رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سرقة أطفالنا.. دون عقاب

تشغلنى كثيرًا مسألة التكوين الفكرى لأطفالنا.. هذا التكوين الذى يعد بمثابة رسم ملامح مستقبلهم. 

تتحدد مصادر ثقافة أطفالنا الآن بالدرجة الأول فى العديد من التطبيقات والألعاب الإلكترونية والتيك توك واليوتيوب والفيسبوك من جهة، ومن جوجل من جهة أخرى، وليس للكتاب المطبوع ومصادر الثقافة التى نشأنا عليها. 

أصبحت الألعاب الإلكترونية والتطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعى هى السبيل لتبادل المعلومات والرأى عن طريق الشات والحوار المباشر. وفى أى الأحوال، ارتبط ما سبق بالسرعة فى معرفة المعلومات ونقلها للجميع والحصول عليها.. دون أى ضوابط تربوية أو أخلاقية أو إنسانية.. خاصة مع تصاعد انتشار ألعاب الحرب والقتل الجماعية. وقد ساعد ذلك على تراجع قيمة القراءة بمعناها التقليدى سواء للكتب أو للمجلات والجرائد.

وعلى الرغم من تحول الإنترنت بألعابه وتطبيقاته إلى وسيلة أساسية للحصول على المعلومات بين أطفالنا، فإن هواية القراءة لا تزال تشغل مكانتها عند البعض من الأطفال. وهو ما يؤكد أنه رغم تراجع هواية القراءة.. فإنها لن تنقرض نهائيًا.. حتى لو تراجعت نسبتها.. ستظل هواية القراءة هى سحر المعرفة.

احتلت تلك الوسائل التكنولوجية دورًا أساسيًا فى تكوين ثقافة الأطفال سواء من خلال هذا الكم الضخم من المعلومات.. التى لا يستطيع أحد استيعابها أو التدقيق فى مدى صحتها.. لأن الطفل ببساطة.. يستطيع الحصول منها على أى معلومات وبيانات سواء كانت تتعلق بأشخاص أو بموضوعات فى ثوانى معدودة. كما يمكن من خلالها إقامة صداقات وتواصل مع شباب من أعمار وثقافات مختلفة. 

الملاحظ، أنه فى كل ما سبق، يشترك الأطفال فى مجموعات لا حصر لها سواء ما يتسق مع ميوله وهواياته واختياراته، أو من خلال المساحات المشتركة التى تفرضها الألعاب تحديدًا بشكل متزايد ومتصاعد بسبب أسلوب الاشتراك فيها، الذى يعتمد على معرفة المزيد من الأصدقاء والتواصل معهم ربما يوميًا.. بما يسمح بدرجات أكبر من التفاعل الذى بدوره يقوم بتشكيل الوعى الجماعى لبعضهم البعض من خلال المشاركة اليومية والتفاعل حول قضية محددة، أو من خلال الرسائل اليومية وتحديث وجودهم الافتراضى بما يجعلهم فى حوار يومى متصل، أو من خلال تعليقاتهم.

يستطيع غالبية الأطفال الآن التفاعل مع التطبيقات والألعاب من خلال الموبايل.. دون الحاجة إلى استخدام كمبيوتر أو لاب توب. وهو ما يعنى أن كل طفل أصبح يمتلك وسيلته الخاصة للدخول فى ذلك العالم الافتراضى بيسر وسهولة.. خاصة أن غالبية الأطفال.. ارتبطوا بالموبايل مبكرًا. وأصبح الموبايل هو وسيلتهم الوحيدة وغير المكلفة لإقامة صداقات جديدة ولاكتشاف العالم المجهول من حولهم.

 

نقطة ومن أول الصبر..

لا شك أن الموبايل.. أصبح جهازًا مبهرًا جدًا للأطفال.. يمكنهم من خلاله مشاهدة العالم كله افتراضيًا.. واكتشاف الجديد دائمًا. كما يتسم هذا العالم الافتراضى أنه يمثل بالنسبة للأطفال الحرية التامة.. التى يتحركون فيها دون أى رقابة أو دون أى شكل من أشكال المنع. وهو ما يمثل بالنسبة لهم.. عامل من أهم عوامل الجذب.

أنه العالم الافتراضى.. الذى أصبح بالنسبة لغالبية أطفالنا هو عالمهم الحقيقى والفعلى الآن، بل وصديقهم الأساسى الذى لا يتركهم. هذا العالم الافتراضى الذى أسهم فى غفلة من الزمن على سرقة أطفالنا منا.