رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفن التشكيلي اللبناني يعبّر عن الانهيار والانفجار

الفن التشكيلي
الفن التشكيلي

تعبّر امرأة مرسومة وهي تضع بيوتاً على ظهرها أو تحملها في يديها، في لوحات يعرضها الرسّام علي شمس الدين في بيروت، عمّن "تهجروا من أماكنهم حاملين ذكرياتهم" بفعل نزاعات العالم العربي ومآسيه، ومنها انفجار مرفأ العاصمة اللبنانية الذي شكّل، مع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، أبرز وجوه "حالة جحيمية" تطبع أكثر فأكثر الأعمال التشكيلية لفناني وطن الأرز، بحسب نقّاد.


وترى الأستاذة الجامعية والناقدة التشكيلية الدكتورة مهى عزيزة سلطان أن انفجار الرابع من أغسطس 2020 الذي أسفر عن أكثر من مئتي قتيل وستة آلاف جريح ودمّر أحياء عدة في بيروت، شكّل نقطة تحوّل إذ أنّ "ثمة فناً تشكيلياً ما قبل الانفجار وفناً تشكيلياً ما بعده، تماماً كما شكّل سقوط جدار برلين في ألمانيا" حداً فاصلاً بين حقبتين فنيتين.


وتضيف أن الفن التشكيلي اللبناني "عاش هذا الحدث الكارثي الجلل الذي قلب الكيان اللبناني والمجتمع باسره وأدى إلى دمار نفسي واجتماعي واقتصادي".


ويشرح علي شمس الدين (67 عاماً) أن اللوحات الثلاثين في معرضه التشكيلي الذي يُختتم هذا الأسبوع في "دار المصوّر" في بيروت ويحمل عنوان "اللامكان والزمن المفقود"، تتناول مَن "تهجروا من اماكنهم حاملين ذكرياتهم في قلوبهم وعقولهم ويبحثون في زوايا الارض الأربع عن مكان يستقرون فيه (...) كما في الحالة السورية، والفلسطينية، والعراقية، واليمنية، واللبنانية بعد تفجير المرفا". ويضيف "تتحول الذكريات مجموعة صخور محمولة على اكتافنا".


وتوضح سلطان أن "انفجار المرفأ أحدث تحولا في سياسة بعض صالات العرض (...) التي احتضنت صرخات الجيل الشاب وطريقة تعبيره عن الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي يعيشه البلد".


ومن الأمثلة "قوس نصر بدا مطحوناً يشبه أمعاء الإنسان بفعل الزلزال الذي ضرب المدينة، وتجهيز مستوحى من واجهات أبنية أحياء بيروت المدمرة بعد انفجار المرفأ"، بحسب سلطان التي تلاحظ أن "شكل إهراءات المرفأ (التي دمّرها الانفجار) حضر في نتاج معظم الفنانين الشباب والمخضرمين".


ويظهر الموضوع "بطريقة متباينة" في أعمال الفنانين وفق سلطان التي ترى أن "طريقة الفنان في التعبير عن الواقع المظلم واليائس تحافظ على جماليتها وإن كان الموضوع مزعجاً ويائساً ومأسوياً، فيما ينعكس لدى البعض الاخر تفكيكاً وتدميراً وتشوهات".


ويستخدم علي شمس الدين مثلاً في لوحاته ألواناً عدة، بينها البني والبرتقالي والأصفر والأزرق، إذ يشدد على أن "التعبير عن الحزن لا يتم بالضرورة بالوان قاتمة، إذ لا تعود اللوحة فنية بل تصبح ملصقاً حزينا بالشكل والمضمون ولا تصلح لأن تعلق على الجدار". ويضيف "لا نستطيع إلا أن نعبّر بأسلوب جمالي، فاللوحة يجب أن تكون جميلة بصرياً وتحمل مضموناً".


وفي لوحة بعنوان "أمكنة ليست لنا "، يبدو فتى محاط بالطيور والأسماك التي يرسمها الأطفال عادة، "يمشي أمام أبنية جميلة لكنها مقفلة أمامه لانها ليست له ولا ينتمي اليها، وعلى وجهه نظرة عتب وخيبة تعبّر عن اشتهاء مكان ليس بمتناوله".


ويقول علي شمس الدين "لوحاتي لا تعكس فقط الواقع الاقتصادي والاجتماعي في لبنان بقدر ما تعكس أيضا الواقع السياسي والوطني على مستوى الشرق، لأن (...) الهجرة ليست فقط مسألة لبنانية صرفة بقدر ما هي مسألة مشرقية عربية ممتدة منذ 70-80 عاما".


وإذا كان شمس الدين شرع في العمل على لوحاته "مع بدء الربيع العربي وما رافقه من عنف ودم (...) وصولا إلى انفجار مرفأ بيروت"، بحسب منشور عن معرضه، فهو أيضاً تأثر "بالانهيار الاقتصادي والاجتماعي في لبنان الذي شرّد العائلات والأفراد".


وتلاحظ سلطان أن "الفنانين يعبّرون عن الأزمات الاقتصادية والسياسية التي يعيشها الشعب اللبناني بوسائل وطرق مختلفة". وترى أن "مصطلح الجحيم دخل الفن اللبناني تعبيراً عن الحالة الجحيمية التي يعيشها الشعب اللبناني".


وتشير سلطان إلى أن "الحالة الاقتصادية التي تدهورت منذ 2020 إلى اليوم ظهرت في أعمال زيتية أو أكريليك ذات طابع تعبيري لدى عدد من الفنانين، بدت فيها حالات الفقر والعوز وفقدان وسائل العيش الكريم في لبنان، كالأكل من القمامة وأزمة الدواء".


ومن المواضيع التي تناولتها أعمال أخرى التضخم وانهيار قيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار وفقدان المحروقات.
وتوضح أن البعض "لجأ إلى فن التجهيز، واستخدم وجوه شخصيات سياسية بطريقة ساخرة وتهكمية، فيما أخذ البعض من خطابات السياسيين مادة للتعبير الفني".


ويشرح علي شمس الدين أن التعبير في أعماله "ليس مباشرا بقدر ما هو رمزي" يعبّر "عما في داخل هؤلاء الناس الذين ألقي بهم في المجهول من خلال رسم وجوههم".


وإذا كان قسم من الفنانين يعبّر من خلال أعماله عن الواقع المجتمعي، فإنّ ثمة اتجاهاً آخر في الوسط التشكيلي اللبناني يرى أن من غير المفترض بالفن أن يكون مرآة للأزمات التي يعانيها بلد ما، بل يجب أن يحرص على تخطي الظرفية السياسية والاجتماعية وعلى تقديم ما هو جديد على المستوى الفني.


لكنّ مهى سلطان ترى أن ثمة جانباً آخر مهماً في تفاعل الفن اللبناني مع الأزمات، يتمثل في "إصرار الفنانين على الاستمرار (...) مهما كانت الظروف، وكذلك صالات العرض التي تعمل في ظروف تعجيزية اذ تراجع الاقبال على الاقتناءات".
وتضيف "لم نفقد الشغف بالفن واقامة المعارض وبيع الاعمال (...) ونفتخر بقدرة الفن على (...) التحدي والاستمرار رغم الصعاب".