رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عن السياحة الدينية وأشياء أخرى

سعدت وأنا طفل بزيارة بيت الله الحرام مع أسرتى، وأنوى بإذن الله أن أؤدى فريضة الحج عندما أستطيع إليها سبيلًا كما أمرنا الله عز وجل.. وقد وجدت نفسى أفكر فى هذه الخاطرة وأنا أقرأ خبرًا عن عدد المعتمرين المصريين سنويًا والذى وصل هذا العام إلى ٩٦ ألف مصرى بمتوسط تكلفة ٣٥ ألف جنيه للفرد الواحد بتكلفة إجمالية ١٧١٫١ مليون دولار أمريكى فى وقت تعز فيه العملة الصعبة جراء الأزمة الاقتصادية العالمية.. إننى أذكر قبل مناقشة هذا الموضوع الحساس أن العمرة هى سنة نبوية وليست ركنًا من أركان الإسلام الخمسة، وهى فى هذا تختلف عن الحج الذى هو فرض فرضه الله على عباده مرة واحدة فى العمر، ورأى بعض المفكرين أن تكراره سنويًا قد يكون ضارًا بأكثر مما يكون نافعًا، بمعنى أن تكلفة رحلة الحج المبالغ فيها أحيانًا قد تصلح للتصدق بها لسد نقص فى مجال حيوى يحتاجه المصريون مثل الصحة أو التعليم أو الغذاء.. ولكن هذا ليس موضوعنا هنا.. خاصة أننى لا أتحدث فى شأن من شئون الدين وهو حكم تكرار العمرة، بقدر ما أتكلم عن ضرورة الحفاظ على العملة الصعبة فى هذا التوقيت الحساس والمهم.. إن كل ظاهرة دينية لها وجه دينى ووجه آخر دنيوى، والوجه الدنيوى لنافلة العمرة أنها نوع من أنواع السياحة الدينية التى تشهد نهضة كبيرة فى المملكة العربية السعودية الشقيقة وهو أمر نسعد به ويفرح قلوبنا، لكننى على المستوى الشخصى أفكر أنه آن الأوان أن تهتم مصر بهذا النوع المهم من السياحة وأن تسارع الحكومة لتنفيذ توجيهات الرئيس فى هذا المجال دون إبطاء.. والهدف من هذا أن نلبى رغبة المصريين الذين يرغبون فى ممارسة هذا النوع من السياحة الروحية كل عام، بعد أن منّ الله عليهم بأداء فريضة الحج ونافلة العمرة أكثر من مرة، وبالتالى فمن الواجب على الحكومة أن تنتهى من تطوير مشروع مزارات آل البيت عليهم رضوان الله جميعًا الآن قبل الغد.. حيث تمتلك مصر أكبر قدر من مزارات آل بيت النبى الكريم وأحفاده، فضلًا عن ضريح الإمام الشافعى أحد أئمة الفقه الأربعة وأضرحة أئمة الصوفية العظام الشاذلى والمرسى والبدوى والدسوقى عليهم رضوان الله جميعًا.. إن أحد الأوجه الدنيوية لنافلة العمرة أنه يتم التسويق لها مثل أى نوع آخر من السياحة.. وعندما يلتقط الفنانون والمشاهير صورًا لأنفسهم وهم يؤدون هذه الفريضة الغالية- سواء على نفقتهم الشخصية أو عبر دعوة كريمة من الحكومة السعودية- فإنهم يروجون لهذا النوع من السياحة الدينية أو يسوقون لها، وهم أحرار فى ذلك تمامًا، رغم أنى من مدرسة أفضل أن تبقى شئون العبادات بين العبد وربه خشية الرياء والمظهرية والاستخدام الدنيوى لهذا النوع من الصور التى باتت أقرب للإعلانات.. وإذا عدنا لموضوع السياحة الدينية سنجد أنه إلى جانب مشروع مزارات آل البيت الذى يجب أن ينتهى تطويره لأقصى قدر ممكن ليستوعب السياحة الداخلية والخارجية أيضًا، فإن لدينا مشروع مسار العائلة المقدسة وهو مشروع قيد الاهتمام منذ فترة طويلة لكننا لا نرى نتائج نهائية فيه تعلن عن اكتماله كمشروع نهائى جاهز لاجتذاب أفواج الزائرين رغم تطوير بعض المواقع المرتبطة به مثل شجرة مريم فى المطرية، وربما كانت تداعيات كوفيد ١٩ ثم الأزمة الأوكرانية أحد عوامل البطء فى الانتهاء من هذين المسارين والإعلان عنهما بشكل كامل، إلا أننا نعلم جميعًا أن السياحة هى أسرع الطرق للحصول على العملة الصعبة فى هذه الأيام وأن الاستثمار السريع فى الانتهاء من هذين المسارين ربما يكون استثمارًا فى محله، خاصة لو تم تطوير نظام التأشيرات فى القنصليات المصرية لتستغرق زمنًا أقل كما وجه الرئيس فى مجال سياحة اليخوت، حيث أصبحت سهولة الحصول على التأشيرة أو عدم ضرورة الحصول عليها من الأساس أحد مقومات المنافسة الأساسية فى اجتذاب السائحين، وأصبح على مؤسسات الدولة المصرية وعلى رأسها الشرطة أن تستعيض بالتطور التكنولوجى عن طرق البحث التقليدية فى تاريخ من يتقدم للحصول على التأشيرة، ولا أظن أن ما أطرحه جديد، بل هو فى صميم رؤية الدولة المصرية والرئيس السيسى الذى وجه بتطوير المزارات المقدسة فى جبل سانت كاترين وتجهيزها سياحيًا على أعلى مستوى حيث النقطة التى كلم فيها الله نبيه موسى عليه السلام والتى يقدسها أتباع الديانات الثلاث، وأظن أن الجهات المختصة تسابق الزمن للانتهاء من هذا المشروع الذى يتكامل مع مزارات آل البيت، ومسار العائلة المقدسة، ويشترك معهما فى اجتذاب السياحة الدينية وهى من أكبر الموارد للعملة الصعبة إذا أحسنت إدارتها وتسويقها.. وما دام الشىء بالشىء يذكر فإننى أستغل الفرصة للإشادة بمشروع تطوير القاهرة الخديوية أو شوارع وسط البلد والذى بدأ بإعادة بناء واجهات العمارات وإلزام المحلات التجارية بوضع لافتات تتماشى مع الطراز المعمارى للمنطقة، لكن التطوير فيما يبدو تباطأ بعض الشىء وتوقف عند المنطقة من ميدان التحرير إلى ميدان طلعت حرب.. فى حين ما زالت لافتات المحلات والمطاعم فى شارعى طلعت حرب وعبدالخالق ثروت مخالفة الطراز المعمارى للمنطقة وتشكل نوعًا من التلوث البصرى الجارح لجمال وهيبة هذه المنطقة التى ندر أن نجد مثالًا لها فى الشرق الأوسط أو فى العالم كله سوى فى باريس وفيينا وبعض مدن الحضارة القديمة.. إننى أعرف أن الأزمة العالمية فرضت نوعًا من الإيقاع الهادئ أحيانًا، ولكن الاستثمار فى السياحة هو استثمار ناجح ذو عائد سريع فى هذه الأيام.. والله أعلى وأعلم.