رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

متحف الكاريكاتير بقرية تونس.. أول متحف للرسوم الساخرة فى مصر

المتحف
المتحف

يعد المتحف الأول من نوعه فى مصر والشرق الأوسط، يضم لوحات تجسد مناحى الحياة فى حقب مهمة من تاريخ مصر، سياسية اجتماعية اقتصادية ثقافية، كما يضم لوحات نادرة لمختلف الفنانين حول العالم، يعد قبلة الرسامين من كل حدب وصوب، يضم أعمالًا لرخا وزهدى وصاروخان، وغيرهم من الفنانين. 

متحف الكاريكاتير بالفيوم، أول متحف متخصص فى هذا الفن، بعيدًا عن ازدحام القاهرة اختار الفنان التشكيلى محمد عبلة هذا المكان الذى امتزج فيه الفن مع الطبيعة والهدوء، يوجد تحديدًا على بعد ٩٠ كيلومترًا جنوب غرب القاهرة، حيث تتميز قرية تونس بطبيعة ساحرة جعلتها قِبلة للسائحين من مختلف دول العالم. 

صمم مبنى المتحف على طراز العمارة الريفية الطينية بقبابها وأقبيتها الطينية فى تشكيلات ومفردات معمارية تنضح بالفن والجمال الطبيعى، مكون من طابق أرضى فقط، يضم ٦ قاعات فى عرض النسخ الديجيتال مثلما يوجد فى متاحف أخرى.

تبلغ مساحة المبنى ٣٠٠ متر مربع، تم استخدام الطوب الطفلى والطين كمواد بناء طبيعية فى المنطقة بما فيها المتحف، ويعتمد البناء على الجدران المحملة والسقوف بالقباب والأقبية، هذا إلى جانب الأفنية الداخلية.

تعود أقدم رسومات المجموعة الكاريكاتيرية لعام ١٩١٩، وتعبر هذه الرسومات عن الأوضاع السياسية والاجتماعية آنذاك بشكل ساخر رائع.

ينقسم المتحف إلى عدة غرف، إحداها تحكى عن تاريخ المتحف، وأخرى تحوى رسوم الكاريكاتير السياسية، بينما تم تخصيص غرفة لتضم رسومات «مصر عبر العصور»، بدءًا من القرن الماضى حتى الآن، والتى ترصد جميع الحروب التى تعرضت لها مصر، وانتقدها الكاريكاتير بداية من الحملة الفرنسية والنكسة وحرب أكتوبر، بالإضافة إلى مجموعة مميزة من الرسومات تحكى حال التعليم فى مصر.

وبالعودة إلى تاريخ فن الكاريكاتير نجد أنه ارتبط بوجود الصحافة المصرية بشكل كبير، فقد ظهر فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر، وفى مطلع القرن العشرين لم تكد تخلو صحيفة أو مجلة من المجلات فى مصر من وجود مساحة مخصصة للرسوم الساخرة، التى كان بعضها يوجه انتقادات لاذعة للسلطة آنذاك، وانتقادات للعديد من الأوضاع الاجتماعية، لذا يعتبر الكثيرون فن الكاريكاتير أنه مرآة حقيقية لواقع الناس والحالة التى كان يمر بها المجتمع.

النشأة والتاريخ

تم افتتاح المتحف عام ٢٠٠٩، بعد مرور ثلاث سنوات من افتتاح مركز الفيوم للفنون بقرية تونس عام ٢٠٠٦، على يد الفنان محمد عبلة، وكان من أهم أنشطة المركز متحف الكاريكاتير، الذى يضم أعمالًا أصلية لأشهر فنانى الكاريكاتير، مثل سانتيز ورخا وزهدى العدوى وصلاح جاهين والبهجورى، مؤكدًا أن المتحف به مجموعة نادرة وقيمة لأهم فنانى الكاريكاتير.

جاءت فكرة المتحف من منطلق حب الفنان محمد عبلة لفن الكاريكاتير، الذى حاول العمل به، لكنه لم ينجح بالشكل المتوقع، ومع ذلك ازداد شغفه بهذا الفن، فقام باستبدال هوايته بجمع العملات والطوابع بجمع الرسومات الكاريكاتيرية، ومن ثم كان لا بد من الحفاظ عليها فى متحف، وتم إهداء المتحف لروح الفنان زهدى العدوى صديقه الذى كان يحلم معه بافتتاح مثل ذلك المتحف، لكنه توفى قبل تأسيس المتحف، لذا أهداه الفنان محمد عبلة تكريمًا لروحه.

وقبل افتتاح المتحف ظل الفنان عبلة يجمع الرسومات الخاصة بالكاريكاتير منذ أكثر من ٢٢ عامًا، وعندما اكتملت مجموعة الرسومات التى كان يبحث عنها بدأ فى بناء المتحف، حيث تجاوز عدد تلك المجموعة الـ٥٠٠ رسمة، بهدف الحفاظ عليها من الاندثار؛ لأنها ترصد فترة زمنية معينة فى تاريخ مصر.

وظل المتحف مغمورًا حتى شارك فى مهرجان تونس للفنون بعد ٤ أعوام من افتتاح المركز، ثم اشتهر وذاع صيته، وتسابقت الأفواج السياحية على زيارته.

ويرجع تاريخ المنزل الذى يوجد به المتحف إلى صيف عام ١٩٩٧، عندما أراد تجار وعائلته بناء مزرعة بيئية صغيرة على ضفاف بحيرة قارون، فكان المهندس المعمارى عادل فهمى مسئولًا عن هذا المشروع فى وقت لاحق ومع مرور الوقت، حول محمد عبلة المنزل إلى متحف؛ ليصبح أول متحف للكاريكاتير بمصر والشرق الأوسط يدعم فنانى الرسوم المتحركة فى مصر.

المقتنيات

يضم المتحف ٥٠٠ لوحة كاريكاتيرية من بداية القرن العشرين حتى الوقت الحالى، لأربعين فنانًا من مختلف دول العالم، ومعظم اللوحات أصلية إلا بعض اللوحات القليلة المأخوذة من صحف ومجلات، فضلًا عن أن معظم هذه الرسومات من أقدم اللوحات التى تضمها مقتنيات المتحف.

فهناك لوحات تتحدث عن الحملة الفرنسية على مصر، وأخرى عن التعليم، وثالثة عن حرب أكتوبر، بينما توجد لوحات عن الوضع الاجتماعى، والأفراح الشعبية، ولوحات شخصية تضم المعلم ورجل المرور والموظف، ولوحات تتحدث عن تردى المعيشة فى فترات معينة، كما أن هناك رسومات عن الفتوة والأراجوز، كما توجد لوحات تجسد الخناقات الزوجية، والخناقات بين الأصحاب، ولوحات عن الشارع المصرى، وغيرها من الرسومات.

ويستقبل المتحف الزائر فى المدخل بعدد من الرسومات الكاريكاتيرية المأخوذة من صحف ومجلات ترجع إلى فترة العشرينيات من القرن الماضى، مثل الكشكول، المكوكة، المطرقة وغيرها. 

ومن الفنانين- مصريين وعالميين- الذين لهم لوحات بالمتحف: أحمد حجازى، أحمد دياب، أحمد طوغان، أحمد عز العرب، أليكسندر صاروخان، دعاء العدل، عمر صديق، محمد حاكم، صلاح الليثى، صلاح جاهين، فواز محمد، خوان سانيس، جمعة فرحات، حسن حاكم، وغيرهم.

يفتح المتحف أبوابه للزائرين طوال أيام العام، وتذكرة الدخول بسعر رمزى ١٠ جنيهات لمختلف الأعمار والجنسيات.

الأنشطة الثقافية

يحرص المتحف، بشكل سنوى، على تنظيم مسابقات ثقافية تخص فن الكاريكاتير أشهرها مسابقة «كاريكاتونس»، ونظرًا للزيارات الكثيفة على المركز فقد يجرى إعداد لخطة أنشطة ثقافية خلال الفترة المقبلة، كما حرص المركز على تنظيم أنشطة تعليم فن الخزف والنحت لشباب القرية من خلال الشباب الحاصلين على منحة «نقطة انطلاق» كنوع من رد الجميل للبيئة التى ساعدتهم فى إنتاجهم.

من جانبه، قال الفنان محمد عبلة: كنت أعشق فن الكاريكاتير، ولكننى لم أوفق فيه بالشكل الذى كنت أريده، وفكرة المتحف جاءت بسبب حبى لهذا الفن، وكانت لدى هواية جمع الطوابع، فحولتها لجمع الرسوم الكاريكاتيرية وكل ما هو قديم منها، والذى صادف الحظ أن كان معظمها أصليًا.

وأوضح عندما تم افتتاح المتحف وذاعت شهرته بدأ يرسل لنا رسامون من مختلف دول العالم رسوماتهم لوضعها فى المتحف، لتصبح جزءًا أصيلًا من مقتنياته، ويرسلون لوحاتهم عن طريق الطرد «الشحن».

وأشار إلى أن المتحف ينظم العديد من الأنشطة الثقافية المتعلقة بفن الكاريكاتير منها: المسابقة السنوية التى يتم تنظيمها باسم «كاريكاتونس»، وهى للكاريكاتير والبورتريه الساخر، يتم تحديد موضوع معين كل عام ونعد جوائر للفائزين، ويفتح المتحف بابه لكل موهبة.

وأكد «عبلة» أن هناك جهة ثقافية تتعاون مع المتحف، هى مؤسسة ساويرس للتنمية الثقافية، فقد كرس الكيانان معًا لإنشاء منحة «نقطة انطلاق»، وهى أول منحة إقامة فنية احترافية للفنانين فى مصر، حيث يمكن للمواهب المصرية الشابة التركيز بشكل كامل على إبداعها وتطورها الفنى للوصول إلى النمو المكتمل على المستوى الشخصى والمهنى، وقد أظهرت الإقامة أهمية هذه البرامج للشباب من الفنانين.

وأكد أن المتحف يضم أعمالًا لحوالى ٤٠ فنانًا، كما أن هناك جناحًا مخصصًا لرسومات الفنان صلاح جاهين.

منحة «نقطة انطلاق»

على هامش الزيارة إلى متحف الفيوم، كانت هناك فعاليات المعرض الختامى لمنحة الإقامة الفنية «نقطة انطلاق»، التى استمرت ثلاثة أشهر لأربعة فنانين من الشباب، حيث تم عرض الأعمال التى أنجزها الفنانون الحاصلون على المنحة، خلال مدة إقامتهم الفنية فى الفيوم بالمتحف.

وكانت المنحة بالتعاون بين المتحف ومؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية، حيث تم عرض الأعمال التى أنجزها الفنانون بساحة المتحف، وشمل الحدث تنصيب تمثال ميدانى بطول ١٣ مترًا على شكل «حوت ما قبل التاريخ»، علمًا بأن التمثال تم صُنعه من مواد معاد تدويرها، وقد خصصت محافظة الفيوم قطعة أرض على الطريق السياحى بالقرب من قرية تونس لوضع التمثال، تأثرًا وتخليدًا لعبق التاريخ الذى شهدته تلك المنطقة.

وحول هذه المنحة، قال الفنان محمد عبلة: تم اختيار الفنانين والفنانات الحاصلين على منحة الإقامة الفنية فى الفيوم على مرحلتين: تمت المرحلة الأولى بقيام لجنة من خبراء الفن فى مصر بتقييم أعمال أكثر من ٥٠٠ متقدم للمنحة وترشيح ٢٠ من أمهر المتقدمين للمشاركة بأعمالهم فى معرض جماعى أُقيم فى أكتوبر الماضى بالقاهرة.

وتابع: شهدت المرحلة الثانية اختيار ٤ منهم للحصول على منحة الإقامة الفنية بمركز الفيوم للفنون فى مجالى التصوير والنحت لفترة وصلت إلى ٣ أشهر، قامت فيها مؤسسة ساويرس بتغطية كل التكاليف، بالإضافة إلى راتب شهرى للمشاركين.

وأشار إلى أن الأعمال الفنية واللوحات التى قام بها الشباب الأربعة فى فترة الإقامة خلال منحة «نقطة انطلاق» بها الأربعة فنانين ستنقسم بين مؤسسة ساويرس ومركز الفيوم للفنون.

وأوضح «عبلة» أن هناك تحولًا واضحًا فى شعور الفنانين بالثقة فى عملهم وفى التجارب التى استكشفوها بعد المنحة، فقد أتاحت الإقامة الفنية لهم فرصة العيش والعمل مع فنانين آخرين ومساحة لتبادل الخبرات والتعلم من بعضهم البعض بشكل يومى. 

وأضاف أن مشاهدة الفنانين الشباب وهم يستفيدون من هذه التجربة ومتابعة تقدمهم هو تأكيد على أهمية الاستثمار فى الأجيال الشابة، وقد كان لهم أيضًا تأثير حقيقى وإيجابى على سكان قرية تونس، من خلال ورش العمل الفنية التفاعلية التى أجروها خصيصًا مع أطفال القرية، وهو إنجاز آخر وخطوة نحو مستقبل إيجابى فى مشهد الفن المصرى».

فنانو منحة «نقطة انطلاق» يتحدثون

التقت «الدستور» الفنانين الأربعة الحاصلين على المنحة، من جانبه، قال الفنان أحمد مجدى، أحد الشباب الحاصلين على المنحة، من أول يوم فى الفيوم كان لى هدف محدد، وهو العمل على معرض شخصى، ولكن بعد أول أسبوع من إقامتى أدركت أن المكان يتمتع بكثير من المميزات التى ينبغى استغلالها بشكل أمثل.

وأضاف كانت تجربة رائعة ساعدتنى فى اكتشاف ومعرفة الكثير عن نفسى وعن أساليب وتقنيات لها الفضل فى الإضافة لرؤيتى وإنتاجى الفنى.

وساعدتنى هذه التجربة، حيث أتاحت المنحة العمل على عدة تجارب وموضوعات مختلفة ناقشنا من خلالها عادات وتقاليد وزواج القاصرات والثأر والزار الشعبى وتنوع الإنتاج من رسم شخوص من الفيوم ومناظر طبيعية من المكان وأحداث يومية، ومن رسوماتى بالاتينا لوحة زيت على توال.

بينما قالت الفنانة دينا صموئيل عن دور طبيعة الفيوم فى إعادة استكشاف وتجريب «بالتات» لونية جديدة مستلهمة من تأثير الضوء الطبيعى على التحليل اللونى للعناصر.

وأضافت تركزت تجربتى الفنية على بحثى المستمر فى قضايا الهوية، من خلال تصوير لقطات ذاتية فى لوحات سردية تسلط الضوء على قصة فتاة تعيش فى المجتمع المصرى فى القرن الحادى والعشرين.

وأكدت الفنانة إنجى عمارة تأثرها بمنطقتين، هما «كوم أوشيم والنزلة «البارزتان فى إنتاج الفخار، حيث ركزت على تطويع الأوانى الفخارية، خصيصًا «البوكلة» التى تُعد من أقدم الآنيات المخترعة بالعالم. 

وأكملت: من هنا جاءنى الشغف بالعمل عليها وإعادة استخدامها لتقديم تجربة جديدة مستوحاة من معتقدات المصرى القديم وإيمانه بفكرة البعث والخلود وتعبيره عن الطاقة الأنثوية والذكورية معًا مثلما رأينا فى تجسيد أخناتون، وأيضًا فكرة التعبير عن الروح وإمكانية تنقلها من جسد كائن حى لجسد كائن حى آخر، فدائمًا يشغل تفكيرى التعبير عن الروح وقدراتها غير المنتهية فى التحرك بكامل الحرية.

وأشارت إلى أن الأعمال التى قدمتها خلال المنحة تجاوزت الـ١٠ أعمال، جميعها على البوكلة بأشكال أسطورية نصفها إنسان والآخر حيوان، والبعض إنسان، وغيرها من الرسومات على البوكلة بأحجامها المختلفة.

وقال الفنان إبراهيم صلاح: كانت المنحة مفيدة بالنسبة لى، حيث تركت أثرًا على أسلوبى الفنى، كنت قبل المنحة أقوم بأعمال ميدانية كبيرة الحجم، ولكن استطعت أن أضع أفكارى الخاصة فى أعمال الحجم الصغير، بحيث يمكن لى المشاركة فى المعارض، ومن أشهر أعمالى الهدهد وأنوبيس والحوت ما قبل التاريخ، فكلها أعمال من الحديد الخردة.

وأوضح أن المتابعة والإرشاد من فنانين ذوى خبرة كبيرة كان بمثابة إضاءة ساعدتنى فى تصور وإبداع أنواع وأحجام مختلفة من أعمال فن النحت التى لم أعتد تجربتها من قبل، علمًا بأننى لم أدرس الفن دراسة أكاديمية من قبل ولم يؤثر ذلك على اختيارى بالمنحة ومشاركتى بالبرنامج.