، وحسين رياض، وزكى طليمات، وعندما سألوه عن اسمه سخر منه الريحاني، وقال له «إيه الدقن دى»، فرد والدي عليه بحمية أهل الصعيد «وإيه الريحاني دى»، فظنت اللجنة أنه متعالٍ وغير جاد وجاء لمعاكسة الفتيات، خاصة أنه كان وسيمًا، فرسب في الاختبار".
وأوضح ماضي: "بعدها سأل عليه زكى طليمات، وقال له «تعالى وهات الصور»، لأننا كنا نختبر جديتك، والتحق بالدفعة الثانية في المعهد، ولعبت الصدفة دورها معه عندما شارك لأول مرة في مسرحية «الناس اللي تحت» بالمسرح الحر مع عبدالمنعم مدبولي، بعد اعتذار صلاح منصور عن دور الأستاذ رجائي، فأداه والدي ونجح نجاحًا كبيرًا.
وتابع: "بعدها شارك والدي في فيلم «ظهور الإسلام» مع كوكبة من النجوم، وكان الدكتور طه حسين يختار الممثلين بالسمع، فسمعه وأعطاه دور «خباب ابن الأرت»، ثم شارك في فيلم «درب المهابيل» لنجيب محفوظ، وتوالت أعماله".
كما يؤكد المستشار ماضي الدقن أن اعتزاز والده بشعره وعدم رغبته في حلاقته جعله يرفض عرض احتراف لنادي الزمالك، ربما لو كان استجاب لتعليمات النادي حينها لانضم لفريق كرة القدم بنادي الزمالك، ربما كان لاعبًا كرويًا شهيرًا.
كما أكد أن والده كان سعيد الحظ لأنه عاصر أجيالًا جديدة من نجوم الفن، حيث عمل مع عادل الإمام ومحمد صبحي، بعد أن وقف جنبًا إلى جنب مع عمالقة السينما رشدي أباظة وفريد شوقي وعمر الشريف ومحمود المليجي وآخرين..
محطات فارقة:
أشهر أفلامه "درب المهابيل عام 1955، صراع في الميناء عام 1956، ابن حميدو عام 1957، احبك يا حسن عام 1958، سر طاقية الإخفاء عام 1959، إسماعيل يس في السجن 1961، في بيتنا رجل 1961، ادهم الشرقاوي عام 1964، يوميات نائب في الأرياف عام 1969، الأرض عام 1970، البحث عن فضيحة 1973، حدوتة مصرية عام 1982، سعد اليتيم عام 1985، وداعًا بونابرت عام 1985.. وغيرها.   
أشهر المسلسلات أحلام الفتى الطائر، القط الأسود، محمد رسول الله أول جزء، وألف ليلة وليلة أول جزء.
مسرحياته "الفرافير، سكة السلامة، المحروسة، البلدوزر".
 أشهر إفيهات توفيق الدقن:  
 "أحلى من الشرف مفيش "،"العلبة دي فيها إيه ؟"،"يا آه يا آه" .
"أنا رجل لعين يا أخي"، "ألو يا أمم".
"الناس كلها بقت فتوات أومال مين اللي هينضرب".
النهاية:
توفي الفنان توفيق الدقن في 26 نوفمبر 1988 عن عمر ناهز الخامسة والستين. بالفشل الكلوي..
استيقظ فجرًا بعد أن رأى منامًا وطلب من ابنه أن يرافقه لزيارة العائلة.. فمر عليهم فردًا فردًا متسائلاً: يبدو أن أحدهم سيموت..!!
تدهورت حالته الصحية بعدها بأسبوع وتوفي.. وفقًا لرواية ابنه المستشار ماضي.
أكد ماضي أن والده كان فيلسوفا محبًا للحياة وكان يطمح أن يعيش أكثر من ذلك .
تكريم مستحق:
حصل توفيق الدقن على:
وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1956
وسام الاستحقاق
شهادة الجدارة في عيد الفن عام 1978
درع المسرح القومي
جائزة اتحاد الإذاعة والتلفزيون
جائزة جمعية كتاب ونقاد السينما
حصل على جوائز عن أدواره في عدد من الأفلام، منها "في بيتنا رجل"، و"الشيماء"، و"صراع في الميناء"، "القاهرة 30"، "ليل وقضبان"
يظل الأبرز تكريمه من قبل الدولة، حيث حصل على وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى من الرئيس الرئيس جمال عبدالناصر.
وهكذا أسدل الستار عن نجم موهوب، أثرى الفن بالعديد من الأدوار الخالدة التي تدرس للأجيال وكل محبي الفن في كل زمان ومكان.. لم يهتم بحجم الدور بقدر قيمة ما قدمه.. لذا عاش وعلق بلا ذهان والقلوب ليس كسنيد فقط، بل لأنه أحد عباقرة الفن المصري والعربي.. لأنه توفيق الدقن.. عبقرية الشر الظريف.