رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جريمة تهريب «البيض» لواشنطن!

فى أمريكا الآن جريمة جديدة وهى جريمة تهريب بيض الدواجن.. التهريب يتم عبر الحدود المكسيكية وعلى طول الحدود الجنوبية الغربية.. والسبب هو ارتفاع أسعار بيض الدواجن فى أمريكا لدرجة غير مسبوقة بلغت ٦٠٪ من أسعاره فى العام الماضى فقط.. سبب ارتفاع أسعار البيض ليس أزمة الدولار بالطبع ولا ارتفاع أسعار العلف كما الحال فى مصر ولكن انتشار إنفلونزا الطيور ونقص الإنتاج.. ما المعنى؟ إن الأزمات تحدث فى أى مكان فى العالم مهما كانت قوة الاقتصاد.. لذلك تسمى الأزمة أزمة.. ارتفاع أسعار البيض يزعج الأمريكيين جدًا والسبب أنهم ظلوا سنوات طويلة لا يعرفون التضخم من الأساس.. سعر البيضة الذى يعرفه الأمريكى وهو طفل كان هو نفسه الذى يعرفه وهو يستعد للتقاعد تقريبًا.. فى المقابل الرواتب لا تزيد لأنه ليس هناك تضخم.. فإذا كان راتب حارس العقار مثلًا ألفى دولار فى عام ١٩٩٠ فإن راتبه يظل ألفى دولار فى ٢٠٢٢.. وحتى حدوث الأزمة لم تكن ثمة فوائد على الودائع فى البنوك.. فإذا وضعت ألف دولار فى البنك فستذهب بعد عام لتجد المبلغ كما هو مخصومًا منه المصاريف الإدارية للبنك.. لا أكثر ولا أقل.. لذلك أصيب الأمريكان بالجنون من ارتفاع الأسعار ويسبون الديمقراطيين «على السبحة» كما يقول المثل الشهير ويهربون البيض من المكسيك لأنه أرخص، لكن وكالة الجمارك والحدود اعترضت على جريمة تهريب البيض وقالت إن هذا النشاط غير قانونى لأن القانون يحظر دخول البيض غير المطبوخ لأمريكا.. وإن الغرامة فى حالة تهريب البيض تصل لعشرة آلاف دولار.. المتحدث باسم وكالة الجمارك قال إنه فى حالة اعتراف المسافر بحيازته كمية من البيض فإنه يتم الاكتفاء بمصادرة الممنوعات أو البيض دون توجيه تهمة التهريب للمسافر أما فى حالة الإخفاء فإن للأمر مسارًا آخر.. حيث يتم توجيه تهمة تهريب البيض للمواطن ويحال للمحاكمة.. المتحدث باسم وكالة الجمارك الأمريكية أوضح أنه كانت هناك حالات قليلة تعمد فيها المواطنون الأمريكان تهريب البيض وعدم الإعلان عن حيازته، وهو ما استدعى مصادرة البيض وتوقيع غرامة فورية ثلثمائة دولار على المسافر تتم مضاعفتها فى حالة تكرار الجريمة!!

كان هذا تقريبًا هو نص التقرير الذى نشرته «اليوم السابع» عن الواقعة.. وهو بالنسبة لى ليس دليلًا على شىء سوى أن هناك أزمة بيض فى أمريكا.. وأن الأزمات تحدث فى أى مكان فى العالم.. ولكن أريد من القارئ أن يتخيل.. مجرد تخيل لو كان هذا الخبر عن مصر! لو أننا فقط حذفنا اسم أمريكا ووضعنا اسم مصر فأصبح عنوان الخبر «-المصريون - يهربون البيض من - السودان - بعد ارتفاع أسعاره» بدلًا من عنوانه الأصلى «الأمريكيون يهربون البيض من المكسيك بعد ارتفاع أسعاره» كم رقيع كان سيسخر؟! كم عضو لجنة إلكترونية إرهابية كان سينشر الخبر؟! كم متشائم كان سينعى حاله ويدعو للهجرة إلى أمريكا؟! كم فاسد بارت تجارته فى الفساد كان سيدعى أنه «أبوالعريف» الذى يمكنه أن «يعدل المايلة؟!».

أدعوك أن تسأل نفسك هذه الأسئلة وتجيب عليها لتعرف ماذا يراد بك ومن يلعب بمعاناتك بينما فى فمه ملعقة من ذهب.. من يدعوك لتشعل النار فى نفسك بينما قصوره فى أوروبا تنتظره وطائرته مستعدة للهرب فى أى لحظة.. تخيل مثلًا لو أن مسئولًا فى الجمارك المصرية التقط لنفسه الصورة الشهيرة وأمامه كميات من البيض تمت مصادرتها من راكب فى المطار؟ ستصل السخرية إلى عنان السماء والضحكات إلى أقصى الأرض ويدخل الثعابين ليبثوا فحيحهم ويجعلونا نشعر بأننا أسوأ بلد فى العالم.. مرة أخرى أنا أقول لك إن أزمة البيض لا تعنى انهيار أمريكا.. تمامًا كما أن ارتفاع الأسعار لدينا لا يعنى انهيار مصر.. إنها هنا وهناك مجرد أزمة.. والأزمة بطبيعتها طارئة.. لكن العيب يكون فى اقتطاع الأخبار من سياقها.. كنت أشاهد برنامج توك شو على قناة خاصة يقدمه إعلامى ما سأسميه «الإعلامى ذو الشارب الكث».. فجأة بدأ يقرأ ما يقول إنه إحصائية لكيان أسماه «مركز أبحاث الغذاء العالمى» من مارس ٢٠٢٢ حتى يناير ٢٠٢٣ وانطلق يهرف قائلًا إن استهلاك المصريين من اللحوم قد تراجع بنسبة ٨٥٪ ومن البيض بنسبة ٧٥٪ ومن الدواجن بنسبة ٧٣٪ ومن الأسماك بنسبة ٦١٪.. هذا كاذب صريح.. يستند لبيانات تروجها جهة لا نعرف ما هى.. هل توقف المصريون عن الأكل؟ هل أغلقت محال الجزارة؟ هل أغلقت محال الأسماك؟ قال الإعلامى هذه البيانات وهو يذرف دموع التماسيح على أحوال الناس الذين لا يعرف عنهم شيئًا منذ سنوات لأن ثروته مئات الملايين من التمويل الخارجى والداخلى.. ولا يراهم بكل تأكيد لأنه يسكن القصور التى أنعم عليه بها ممولوه.. ولكنه رغم عدم مغادرته الفندق السبع نجوم فى الخارج والقصر المنيف فى الداخل يذرف الدموع حول كذبة رددها.. وصدقها.. وكان من الطبيعى أن يقتطع الإرهابيون الثوانى التى يردد فيها هذه الكذبة لينشروها على طريقة «هات وخد» رغم أنها كذبة كبيرة صادرة عن إعلامى لم يقل فى حياته سوى الكذب الذى حوله لتجارة رابحة جنى من ورائها عشرات الملايين.. على مثل هذا الكاذب ينطبق المثل «اللهم اكفنى شر أصدقائى أما أعدائى فأنا كفيل بهم».