رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رؤية الهدف.. النبى نموذجًا

يدور العام دورته ويأتي كل عام شهر عزيز، إن شئت فقل هو شهر بداية الخير، فهو الشهر الذي شهد مولد سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، ودائماً ما نجلس ونتعلم ونفكر في ما غرسه رسول الله عليه الصلاة والسلام من تعاليم، وقد سيطرت علي نفسي هذه الأيام وأنا أطالع سيرته أنه كان موحد الهدف، لا يشتت ذهنه وتفكيره بسفاسف الأمور، وفي اعتقادي أن تلك من أخطر أزمات عصرنا الحديث، لا سيما بين الشباب الذي لا يزال يتلمس خطواته الأولى في الحياة. فتجد الشاب ممزقاً بين العديد من الأمور التي لا طائل لها، وتنحرف أهدافه عن النافع إلي ما لا يفيد.  

إنني أتذكر حينما خرج النبي، صلى الله عليه وسلم، من الطائف، وقد ذهب إليهم يدعوهم إلى الإسلام بعدما أغلقت قريش في وجهه أبواب مكة، ذهب إلى الطائف على بعد قرابة المائة كيلومتر سيراً على قدمه مصطحباً خادمه زيد بن حارثة، وكان الأمل يملأ قلبه بأنه ربما تتلقى قبيلة ثقيف تلك الدعوة بترحاب ويكون له فيها سبيل، إلا أنهم كذبوه وطردوه، وأغروا السفهاء والصغار بأن يلقوا عليه الحجارة شاتمين شامتين حتى خرج من تلك البلدة تملؤه مشاعر اليأس والإحباط والحزن إلا أنه لم ييأس قط.

في هذا الحين جاءه جبريل عليه السلام ومعه مَلَك الجبال يستأذنه أن يطبق عليهم الجبال انتقاماً مما فعلوه في سيد الخلق، فإن كان أهل الأرض لا يعلمون قيمتك، فأهل السماء يقدرونك ويجلونك، وفى لحظة سوف تتحول تلك البلاد إلى تراب ليس فيها أحد بأمر من محمد. لكنه وضوح الهدف كان لديه أعمق وأقوى، هو لا يرى نفسه مطلقاً ... هو يرى رسالته التي أرسله الله من أجلها، يرى الخير للناس، يرى هدفه واضحاً جلياً لا يحيد عنه مهما كانت تصرفات البشر الحمقاء التي تحدث معه، كانت تلك هي رؤيته وهكذا كانت بصيرته.

كان رده على جبريل حاسماً، فقال:" لا ... عسى الله أن يخرج من أصلابهم من يوحد الله"، فكان ينظر حتى إلى الأجيال المتعاقبة التي سوف تأتي بعد ذلك لم لا ينهلون من هذا الخير إن أنا وافقت على إهلاكهم؟

إنني أذكر ذلك للكثيرين منا الذين يشتتون أنفسهم في ما لا يفيد، جانب كبير من نجاح الإنسان في الدنيا تحديد ووضوح الهدف، وعدم الانشغال عنه وبذل الجهد في تحقيقه، وعدم اليأس مطلقاً أو الالتفات إلى صغائر الأمور التي تشغل عن الهدف الأسمى الذي يعيش الإنسان من أجله.  

كان ذلك درساً جديداً نتعلمه من سيرة النبي الأعظم الذي نحتفل بمولده هذه الأيام، فلنجعل احتفالاً قراءةً جديدة لسيرته وأفعاله عسى أن تلهمنا النور والطريق المستقيم.