رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماهية الجسد وإثبات الوجود فى «جسم مثالى لرجل مهم»

جسم مثالى لرجل مهم
جسم مثالى لرجل مهم

من الظواهر الاجتماعية فى كثير من المجتمعات ثقافة الذكر المقدس، وتعتبر إطارًا مرجعيًا لمعنى الرجولة فى العقل الشرقى خاصة، فهو الاستثناء وانعكاس وتجسيد لقوة الإله على الأرض، فمظاهر الذكورة التى اختزلها الشرقيون فى الجسد، هى الدليل الأول والوحيد على إثبات وجود الذات، ذلك الوجود الذى يعد موضوعًا من أهم موضوعات هذا العالم اللا متناهى.

وقد أخذ هذا التشكل فى رواية «جسم مثالى لرجل مهم»، الصادرة عن دار العين للكاتب خالد البرى، انعكاسًا وتجسيدًا لهذا الإطار المرجعى لدى العقل العربى، ليسرد لنا مفردات الرجولة العربية، المتمثلة فى معالم الذكورة والفحولة فقط، التى لا يدرك الرجل الشرقى وجود ومعنى العالم ومعنى ذاته إلا بوجودها.

تتناول الرواية حكاية «ربيع» الذى يحاول اكتشاف جسده منذ الطفولة، الذى يكتشف من أبيه انتماءه لجماعة فرعونية سرية اسمها العزارانة، وتؤمن بعزير، إله الخصوبة الفرعونى، وتتوارث قضيبه الذى صنعته الإله ست، وهذا القضيب يعطى صاحبه رجولة لا يضاهيها أحد، وظل «ربيع» طوال الرواية يؤمن بتلك الحكاية، وأنه وريث الإله عزير فى الأرض.

حيرة الجسد بين ثنائيات الوجود

يظل ربيع حائرًا بين سوسيولوجيا مقدسة، وكيف يجسده على أرض الواقع، ‏فيقع فى حيرة جندرية، التى مثلها حادث صديقه حسين فوق السطح، ومحاولته الأولى معه فى اكتشاف ذكورته، ورغبته المستمرة الجامحة تجاه أم حسين، ثم انتفاء رغبته تمامًا أمام صديقته لميس، ثم حيرة بين ثنائية الشرق والغرب، الشرق الذى قدس ذكورته، والغرب وتهميشه الكامل له، وأخيرًا السلطة وماهيتها ورؤية الذات والآخر لها.

ماهية الأشياء وفلسفة الكون

يضعنا الكاتب فى عدة أبنية جسدت ماهية الأشياء وفلسفتها فى عين «ربيع»، فيبدأ بالجزء الأول، وبعيون طفل يحكى لنا مشاهد سريالية عن الأب وابنه، عن رمز الرجولة وماهيتها بين العنف وملامح الذكورة، ثم عن بداية الخلق والفراغ المتناهى، وكيف من خلاله صنع الإله ماهية الحرية والسلطة.

‏فكانت تلك المشاهد السريالية التى تجمع بين الإنسان والإله والسلطة بمثابة تجسيد وتأويل لرؤية الأب ومن بعده ابنه لمعنى الرجولة.

ثم ينتقل الكاتب فى الجزء الثانى بتجسيد ثنائيات عن ماهيات الأشياء فى العالم، معنى الذكورة بين الشرق والغرب، الحرية.. ذات الإنسان.. الإله والسلطة ورؤية كل منهما له.

‏فكان البناء الفنى من تضاد الأشياء وبنيات متضاربة بين الشرق والغرب، وتضارب شكل اللغة واختلافها من جزء لجزء آخر، بمثابة رمز فلسفى مهم يأول لماهية الحقيقة والسلطة فى هذا العالم ورؤية الذات والآخر لها.

وهم الخلود وحقيقة الفناء

‏يظن الذكر الشرقى أن جسده لا يلتزم بالوجود الفيزيقى، فمعانى الذكورة لديه أفق متسع، ثم يوقن بحتمية الفناء، ومعالم ذكورته ما هى إلا شىء ضئيل غير مهم فى هذا العالم، ومن رغب فيه من أجل تلك المعالم لن يستوعب وجوده سوى بها، فحقيقة فنائها أو عدم وجودها من الأصل قانون وجودى، فنجد «ربيع» يقع فى نسق صراعى بين الجسد وسلطة الواقع فى عالم لم يتوقع وجوده، عالم سلب منه قداسته الوهمية، ثم الصراع بين ثنائية انتصار الحرية وإجهاضها.

فى النهاية يحاول جاهدًا استيعاب الحقيقة، محاولًا تجاوزها، ليفرض استمرارية الذات عبر تفعيل مفردات أخرى يرى من خلالها العالم غير معالم الذكورة التى نشأ عليها.

‏رواية «جسم مثالى لرجل مهم» ملحمة سريالية جسدت الصراع بين الخير والشر، الموروث وقداسته بين الثقافات، ثنائية السلطة بين الإله والإنسان وماهيتها، الرجولة والذكورة والمشترك بينهما، فهى محاكمة للذات والآخر وكل خطايا البشر.