رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

البساطة سمتُ الكبار

تابعنا خلال الأسبوع المنقضي حفل زفاف الأميرة الأردنية إيمان بنت عبدالله بن الحسين. إذ احتفلت العائلة الهاشمية بزفاف إحدى أميراتها، في حفل بهيج تصدر حديث الناس على مواقع التواصل الاجتماعي طوال الأسبوع. 

توقع الجميع أن يتابعوا زفافًا ملكيًا أسطوريًا فكان كذلك، فقد جاء الحفل أسطوريًا ولكن ببساطته، وصار نموذجًا قابلًا للتكرار. إذ يمكن أن يُحتذى في صناعة الفرحة بدون تكلف زائد أو بهرجة ممجوجة أو بذخ مبالغ فيه. بدت الأميرة في طلّة عُرسها بسيطة جميلة راقية، لا بهرجة في ملبس أو في زينة أو في طقوس حفل الزفاف. 

تم عقد القران في مقر إقامة الملك، وشارك فيه عدد من أفراد العائلة المالكة، بينهم الأمير الحسن بن طلال عم جلالة الملك، وأفراد عائلة الزوج، إلى جانب عدد من المقربين، فضلًا عن عدد من المدعوّين من الدول العربية. وتصدرت فقرات الحفل مشاركة لإحدى فرق الفلكلور الشعبي الأردني، في إشارة إلى الاهتمام بنشر التراث الأردني. ولعل المشهد الأبرز الذي توقف عنده كل من تابع مشاهد الحفل هو دموع الملكة رانيا التي خانتها فيما كانت تتابع تفاصيل عقد القران بينما نظرة حب ودعم صامتة رمق بها ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله والدته التي سرعان ما تماسكت احترامًا للتقاليد والطقوس الملكية. 

هذا ببساطة كل ما يمكن أن نصف به زفافًا ملكيًا يحتفي فيه ملك وملكة بزفاف كبرى أميراتهم وأول فرحة في هذه الأسرة العربية الحاكمة. أثار هذا في ذهني أفراحًا صرنا نتابعها لأقارب أو معارف بين مناطق راقية أو في قرانا أو حتى في المناطق الشعبية. إذ صارت البهرجة هي العنوان الرئيس لأفراحنا في زمن عز فيه المال وصار يأتي بعناء شديد يشكو منه الغني قبل الفقير.

حجة المبالغين في الفرحة والمنفقين حتى السفه على الأفراح تبقى دائمًا: "يا أخي دي ليلة في العمر، خلونا نفرح ونفرّح العيال".. كلام منطقي تقف أمامه عاجزًا عن الرد. لكن، هل هذه الفرحة تبقى دون تداعيات تراجيدية سرعان ما تقلب فرحة الأهل إلى حزن وسعادتهم إلى كآبة؟- للأسف، لا. فمعظم الأفراح صارت تستنزف أموالًا باهظة يتكبدها الغني والفقير، كل على قدره. 

أفراح الأغنياء تستدعي جلب أسماء أبرز النجوم بميزانيات ضخمة وفي أماكن وقاعات وفنادق من ذوات الخمس نجوم، وبوفيهات فيها ما طاب للضيوف الذين يعودون إلى منازلهم وعلى ألسنتهم انتقادات لفستان العروس وماكياجها. والمدعوون من عائلة العريس ينتقدون أهل العروس والعكس في كون هؤلاء "عيلة بلدي"، وأولئك نالوا بنسبهم لنا منزلة لا يستحقونها ستُعلي من المستوى الاجتماعي لعائلتهم على إثر هذا النسب الذي لم يكن لجد عائلتهم الأول أن يحلم به، وهكذا تبدأ رحلة التنابز والتعالي ويدق أول مسمار في بناء أسرة لم تكد تؤسس.

أما في أفراح أهلنا من البسطاء، فيبقى الكل حريصًا على أن لا يبدو بسيطًا!! فأهل العريس لن يرحموا أهل العروس بانتقاداتهم إذا ما شاب حفل الزفاف شائبة، أو إذا قصّر أصحاب الفرح في أي طقس من طقوس الحفل. وهنا يشرع المدعوون من كلا الفريقين في الاستعداد للحفل قبل موعده بأشهر كاملة.

فهذه تخطط لابتزاز زوجها لشراء بدلة لولدهما تليق بالمناسبة، والفتاة تجوب المناطق البعيدة عن منطقة سكنهم باحثة عن محال تأجير فساتين السهرة لاستئجار فستان سواريه تحضر به المناسبة، آملة أن توقع شابًا يبحث عن عروس بين المدعوات. تتباهى الفتاة بفستانها المستأجر- مدعية أنها اشترته من أشهر المحلات- في حين أن كل المدعوات يلاحظن أن الفستان يكاد يبلى من كثرة دخوله إلى محال التنظيف عقب كل رحلة تأجير.

 أما الأم المسكينة فتكتفي باقتراض فستان من جارتها أو ابنة خالتها، مبررة للجميع أن شراء ملابس الأولاد أجهزت على ميزانية البيت لأشهر قادمة. في حين تبادر أختها ميسورة الحال بإقراضها قرطًا ذهبيًا أو أسورة مما تملكه حتى تشرّف العائلة ولا تكون أقل من "سلفتها". ويبقى الأب هو ضحية كل ما يحدث، فهو لن يشتري أي جديد ويقبع في ركن بصالة البيت يلمع حذاؤه بيديه، في حين تتعطف الزوجة وترسل ببدلة زوجها الوحيدة إلى المغسلة لتنظيفها وكيها على نفقتها- بجنيهات اقتطعتها من مصروف البيت- هدية منها لزوجها ومكافأة له على ما تكبده من مصاريف.

وتبقى رسالة هذا الزفاف الملكي أن السعادة نحن الذين نصنعها، وأن الفرحة قد تكتمل بانتهاجنا لمبدأ البساطة. فكم من الأفراح لم تكتمل وتحولت إلى أتراح بسبب عدم حساب الأمور بحسابات العقل والمنطق، وكم من سيدات معيلات انتهت فرحتهن المؤقتة بمأساة حبس فيما تحول إلى ظاهرة يطلق عليها "الغارمات" نتيجة التبذير والبهرجة والمبالغات سواء في تأسيس بيوت الزوجية أو في حفلات الأفراح وما تستلزمه من نفقات مبالغ فيها. مع أطيب أمنياتنا للأميرة وزوجها بدوام السعادة والبساطة.