رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بعد تخطيه حاجز الـ24 جنيهًا.. ما الذي يحدث في السوق السوداء للدولار؟

الدولار
الدولار

حين تشح أي سلعة في بلد ما تنشط الأسواق الموازية «السوق السوداء» على الفور؛ لبيع تلك السعلة بأسعار تخالف السعر الرسمي الذي تحدده الدولة، فينعكس ذلك على سعرها بالنسبة للمستهلك ويؤثر سلبًا على الاقتصاد.

ذلك ما يحدث الآن في مصر للعملة الصعبة وتحديدًا الدولار، الذي دفعت عدة أزمات وأسباب اقتصادية إلى شحه في السوق، كان منها قرار المركزي في فبراير الماضي بوقف التعامل بمستندات التحصيل في العمليات الاستيرادية والعمل بالاعتمادات المستندية، وتخطيه مؤخرًا حاجز الـ24 جنيهًا بعد التعويم الأخير للجنيه.

مستندات التحصيل كان تعطي للمستورد فرصة لإعطاء المورد الأجنبي جزء من قيمة الشحنة وحين تصل يتم تحصيل باقي قيمة الشحنة أما الاعتماد المستندي يدفعه إلى اعتماد قيمة الشحنة المستوردة قبل مجيئها.

دفع ذلك الأمر المستوردين للإقبال على الدولار والعملة الصعبة بشكل أكبر -بحسب خبراء-، وشح الدولار والاحتياطي النقدي الأجنبي في البنوك فضلًا عن رفع سعر الدولار الجمركي من 18.63 جنيه للدولار إلى 19.19 جنيها للدولار بزيادة قدرها 56 قرشا.، وهو ما عزز السوق السوداء من أجل تحرير المستوردين لبضائعهم بالدولار.

والدولار الجمركي هو سعر خاص بالدولار تحدده الدولة لمحاسبة المستوردين على رسوم الجمارك على الواردات.

يدلل على ذلك ما أعلنه البنك المركزي المصري خلال أغسطس الماضي عن عن تراجع أرصدة احتياطي النقد الأجنبي بواقع 232 مليون دولار خلال شهر يوليو الماضي، إذ سجلت 33.143 مليار دولار بنهاية يوليو مقارنة مع 33.375 مليار دولار بنهاية يونيو.

«الدستور» اخترقت في ذلك التحقيق السوق السوداء للدولار، لمعرفة كيف تتم عمليات البيع والشراء للعملة الصعبة خارج السوق المصرفي، وأتضح أن الأسواق الموازية يباع فيها عملات شحيحة بأسعار أعلى من السعر الرسمي الذي يحدده البنك المركزي ولكن يلجأ إليه مواطنين ومستوردين نتيجة شح العملة الصعبة بمبالغ ضخمة في منافذها الرسمية كالبنوك وشركات الصرافة.

السوق السوداء للدولار وتداول وتغير العملات خارج المنافذ الرسمية

أثبتت «الدستور» وجود تلك السوق السوداء من خلال عقد اتفاقين مع 2 من السماسرة لتغير عدد من العملات خارج البنوك والمصارف المرخصة.

«أنا بشتري دولار أي كمية داخل القاهرة» تلك الكلمات نشرها شادي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بصفحة «الاتجار بالعملات الأجنبية بالسوق السوداء» رغبة في شراء الدولار بعيدًا عن البنوك المصرفية المعتمدة، فقد عقدت محررة «الدستور» اتفاقية معه لبيع ما يقرب من ألفين دولار والحصول على ما يعادلها بالجنيه المصري.   

رحب «شادي» بتلك الاتفاقية قائلًا: «أنا مستعد اشتري منك الكمية اللي معاكي وياريت في أسرع وقت، والدولار الواحد هيكون مقداره 17جنيهًا، ونتقابل في أقرب محطة مترو، وإن شاء الله نكون دايمًا على تواصل، وأنا دايمًا مستعد اشترى منك أي كمية معاكي بعد كدة».

ويستكمل شادي: «فقد واصل الجنيه المصري انهياره وهبوطه الحاد أمام الدولار بالسوق السوداء خلال التعاملات الحالية»، منوهًا إلى أنه يستهدف شراء الدولار الفترة الأخيرة نتيجة للتفاقم الكبير الذي يشهده سعر الدولار الأمريكي حاليًا معلقًا: «أنا بشتري كميات كبيرة من الدولار وإنه بالفعل عملية الإتجار به مربح جدًا».

يعتبر قانون العقوبات المصري التعامل في النقد الأجنبي خارج نطاق السوق المصرفي أو الجهات المرخص لها بذلك قانونًا جناية، طبقًا لنص المادة 111 من القانون 88 لسنة 2003 والتي يكفي لتحققها وجود النقد الأجنبي والاتفاق على بيعه أو شرائه عن طريق مصارف غير معتمدة للتعامل في النقد الأجنبي والجهات الأخرى المرخص لها بالتعامل.

قانوني: «تصل عقوبة الإتجار بالعملات الأجنبية بالحبس بحد أقصى 10 سنوات»

محمود إيهاب، الخبير القانوني، قال إن عمليات الإتجار بالعملات الأجنبية خارج البنوك المصرفية المعتمدة، يعد جريمة يعاقب عليها القانون سواء بيع أو شراء، منوهًا إلى إنه عقب التفاقم الكبير الذي شهده سعر الدولار مؤخرًا أمام العملات الأخرى ساهم بشكل كبير في تزايد معدلات عمليات الإتجار به بالسوق السوداء بعيدًا عن أنظار المسئولين.

وتابع: «فقد تنص المادة رقم 126 من قانون العقوبات على أن يٌعاقب القائم بالإتجار بالعملات الأجنبية بالسوق السوداء بالسجن مدة لا تقل عن 3 سنوات وبحد أقصى 10 سنوات، إلى جانب دفع غرامة مالية لا تقل عن مليون جنيه ولا تجاوز 5 ملايين جنيه أو المبلغ المالي محل الجريمة أيهما أكبر».

كما نصت أيضًا على ضرورة مصادرة المبالغ المضبوطة محل الجريمة، إلى جانب معاقبة القائم بتلك الجريمة بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد على 3 سنوات كحد أقصى وبدفع غرامة مالية لا تقل عن مليون جنيه ولا تجاوز 5 ملايين جنيهًا، لكل من خالف أحكام أيًا من المادتين "113 و117" من هذا القانون المصري.

واختتم: «الدولة تكثف جهودها في كافة أنحاء الجمهورية من أجل ضبط القائمين بعمليات الإتجار بالعملات الأجنبية المختلفة بعيدًا عن البنوك المصرفية المعتمدة"، منوهًا إلى تزايد معدلات بيع وشراء العملة الأجنبية وخاصةً الدولار الأمريكي بالسوق السوداء بعد الحرب الروسية الأوكرانية وتفاقم سعر الدولار الفيدرالي».

الملاح: «السوق الموازية للدولار تؤدي إلى ارتفاع الأسعار»

أكثر أنواع الأسواق الموازية خطورة، تصف الدكتور هدى الملاح، مدير المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى، السوق السوداء للدولار ويتم فيها انتهاك اللوائح والقوانين التي يضعها البنك المركزي وأسعار صرف العملات.

وتوضح أنها تضم العملات القوية والنادرة والمطلوبة والشحيحة مثل الدولار الآن، وكذلك الريال السعودي وقت الحج والذي يعتبر عملة موسمية، مبينة أنها تباع في السوق السوداء بسعر أعلى من البنك المركزي من خلال السماسرة.

وتشرح الملاح طريقة البيع التي تكون من خلال السمسار ثم البائع ثم المشتري، ويكون ربح السمسار من خلال فرق البيع بين الطرفين الأخرين، فيحقق المكسب من خلال ذلك الفرق حتى وأن كان بسيط.

وعن انتشار السوق السوداء للدولار في مصر خلال الوقت الحالي، ترجع الدكتورة هدى ذلك إلى الأزمات الاقتصادية، منها قلة الاستثمارات الأجنبية المباشرة أو المحلية، وجائحة كورونا والحرب الروسية وارتفاع التضخم والأسعار، والذي نتج عنهم تراجع إيرادات السياحة وانخفاض الاستثمار الأجنبي والصادرات ما أدى إلى شح الدولار في مصر.

تقول: "هناك خسائر يتكبدها الاقتصاد المصري جراء السوق الموازية للدولار، لأنه يعتبر استنزاف لموادر الدولة من النقد الأجنبي، وحين يواجه المستوردين أزمات في شح الدولار من أجل تخليص الاعتمادات المستندية وتسليك البضائع يلجأون إلى السوق السوداء، وتكون بأسعار مرتفعة عن السعر الرسمي وهو ما يؤدي إلى زيادة تكلفة المنتح وارتفاع الأسعار في مصر".

وتضيف: «كما أن اللجوء إلى السوق السوداء يؤدي إلى انخفاض قيمة الفاتورة وانخفاض ضريبة القيمة الجمركية وانخفاض في الميزان التجاري وهذا يعتبر حق الدولة، وخسائر تتكبدها من خزانتها».

وتختتم: «الحلول في الرقابة وتشديدها وليس في اللجوء كل فترة إلى تخفيض قسمة الجنيه المصري، لأنه يؤدي إلى خفض القيمة الشرائية وحين يتم تحرير سعر العملة تشح العملة الصعبة بسبب كثرة اللجوء إليها».

 

سمسار عملات أجنبية: "وصل سعر الدولار بالسوق السوداء إلى 17 جنيهًا"

وكذلك من خلال صفحة "السوق السوداء للعملات الأجنبية" على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تواصلنا مع أحد سماسرة العملات الأجنبية الذي أبدى لنا مقدرته بتوفير أيه كميات من الدولار بالوقت المناسب.

"لو محتاج أي عملة كلمني خاص" تلك الكلمات نشرها "صلاح" سمسار العملة الأجنبية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بغرض الوصول إلى عدد من الجمهور الراغب في شراء العملة الأجنبية مقابل مبلغ مالي مناسب، فقمنا بالتواصل معه بغرض الحاجة إلى شراء عدد من عملات الدولار.

وقال سمسار العملات الأجنبية إنه سيقوم بتوفير العدد المطلوب خلال يومين، موضحًا إنه يمكنه توفير أي عملة أجنبية لكن بسعر مرتفع غير المتداول في السوق السوداء، معلقًا: "لو عايزة دينار ليرة دولار أي عملة هقدر أوفرهالك إحنا لينا حبايبنا في كل مكان" وأشار إلى إن سعر الدولار وصل إلى 17جنيهًا نتيجة ارتفاع سعر الدولار الفترة الحالية وسيواصل الدولار الارتفاع بشكل مستمر يومًا بعد يوم.

 

حجم احتياطي النقد الأجنبي في مصر

لم يكن الانخفاض السالف ذكره للاحتياطي النقدي الأجنبي هو الأول، ولكن فقدت مصر من الاحتياطي نحو 9.5 مليار دولار خلال فترة بداية جائحة كورونا في شهور مارس وأبريل ومايو 2020 عندما وصل إلى نحو 36 مليار دولار.

ثم بدأ رحلة صعود استمرت لمدة 21 شهرًا ولكنها كانت زيادات طفيفة للغاية، ووصل في فبراير الماضي إلى نحو 40.994 مليار دولار.

بينما كانت الفترة من 2014 وحتى نهاية عام 2019، جيدة على حجم الاحتياطي حيث زادت في السنوات المتتالية من 15.3 مليار دولار إلى 45.4 مليار دولار بزيادة نحو 197%، قبل أن يصل إلى أعلى مستوياته قبل جائحة كورونا وتحديدًا في فبراير 2020 عند 45.515 مليار دولار.

 

حلول للسيطرة على الدولار في السوق السوداء

الدكتور أحمد علي، الخبير الاقتصادي، يقول أنه شح الدولار يؤدي إلى تنشيط السوق السوداء له، لما يمثله من أهمية على جميع الأصعدة الاقتصادية وتأثيره الذي أصبح مباشرًا على الحياة اليومية وتداخله في قطاعات متعددة.

ويقول: "من المتوقع ارتفاع سعر الدولار من جديد وفقًا لتحليل المشهد العالمي والقفزات التي يُحدثها سعر الدولار، حيث أنه من المتوقع ارتفاع جديد في أسعار الدولار الأمريكي خلال الفترة القادمة، وفقا لعدة مؤشرات اقتصادية".

ويشير ارتفاع الدولار الأمريكي يعود إلى إعلان البنك المركزي مؤخرًا عن انخفاض فجوة النقد الأجنبي لدى الجهاز المصرفي إلى ٤٠٠ مليون دولار، فضلًا عن الأسلوب العلمي الذي يتبعه القائم بأعمال محافظ البنك المركزي الجديد، والذي طلب من الجهاز المصرفي حصر طلبات الاستيراد المطلوبة الفترة القادمة ليستطيع معرفة قدرة البنك على تلبيتها. وعن الحلول لوقف النزيف الذي يُحدثه السوق الموازي للدولار: "لا بد من تحسين السياحة، وتنشيط الصادرات وإشراك الصناعات الصغيرة في عمليات التصدير، ما سيؤدي إلى استقرار أسعار الدولار، وابتكار أفكار لتشجيع المصريين على الاستثمار بالدولار خاصة المصريين بالخارج".

ويختتم: "وذلك من خلال طرح الأسهم في الشركات الحكومية للعاملين بالخارج بالدولار، وإقامة مشروعات اقتصادية يتم الاكتتاب فيها بالدولار، وكذلك رفع الفائدة على الشهادات والودائع  الدولارية، مما يشكل كل ما سبق تحقيق الاستقرار والسيطرة على أسعار الدولار بالسوق السوداء".

 

ضبطيات لتاجر العملة الأجنبية

وتلاحق الدولة سماسرة العملات الأجنبية في مصر، فقد ضبطت الإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال العامة، أحد الأشخاص في دمياط خلال فبراير الماضي، بتهمة التعامل في النقد الأجنبي خارج نطاق السوق المصرفية وشراء وبيع عملات أعلى من السعر المصرفي.

وفي مارس الماضي ضبطت الأجهزة الأمنية بالقاهرة شخصين بحوزتهما عملات أجنبية بقصد الإتجار بالنقد خارج السوق المصرفي، ويتخذان من المحل الخاص بهما "لبيع مستحضرات التجميل بدائرة قسم شرطة المرج" مكانًا لمزاولة نشاطهما الإجرامي.

وشهد شهر أغسطس ضبط الأجهزة الأمنية بالقاهرة شخص يتاجر بطريقة غير مشروعه في النقد الأجنبي، إذ ضُبط داخل سيارته ومعه أجهزة هواتف محمولة ومبالغ ضخمة من عملات محلية وأجنبية.

 

شح الدولار ينشط السوق السوداء

يرجع الدكتور علي الإدريسي، أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية العربية لعلوم النقل البحري، رواج السوق السوداء للدولار في ذلك التوقيت، إلى النقص الشديد في العملة الأجنبية وتحديدًا الدولار داخل الجهاز المصرفي وعدم تلبية كافة احتياجات المستوردين والأفراد.

وأدى ذلك بحسبه إلى دفع الكثيرين للتعامل مع السوق السوداء، في وقت وصل فيه سعر الصرف داخل الأسواق الموازية إلى 20 و21 دولار، موضحًا أن ذلك يؤثر بالسلب على الاقتصاد المصري ويجعله يعود إلى فترات قبل 2016 حين كان هناك سعرين للصرف الأول رسمي وكان وقتها 8 جنيه والثاني موازي بموجب 19 جنيهًا.

ويبرر لجوء البعض إلى السعر الأسود رغم أن الرسمي أقل لكون الأخير غير متوفر فيلجأون لتلك الأسواق؛ من أجل الحصول على الدولار وتوفير مستلزماتهم وغيرها من الاحتياجات للنقد الأجنبي.

ويؤكد المحلل المصرفي، أنه لا بد من وجود سعر عادل للجنيه، وليس الحل هو في الأخذ من الاحتياطي الأجنبي من أجل دهم الجنيه، فذلك الأمر يعزز السوق السوداء لأنه لا يوجد توفير للنقد الأجنبي في البنوك فيدفع البعض إلى السوق السوداء.