رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد صالح البحر: «أدباء الأقاليم» سيظل حائط الصد أمام دعوات التطبيع مع الكيان الصهيوني

رواية الكاتب محمد
رواية الكاتب محمد صالح البحر موت وردة
صورة لغلاف المجموعة القصصية نوافذ للضوء ل محمد صالح البحر.

الكاتب محمد صالح البحر مواليد عام 1968،تخرج فى كلية إعلام القاهرة، يعمل أخصائي إعلام وعلاقات عامة بهيئة قصور الثقافة، روائي وقاص ومسرحي وعضو لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة من 2015 إلى 2019، الأمين العام لمؤتمر أدباء مصر، الدورة 28 ـ القاهرة 2013،شارك في عدد من المؤتمرات الأدبية، نشرت أعماله القصصية، حواراته، ومقالاته النقدية، في عدد من الصحف والمجلات والمواقع الأدبية المصرية والعربية، حصل على جائزة الشارقة للإبداع العربي في الرواية 2004، جائزة فلسطين الدولية (غسان كنفاني للسرد القصصي) 2012، جائزة المسابقة المركزية لهيئة قصور الثقافة في القصة أعوام 1990، 2001، جائزة المسابقة الثقافية لمؤسسة إقرأ في القصة أعوام 2001، 2002، 2003 ، تحدث للدستور فى هذا الحوار.

_ بعد صدور مجموعتك الأخيرة "نوافذ الضوء"،ماذا عن ردودالأفعال النقدية؟

غلاف رواية حتى يجد الأسود من يحبه للكاتب محمد صالح البحر.

ربما من الصعب على المبدع أن يتحدث عن أشياء تخصه، تستطيع دائما أن تتقبل المديح من الآخرين، لكن أن تكافئ نفسك؟! فهو أمر غريب، دعنا نتفق أن طعم النجاح يبدو غريبا أيضا، مهما بلغ عدد المرات التي تجرعته فيها، فالنجاح بكر يتجدد مع كل تجاور جديد بينه وبين المبدع، لذلك كانت استقبال “نوافذ الضوء” جميلا، حافلا بالتقدير والمودة، أشعرني بالفخر وكأنني قد تجاوزت تخوما صعبة المنال، أو جلستُ وحيدا أسفل مصباح "القصة القصيرة" لأنعم بالضوء والدفء، لذلك أعجز تماما عن شكر كل منْ قرأ المجموعة، أو تحدث عنها، أو كتب عما يستحق فيها سواء بالإشادة، أو النُصح. 

_ما سبب إحتجابك عن الوسط الثقافي،وأين كتاباتك وحضورك الإبداعي؟

صورة لغلاف رواية حقيبة الرسوا للكاتب محمد صالح البحر.

لست محتجبا عن الوسط الثقافي، مشاركاتي في الحراك معروفة، وأعتقد أنها تمتلك القوة الكافية لإسقاط أية محاولة لإنكارها، لكنني أحب دائما أن يكون وجودي صادقا وحقيقيا، وليس عشوائيا لا يبتغي سوى التواجد، أو ممارسة الزيف والتملق، الوجود الثقافي بالنسبة لي ليس وجودا جسديا بين الناس، بل وجود مكانة، تستحقه أولا بقيمة ما تكتب، لأنه كل ما سيبقى منك، ثم ترسخه بأفعالك ومبادئك ومواقفك وسيرتك. 

_أين أنت من جوائز الدولة في مصر؟

يُسأل عن ذلك القائمون على أمر هذه الجوائز، تقدمت لها مرتين، لكنني سحبت ترشحي في المرة الثانية لجائزة الدولة التشجيعية في الرواية عام 2016، بعدما تم اختياري عضوا بلجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة، وكانت السابقة الأولى من نوعها في تاريخ الجائزة.

_كنتَ مسئولاعن مؤتمرأدباء مصر بالأقاليم،والمنعقد حاليا في دورته الجديدة بالواحات، فماذاتقول لكتاب مصر؟

أقول: احرصوا على استمرارية مؤتمركم، رغم كل الانتقادات التي من الممكن أن توجه له، فهو الفعالية الثقافية الوحيدة التي تُمثل جمهور المبدعين في كل مكان بأرض الوطن، إنه القاعدة الشعبية التي يحرص الجميع على الانتماء إليها لاكتساب شرعية الوجود، وبدونه سيتقلص دور الحراك الثقافي المصري، ويكفي المؤتمر شرفا أنه حائط الصد للثقافة المصرية، بإصراره  على رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني.

_عن تلك العتبات التي تتكئ عليها لجان الجوائزفي مسألة المنح والمنع،هل أنت مقتنع بها ،وكيف ترى علاقة لجان التحكيم بالنص، خاصة أنت الفائز بكثيرمن الجوائز العربية؟

لا أعرف هذه العتبات كي أقبلها، أرفضها، أنتقدها،لكن مؤمن بأن الجوائزالأدبية صارت "نصيبا"، اكثرمن كونه دليلاعلى وجود قيمة إبداعية،  قديُصيبك وقد يُخطئك،بحسب مدى توافق عملك الإبداعي مع توجهات الجائزة، وجهة نظراللجنة النقدية ، أوسبب آخرلادخل لقيمتك الإبداعية به، الشيء الوحيد الذي أستطيع أن أُشير إليه ـ وأنتقده ـ وجود الصحفيين والإعلاميين في كثير من لجان تحكيم الجوائز الأدبية، فرغم كل شيء أستطيع أن أتقبل اختلاف وجهة نظر الناقد والمبدع في تقييم العمل، لكن أن تصير الذائقة، أو الوظيفة، أو العلاقات، معيارا للتقييم الأدبي، فهو أمر أرفضه تماما.     

_مع بداية العام الجديد،كيف ترى القادم من العناوين الإبداعية المنتظرة؟

لطالما شَكَّل العنوان عتبة مهمة للنص الإبداعي، للتحليل النقدي، رؤية النص ورسالته، لكنه تحول في السنوات الماضية إلى مؤشر حقيقي لانتماء، النص أيضا، خصوصا في الرواية، فبعد انتشار ظاهرة "الحُمَّى الروائية" التي أصابت كثيرا من الناس، تسطيع أن تُصنف الرواية من عنوانها فقط، لتعرف إذا ما كانت رواية رعب، فانتازيا، خيال علمي، تشويق وإثارة، وغيرها من التصنيفات الأقرب إلى السينما التجارية، صار العنوان واجهة دعائية تبغي التسويق لا القيمة، الاستهلاك لا الرسوخ في وجدان القارئ،  وأعتقد أن هذا الحال سيستمر لهذا العام، والأعوام التي تليه، طالما أننا نُصر على أن نظل عبئا على العالم.

 

-تكتب الروايةوالقصة،لك كثيرمن الفعاليات النقدية،أي المسارات التي تشعرفيهابخلاصك ووجودك الأدبي ؟

بورتريه للكاتب محمد صالح البحر.

الرواية بكل تأكيد، أعتبر نفسي كائنا روائيا في المقام الأول،أنا سارد بطبيعتي، أعشق الرواية والقصة القصيرة، أميل إلى الرؤية الشاملة،المكتملة،وكل كتابة ماعدا ذلك "تمرين على الكتابة بين روايتين،لإبقاء جمرة الإبداع مشتعلة بداخلي، لأن بعض الأفكار يفرض تجسيدها شكلا مغايرا عن السرد، فما اكتشفته أن الروائي لا يكف أبدا عن التجريب،وروحه الشاعره.

  • حدثنا عن مفاهيم السلوى والنشوة والخلاص عند الكاتب،وهل هناك معاني أخرى للخلاص بالنسبة الفنان؟

السلوى تكمن في الكتابة، والنشوة تكمن دائما في الخلق، لذلك أعتقد أن جزءا كبيرا منهما ينتهي مع انتهاء العمل الإبداعي، بحيث لا يبقى منهما إلا ذلك الجزء الضئيل الذي يُشير إلى نجاحك، أو رضا القارئ عنك، أو امتلاكك لقيمة ـ أو وجود ـ ما في الوسط الثقافي، أما الخلاص فهو يعني بالنسبة لي التحقق، أي تحقق الكاتب كقيمة حقيقية في المجتمع، وتحقق النص الإبداعي كوجود مؤثر، وقادر على التغيير، لذلك لا أظن أن الخلاص موجود عندنا، إلا إذا تحدثنا عن خلاص الكاتب نفسه، سواء في قدرته على تجسيد الفكرة التي تؤرقه، أو قدرته على تخليص روحه بالإبداع من براثن المجتمع.

_عن مركزية الثقافة.. هل محمد صالح البحر مؤمنا بمركزية القاهرة،وتهميش كتاب الأقاليم؟

لم أُؤمن بهذه المركزية، لا قبل ذيوع وسائل التواصل الاجتماعي، ولا بعدها، آمنتُ بقدرة الإبداع الجيد على الوصول إلى القارئ من أي مكان، كبار كُتاب العالم يعيشون في مدن صغيرة، أو حتى قرى، وملأوا الدنيا كلها بأنوار إبداعهم، لذلك ليس على المبدع إلا أن يكون جيدا فقط، وفي بلادنا عليه أيضا أن يكون مثابرا ومجتهدا، وألا يغتر بأضواء الوجود الكاذب الذي توفره العواصم لساكنيها، بسبب تكدسها بالمناصب، والمصالح، ووسائل الإعلام.

_ كُتاب داخل مصرأوخارجها،كان لهم دورا في دخولك عالم السرد وفن القص أوالكتابة؟

صورة لغلاف المجموعة القصصية قسوة الآلهة لمحمد صالح البحر.

لطالما تغنيت بفضل يوسف إدريس ويحيى الطاهر عبد الله، رغم أنهما لم يكونا أول منْ قرأت، فرحلتي مع القراءة بدأتْ مبكرة، من المرحلة الابتدائية، لكن الألغاز ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وإحسان عبد القدوس ويحيى حقي، وغيرهم كثير من الرواد، لم يستطيعوا أبدا أن يغرسوا بذرة الخلق بداخلي، مثلما فعل يوسف إدريس ويحيى الطاهر عبد الله، هناك الكثير من المبدعين الذين يستطيعون أن يهبوك المتعة بقراءتهم، لكن "النادرين" فقط منْ يقدرون على سرقة روحك أثناء المتعة، ليُعيدوا تشكيلها من جديد.

_عن مايدورمن سجالات بمسألة الجيل،هل أنت مقتنع بمثل هذه المقولات،ولمن تنتمي جيلياً؟

فكرة الجيل موجودة، وتم الترسيخ لها بشكل حقيقي ، لكنها مع مرور الزمن تحولتْ من مجرد مجموعة من الكُتاب يظهرون معا في حقبة زمنية واحدة، أومتقاربة، ويشتركون، على اختلاف كتاباتهم، في مجموعة من السمات الفنية والفكرية، إلى "كتلة" من المصالح التي لا ترعى إلا نفسها، ولا تبغي الوجود لأحد من خارجها، لكنني أعتقد أن جيل التسعينات ـ آخر محاولات التشبث بهذه الفكرة العقيمة ـ قد فتتها إلى حد كبير، فرغم كل محاولات السيطرة التي تمت ممارستها عليه، إلا أنها لم تستطع احتواءه كاملا، بسبب كثرة عدد المبدعين الذين ظهروا في تلك الحقبة، وتوزعهم على معظم أقاليم مصر، وامتلاكهم لمنتج إبداعي حقيقي ومغاير، وأعتقد أن الفكرة قد انتفتْ تماما مع الألفية الثالثة، وتوغل انتشار الميديا ووسائل التواصل، حتى أن مصطلح "جيل الألفية الجديدة" لم يستطع أن يصمد كثيرا، والوسط الثقافي الآن يموج بالكثير من المبدعين مختلفي الأعمار، والأماكن، والتوجهات، والميول الكتابية، ولا أحد يستطيع أن يمنع، أو يَحُد، من وجود أحد آخر، ومع ذلك فأمراضه لا تنتهي. 

في ذكرى ميلاد نجيب محفوظ، ورحيل شاكرعبدالحميد، صلاح فضل،ماذاسيبقى من ابداعات كلٍا منهم؟

صورة للمفكر والناقد الجمالي الراحل دكتور شاكر عبد الحميد.

في النهاية لن يبقى إلا كل ما هو جيد وأصيل، ليس إيمانا بقدرة التاريخ على الفرز، بل إيمانا بأن الكلمة الصادقة تمتلك من القوة ما يؤهلها للبقاء والخلود، إيمانا بالعلم الذي يُخبرنا إن الأصوات لا تفنى أبدا، والكلمة صوت.