رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ملتقى رؤساء إدارات المخاطر بالمصارف العربية يناقش مشكلة التضخم وتأثيرها على الأسواق

جريدة الدستور

حدد محمد الاتربي رئيس اتحاد البنوك المصرية واتحاد المصارف العربية، أبرز التحديات التي تواجه القطاع المصرفي، خلال كلمة ألقاها اليوم ضمن فعاليات الدورة الرابعة لملتقى رؤساء إدارات المخاطر بالمصارف العربية، مشيرا إلى أن هذا الملتقى بارز الأهمية في ظل ما يشهده الاقتصاد العالمي، واقتصادات دولنا العربية من أحداث بيئية وجيوسياسية واقتصادية. 

وتابع ان ما نجتمع اليوم بصدد تحقيقه من خلال التشاور وعرض وجهات النظر والاتفاق على توصيات تضمن للقطاع المصرفي العربي الصمود وزيادة القدرة على استيعاب تلك الصدمات والمخاطر والتي نوردها في النقاط التالية.

- المخاطر التضخمية.. وتأثيرها على أسعار الفائدة الحقيقية 

لعل أهم ما يؤرق السياسات النقدية المطبقة بمختلف بلدان العالم، مستويات التضخم المتزايدة والتي أدت لصبغ معظم السياسات النقدية بالتشدد، في محاولة لتحييد نسب التضخم، حيث ارتفع معدل التضخم العالمي من 4.7% عام 2021، ليصل إلى 8.8% في عام 2022، كما عانت الاقتصادات المتقدمة من ارتفاع معدلات التضخم بها إذ ارتفعت بكل من الولايات المتحدة الامريكية، ودول الاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة بنحو 7.74% و 10.7% و11.1% لكل منهما على التوالي بمطلع شهر أكتوبر 2022 مقترنة بنحو (-1.182%) و (-0.3%) و 0.7 لكل منهما على التوالي بمطلع أكتوبر 2020،ووفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي، وعلى الصعيد الإقليمي فمن المحتمل أن تسجل الدول العربية كمجموعة مستوى تضخم مرتفع نسبياً خلال عامي 2022 و2023 يبلغ حوالي 7.6% و7.1%، على التوالي.

- تؤدى معدلات التضخم المرتفعة إلى أثار سلبية عديدة لعل أهمها 

 

  • تراجع القوة الشرائية وخفض الدخول الحقيقية للأفراد، الأمر الذي يؤثر في الطلب بأنواعه سواء على المنتجات او الخدمات والمتضمنة كافة أشكال الخدمات المصرفية للأفراد والذين يشكلون نسبة كبيرة سواء على مستوى الادخار أو الإقراض بالبنوك.
  • على جانب آخر تمثل معدلات التضخم المرتفعة ضغوطاً على ربحية بعض الشركات مما يزيد من حجم المخاطر بالقطاعات التي تنتسب إليها، الأمر الذي يؤدي بالنهاية لتحوط البنوك من تمويلها.
  • كما أن زيادة معدلات التضخم تؤثر بشكل مباشر في حركة التجارة العالمية، وعلى مستويات أسعار الصرف وتزيد من المنافسة بين الدول مما يؤدى إلى تراجع الاستقرار الاقتصادي.

وللتحكم بمستويات التضخم العالمية المرتفعة اكد ان البنوك المركزية لم تجد سبيل سوى رفع أسعار الفائدة للتحكم به عند مستويات مقبولة، وتجلي ذلك بوضوح في قيام البنك الفيدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة علىالدولار للمرة الخامسة على التوالي خلال عام 2022 لتتراوح بين 3 إلى 3.25% ويعد هذا هو أعلى سعر فائدة على الدولار منذ أوائل عام 2008 ... ولا يخفى على الجميع تأثير تلك الزيادات على الديناميكيات التجارية للعملة والأسعار والتجارة...الأمر الذيأدي إلى قيام البنوك المركزية الأخرى لا سيما في الأسواق الناشئة إلى رفع أسعار الفائدة، ومن ثم ترك سعر الصرف لآليات العرض والطلب.

وتابع نتيجة لما سبق أصبحت الصناعة المصرفية أمام ضغوط متزايدة على هوامش الربحية الخاصة بها، نظراً لتراجع مستويات الإقراض والاستثمار، لذا فأن دعم المراكز المالية ودعم المخصصات والاحتياطيات، من خطوط الدفاع الأولى لمواجهة تلك الصدمات وهو ما تضمنته توصياتنا.

- مخاطر الائتمان الكامنة والتداعيات الاقتصادية لارتفاع أسعار الطاقة

بلاشك ان ارتفاع معدلات التضخم يؤدى إلى حدوث ركود تضخمي يسود الأسواق مما يؤدى إلى زيادة المخزونات من الإنتاج نتيجة تراجع الطلب تأثراً بانخفاض القوة الشرائية للمستهلكين بفعل التضخم الأمر الذي يؤدى إلى تأثر التدفقات النقدية للمشروعات من جانب مما يؤثر على الانتظام في عملية سداد المديونيات للموردين أو للبنوك، كما يؤثر ارتفاع التضخم في زيادة أسعار مدخلات الإنتاج والطاقة المستخدمة، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة تكاليف التشغيل، ومع زيادة أسعار الفائدة فإن عدد كبير من المشروعات قد تتعرض لتقليل الإنتاج والاستغناء عن العمالة بدلاً من اللجوء إلى تمويل رأس المال العامل، كما تتراجع فرص التمويل والاستثمار للمشروعات الجديدة، ويؤدى ذلك إلى رفع درجة المخاطر لدى بعض القطاعات ومنها على سبيل المثال القطاعات كثيفة استهلاك الطاقة والقطاعات الاستهلاكية.

- التحول الرقمي .. ومخاطر الأمن السيبراني

على صعيد آخر فأن المخاطر التي تواجهها البنوك لم تعد تقتصر على إدارة المخاطر التقليدية المتمثلة في الائتمان و التشغيل والسوق وغيرها... حيث أن الأمر امتد ليشمل المخاطر المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات، ولقد شهدت الصناعة المصرفية الكثير من التطورات و التغيرات نتيجة التقدم التكنولوجي المتسارع خلال الثلاثة أعوام الماضية، حيث تمت رقمنة الأصول وتداولها الكترونياً واتسع نطاق هذا التداول خلال الحوسبة السحابية، وبرزت العديد من المنتجات المالية الجديدة التي تقدمها البنوك، مما وضع الصناعة المصرفية أمام خدمات كثيرة تستوجب تضافر الجهود من جميع الأطراف المعنية لتعظيم المردود من هذه التطورات والحد من المخاطر الناجمة له، وعلى ذلك تصبح إدارة المخاطر ولاسيما المرتبطة بالتكنولوجيا المالية الناجمة عن التحول الرقمي وتزايد التحديات الخاصة بإدارة مخاطر الأمن السيبراني، إذ أن الهجمات السيبرانية التي تعرضت لها البنوك تسببت فى تغيير نماذج الأعمال المصرفية، وفي الوقت نفسه تتزايد أعداد التهديدات الإلكترونية بسرعة هائلة، وقد أزداد حجم التهديدات والتحديات السيبرانية مؤخراً نظراً لسيادة القنوات والواجهات المصرفية القائمة على الإنترنت لتوفير خدمات مصرفية مريحة للعملاء.

وحيث أن التقدم التكنولوجي يزيد من تكرار ودرجة تعقيد الهجمات السيبرانية فوفقاً لموقع Fortune.com هناك 1291 اختراق للنظم الإلكترونية خلال عام 2021 مقارنة بعدد هجمات 1108 عام 2020 مما يدلل على الاتجاه التصاعدي لتلك الهجمات، كما تضمن تقرير Sonicwall,2022 لإحصائيات تظهر تصاعد الهجمات السيبرانية، حيث ارتفعت نسبة تهديدات التشفير في عام 2021 بمعدل 167% بما يوازي (10.4مليون هجوم) وارتفعت هجمات فيروس الفدية بنسبة 105% (623.3 مليون هجوم) وزادت هجمات Crypto jacking على أجهزة الحاسب المرتبطة بالعملات المشفرة بنسبة 19% (97.1 مليون هجوم) وارتفعت محاولات التسلل بنسبة 11% (5.3 تريليون هجوم) كما زادت البرامج الضارة الموجهة إلى إنترنت الأشياء بنسبة 6% (60.1 مليون هجوم)، و توقعت دراسة Cyper security Venture لعام 2022 أن تصل تكلفة الهجمات السيبرانية إلى 10.5 تريليون دولار بحلول عام 2025 بمتوسط نمو سنوي 15% ، كما يقدر صندوق النقد الدولي تكلفة الهجمات السيبرانية في قطاع الخدمات المالية بنحو 270 إلى 350 مليار دولار سنويا حال اتساع نطاق هذه الهجمات، لذا لم يعد الأمن السيبراني مسألة تقنية فقط، بل أصبح متطلب أساسي لا غنى عنه لتأمين وحماية المؤسسات المالية من مخاطر الأعمال، كما أن غيابه يمثل خطر استراتيجي على القطاع المالي والمصرفي.

المخاطر البيئية.. والمخاطر المرتبطة بالتحول المناخي

ولقد بدا في الأفق عدد آخر من المخاطر غير المألوفة بالصناعة المصرفية وهي المخاطر البيئية المرتبطة بتغيير المناخ وانتشار الأوبئة، ولما كانت البنوك محرك قوى في عملية التنمية المستدامة، لذا يتعين على البنوك ان تدرج المعايير البيئية والاجتماعية ضمن سياساتها بشكل عام سواء المتعلقة بتصميم المنتجات أو تمويل المشروعات، وعلى ذلك فإنه يمكن استخلاص عدد من التوصيات التي تعزز إدارة المخاطر التي تحدثنا عنها على النحو التالي:

- مخاطر كفاية رأس المال الرقابي

 

ويأتي خط الدفاع الأخير في مجابهة مثل هذه المخاطر المالية وغير المالية وهو الاحتفاظ بمعدلات قوية لرأس مالي رقابي تسهم في تعزيز قوة البنوك في مجابهة التقلبات الاقتصادية المحلية والدولية لنظامنا المصرفي وخاصة نتيجة أثرالمخاطر الغير مالية الناشئة والتي تسعي لجنة بازل لتحديثها بشكل مستمر مثل إصدار مبادئ عام 2020 التي تتعلق بـ"القدرة التشغيلية" للبنوك لمواجهة التهديدات المرتبطة بالحوادث التي تفرض تخريبا أو اضطرابا أو تعطيلا للنظام البنكي والمالي العالمي... وجاءت هذه المبادئ استجابة للأثر السلبي واسع النطاق الذي فرضه وباء كوفيد - 19 على الوضع المالي والاقتصادي العالمي.

مما يثني على زيادة الاهتمام بإدارة رأس المال الرقابي بشكل استباقي من خلال استحداث العديد من الآليات المتبعة دولياً مثل العمل على إجراء تقييم متقدم للمخاطر الغير المالية ضمن الدعامة الثانية لرأس المال بشكل دوري على فترات متقاربة.

وانطلقت اليوم الخميس فعاليات الدورة الرابعة لملتقى رؤساء إدارات المخاطر بالمصارف العربية والمنعقد بمدينة شرم الشيخ خلال الفترة من 8- 10 ديسمبر 2022 بمشاركة حسن عبد الله محافظ البنك المركزي المصري واللواء  خالد فودة – محافظ جنوب سيناء وجميع محافظي البنوك المركزية بالدول العربية.