رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف تتعامل الحكومة الإسرائيلية الجديدة مع الفلسطينيين؟

الفلسطينيين
الفلسطينيين

تثير الحكومة الجديدة فى إسرائيل، برئاسة بنيامين نتنياهو، وبمشاركة اليمين المتطرف، مخاوف فى نفوس الفلسطينيين، لأنه وفقًا لأيديولوجية تلك الحكومة من المتوقع أن تكون سياساتها أكثر حدة تجاه الفلسطينيين.

ويتابع المجتمع الدولى بترقب شديد كيف ستعمل الحكومة الجديدة خوفًا من تصاعد الأوضاع الميدانية، وسط تحذيرات متكررة من أى خطوات متطرفة قد تشعل الأوضاع بشكل يصعب السيطرة عليه. فى السطور التالية، تستعرض «الدستور» التوقعات بشأن سياسات الحكومة الجديدة، فى الملفات الحيوية التى تتعلق بالفلسطينيين.

شركاء نتنياهو المتطرفون يطالبون بـ«إتاحة الصلاة فى الحرم الإبراهيمى لليهود».. و«بيبى»: الأمر ليس مطروحًا

أول المخاوف لدى الفلسطينيين هو تغيير الوضع الراهن فى الحرم الإبراهيمى، استنادًا إلى أيديولوجية حزب «الصهيونية الدينية»، برئاسة بتسلئيل سموتريتش، وشريكه المتطرف، رئيس حزب «قوة يهودية» إيتمار بن غفير، المعروفين بمواقفهما المتطرفة حيال المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمى.

يرفض «بن غفير» حتى الآن الإعلان عن موقفه تجاه الحرم بشكل صريح، حتى لا يثير رئيس حزب «الليكود» بنيامين نتنياهو، لكن تصريحاته قبل الانتخابات كانت تشير إلى نيته إحداث تغيير فى نظرة العالم اليهودى لهذا المكان، فقد يسمح لهم بالصلاة فيه. 

وعشية الانتخابات، أعلن «بن غفير» عن أنه سيطلب من نتنياهو أن يطبق «مساواة فى الحقوق لليهود فى الحرم»، وفى مقابلة مع قناة «كان»، أكد: «سأفعل كل ما فى استطاعتى لمنع تطبيق أى سياسة عنصرية فى الحرم.. سأطالب بأن يناقش الكابينيت السياسى- الأمنى هذا الموضوع».

وطالب «بن غفير» نتنياهو سابقًا بأن يصادق على صلاة اليهود فى الحرم، التى تمنع الشرطة إجراءها الآن، وفى المقابل رفض نتنياهو هذا الطلب، وردًا على ذلك اختار رئيس «قوة يهودية» التنافس بشكل مستقل فى الانتخابات، وفقدت كتلة نتنياهو ٢٠ ألف صوت تقريبًا.

كان لـ«بن غفير» شرط واحد فقط، وهو الاتحاد بين قوائم اليمين والمصادقة على صلاة اليهود فى الحرم، فى حينها رد نتنياهو قائلًا: «قلت إن هناك حدودًا، وإن هناك أمورًا أنا غير مستعد لفعلها كى أفوز فى الانتخابات.. سأحافظ على دولة إسرائيل».

فى الوقت ذاته، أشارت مصادر - شاركت فى المفاوضات الائتلافية- إلى أن قضية الحرم لن تطرح، مؤكدة أن هذه الأمور سيحلها نتنياهو مع «بن غفير».

ويبدو أن نتنياهو تعلم من أعمال الشغب التى حدثت بنفق حائط المبكى فى ١٩٩٦، وأدرك أن أى تغيير فى محيط الحرم يمكن أن يؤدى إلى تصعيد شديد فى الوضع الأمنى.

توفيق أوضاع البؤر الاستيطانية غير الشرعية فى الضفة الغربية

اتفق بنيامين نتنياهو مع إيتمار بن غفير على تعديل القوانين التى تسمح بإضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية غير الشرعية فى الضفة الغربية، حيث تُقام البؤر الاستيطانية - يطلق عليها أحيانًا «المستوطنات الفتية»- دون موافقة من الحكومة الإسرائيلية، فى حين أن المستوطنات تحظى بتراخيص حكومية.

بالنسبة لـ«بن غفير» فإن قضية المستوطنات هى قضية حياته، فقد عمل طويلًا من أجل إضفاء الشرعية على بؤرة حومش الاستيطانية - فككها نتنياهو عام ٢٠٢١- وكذا المدرسة الدينية التابعة لها «مؤسسة تعليمية يهودية»، والتى جرى إخلاؤها كجزء من فك الارتباط عن قطاع غزة فى عام ٢٠٠٥.

وفى منتصف نوفمبر الماضى، وافق نتنياهو على مطلب «بن غفير» بالسماح للمستوطنين الذين كانوا يقطنون فى المستوطنات اليهودية الأربع فى شمال الضفة الغربية، التى أُخليت سنة ٢٠٠٥ ضمن «خطة الانفصال»، بالعودة إليها.

واتفق آنذاك نتنياهو و«بن غفير» على تعديل القانون الذى سنّه الكنيست سنة ٢٠٠٥، والذى نظّم «خطة الانفصال» التى فككت إسرائيل بموجبها المستوطنات الأربع فى شمال الضفة وجميع المستوطنات فى قطاع غزة، وسحبت قوات الجيش الإسرائيلى من القطاع. ونُفّذت الخطة فى عهد حكومة آريئيل شارون، وواجهتها معارضة شديدة من أحزاب اليمين.

واستنادًا إلى هذا الاتفاق، فإن الحكومة الإسرائيلية المرتقبة ستسمح بعودة المستوطنين إلى مستوطنة «حومش»، التى كانت ضمن المستوطنات التى أُخليت.

ويُشار إلى أن المستوطنين أقاموا على الأرض التى أنشئت عليها مستوطنة «حومش» مدرسة دينية، تحولت إلى وجهة لعشرات الآلاف من المستوطنين اليهود الذين يزورونها من منطلق التعبير عن التضامن ودعم إعادة بناء المستوطنة.

واتفق «بن غفير» ونتنياهو على أن التشريع، الذى سيشمل تغيير قانون فك الارتباط، سيحدث فى غضون ٦٠ يومًا من أداء الحكومة اليمين الدستورية. ويمنع القانون الإسرائيليين من دخول منطقة «حومش».

الوضع فى المستوطنات غير المعترف بها سيئ، إذ تمتنع الحكومة الإسرائيلية - خوفًا من التصعيد والانتقادات من قبل المجتمع الدولى- عن تسوية أوضاعها، ولذلك لا يحصل سكانها على خدمات أساسية، وهذه البؤر غير مربوطة بشبكة الكهرباء والمياه بصورة طبيعية، وهو ما يؤدى إلى انقطاع التيار الكهربائى باستمرار، وعدم القدرة على التدفئة فى الشتاء، أو التبريد فى الصيف، إضافة إلى أنه غير مسموح لهم الحصول على خدمات بلدية أساسية من السلطة المحلية، وهو ما يحوّل السكان عمليًا إلى مجرمين محتملين، ويصعب تنفيذ أعمال التطوير الأساسية لخدمة السكان. وحتى تمويل الانتقال إلى المدارس للتلامذة الذين يقطنون هذه الأماكن يُعَد قضية قانونية صعبة الحل.

ومسألة الضم تعنى تحويل تلك المستوطنات إلى مستوطنات معترف بها من الحكومة، وبالنسبة لليمين هذا انتصار، وبالنسبة للفلسطينيين فإنه استيلاء جديد على أراضٍ لم تتم تسويتها عبر مباحثات.

الأزمة بخصوص الأماكن المعزولة التى تم فيها بناء بؤر وأحياء على أراضٍ فلسطينية خاصة من غير المرجح أن يتخذ نتنياهو قرارًا حيالها؛ لما سيسببه هذا من تفجر الأوضاع، لكن البؤر الاستيطانية التى بنيت على أراضٍ محل نزاع من الممكن أن تتخذ الحكومة الإسرائيلية بشأنها خطوات.. ويتبقى السؤال: هل فعلًا يمكن أن تعترف بها إسرائيل خلال ٦٠ يومًا؟.

الحقيقة أن رئيس الحكومة يعلم بأن مسار التشريع الكامل لا يستمر ٦٠ يومًا فقط، حتى فى أفضل الأحوال بالنسبة إلى بؤرة واحدة، فكيف الحال عندما يكون المقصود عشرات البؤر الاستيطانية؟.. وهنا يجب الإشارة إلى أن الحديث يدور عن وعود فقط، من أجل خداع «بن غفير» لتشكيل الحكومة.

المسارات القانونية للاعتراف الإسرائيلى بتلك البؤر طويلة ومعقدة، ونتنياهو يفهم هذا، وهو من امتنع عن المصادقة على القانون خلال تولّيه الحكومة التى ألّفها مع جانتس.

ضم أراضٍ بطريقة «الزحف» إرضاءً لـ«الصهيونية الدينية»

أحد الملفات المهمة بالنسبة لـ«الصهيونية الدينية»، وتعتبر مصيرية بالنسبة لنتنياهو، هو ملف الضم، فرغم الوعود التى ربما يكون منحها نتنياهو إلى شركائه المتطرفين، فمسألة ضم المستوطنات وربما غور الأردن من الصعب وضعها على جدول الحكومة الجديدة.

لكن من الممكن رصد بعض الإشارات، وهى أن ضم المناطق لن يجرى علنًا، فمن المتوقع أن يستمر نتنياهو فى سياسة «الضم الزاحف»، أى اتخاذ إجراءات وتحركات على الأرض، لكن دون الإعلان عنها، وتعتبر مع مرور الزمن أمرًا واقعًا.

الاتفاق الائتلافى حسب ما نشر عنه، يدل على ضمّ معلن للمناطق وهو ما شكك كثيرون فى قدرة نتنياهو على تنفيذه، فقد امتنع سابقًا عن ضم غور الأردن بعد الإعلان الرسمى عنه وقتها، وقال إنه تراجع من أجل إتمام اتفاق التطبيع مع الإمارات.

هذه الخطوات التدريجية التى يمكن تسميتها بـ«الضم الزاحف»، ويمكن فهمها من خلال قرارات نقل الصلاحيات الإدارية والتنظيمية، التى تضمنها الاتفاق وتعيين الرتب العليا إلى المستوى السياسى وإلغاء الصفة المستقلة للمستشار القانونى، فيما يتعلق بالمناطق فى النيابة العامة العسكرية والنيابة العامة للدولة، وخضوعها مباشرة للمستوى السياسى، وإنشاء آلية مستقلة للمستوطنات، من دون أى إشارة إلى الوضع المدنى للفلسطينيين، وهو ما جرى ذكره تحت بند نقل صلاحيات «الإدارة المدنية» إلى رئيس حزب «الصهيونية الدينية» بتسلئيل سموتريتش.

وبهذه الطريقة، فإن الصلاحيات الجوهرية لسنّ تشريعات فى المنطقة ستكون بأكملها فى يد السلطة السياسية - التنفيذية، ولن تكون فى يد القائد العسكرى، ولن يكون الكنيست هو المسئول عن سنّ القوانين فى المنطقة.. ومعنى ذلك تطبيق قوانين حكومية مباشرة، دون العودة إلى البرلمان، ووفقًا لوجهة نظر الهيئة المسئولة عن المستوطنات اليهودية.