رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الروائي فكرى داود: الأدب حتى الآن لم يعط نصر أكتوبر حقه

الروائي فكري داود
الروائي فكري داود

في كل عام تعيش مصر وشعبها ذكرى نصر أكتوبر العظيم، ذكري انتصار الجندي المصري وتحطيمه اسطورة جيش الدفاع الإسرائيلي الذي لا يقهر، تلك الأسطورة التي تحطمت على بسالة جيشنا المصري العظيم.

وحول ذكرى نصر أكتوبر، قال الروائي فكري داود، في تصريحات خاصة لــ “الدستور”: يمثل نصر أكتوبر لي ثأرا شخصيا، حيث فقدت في حرب 1967 “طاهر” ابن خالتي، الأقرب إلى قلبي والأكبر مني، مع آخرين من خيرة، شباب قريتي السوالم - كفر سعد- دمياط. 

وكان الكبار يرددون بأن طاهر ممن مسهم عرق الصِّبا، لقوته وقدرته على القيام بأعمال صعبة، لدرجة نزوله إلى النهر وقت الفيضان، ليخلص بقرة تدور وسط دوامة الماء.

وسرعان ما جُنِّد قبيل 67، وسرعان ما قامت الحرب، التي لم تُتَح الفرصة فيها لجنودنا أن يحاربوا حربا متكافئة، ففقدنا الكثيرين وغاب الكثيرون، ومنهم ابن خالتي، الذي لا ندري حتى اليوم، هل استشهد، أم أُسِر، أم فقد ذاكرته، وبقى مقيما مع إحدى قبائل سيناء - هكذا كانت تصلنا الحكايات -، وعليه اُعْتُبِر فقيدا رسميا، يستحق والداه معاشا لفقده.

وتابع “داود”: كنت تلميذا بالابتدائية، وكان زوج خالتي قبلها قد أخرج طاهر من المدرسة، باعتباره ثاني أولاده الكبار، ليرعي أغنامهم، بعد أن أخرج أخاه الأكبر لفلاحة الأرض، التي جاءتهم نتيجة قوانين تحديد ملكية أرض الإقطاعيين بعد ثورة يوليو1952، ومنح الفلاحين بعضا منها، وجاء ثالث الأولاد أول المتعلمين، قبل أن يزاملني خامسهم في الدراسة، كنا نعيش كإخوة أشقاء، ولازال الأحياء منا يعيشون كذلك.

لكن محبة طاهر كانت الأكبر في قلوبنا جميعا، فذكر اسمه كان كفيلا، بردع أي صبي شقي، يفكر في إيذائنا، كما كان يمدنا بثمار التوت والجميز والفول الأخضر ولبن) المعيز) المحبب، كلما عاد من تجواله خلف الغنم راعيا.

لتمر فترة عصيبة على عائلتنا وعلى القرية وعلى مصر، بعد أن مات عبد الناصر وسط حرب الاستنزاف، التي أبلينا فيها بلاء حسنا، ومن محاسن الصدف، أن تنشب معركة جوية، في سماء قريتنا، بين طائراتنا وطائرات العدو، مما أجبر طائرة للعدو على التخلص من فنطاسي الوقود الاحتياطيين، ليسهل هروبها، إلا أن طائراتنا تمكنت من إصابتها، لتسقط في قرية قريبة منا، ويسقط طيارها في مدينة فارسكور، التي سبق وأُسرت لويس التاسع قائد الحملة الصليبية، ويُقتاد إلى سجن ابن لقمان بالمنصورة.

يومها – يوم سقوط الطائرة -، تسابق الصغار والكبار، ليروا طائرة العدو محطمة وسط الزراعات، لتقوم حرب أكتوبر وأنا بالإعدادية، وسط التوجس مما حدث آنفا، لكن جيشنا البطل، كان قد انتصر بالفعل، وعبر جنودنا الأفذاذ، أكبر مانع مائي يُعَد معجزة في حد ذاته، وأضخم سانر ترابي، وحطموا أسطورة خط بارليف، ونجحوا في تدمير مطارات العدو وآلياته، وكبدته خسائر فادحة في الأرواح، وتم أسر أعدادا مهولة، واستغاثت إسرائيل بالغرب رغم جسر التسليح المباشر...

وشدد “داود” على: لقد حققت قواتنا انتصارا معجزا، غيَّرَ الاستراتيجية العسكرية في العالم، حيث أخذ جنودنا الأبطال، بثأر إخوانهم الشهداء والمفقودين ومنهم طاهر ابن خالتي.

لقد خدمت بالجيش سنة بعد حرب أكتوبر بعشر سنوات، لكنني لازلت حزينا، لأنني لم أشارك في حرب 73 بنفسي، حتى لو كان مصيري الاستشهاد.

كما أنني أرى أن الأدب حتى الآن لم يعط نصر أكتوبر حقه، وأتمنى لو أكتب رواية بطلها ابن خالتي الفقيد، أعيده فيها من جديد، كي ينتصر مع أبطالنا المنتصرين.