رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الملكية الفكرية.. نهاية الارتباك

تاريخ مصر المرتبك مع الملكية الفكرية، ستنهيه، على الأرجح، أو كما نتوقع، «الاستراتيجية الوطنية»، التى أطلقها الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، صباح أمس، فى احتفالية ضخمة، أقيمت تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السياسى، وبحضور دران تانج، المدير العام لـ«المنظمة العالمية للملكية الفكرية»، التى تم التوقيع على اتفاقية إنشائها سنة ١٩٦٧، وتلخص علاقة مصر بها ذلك التاريخ المرتبك.

تأسست المنظمة، المعروفة اختصارًا باسم «الويبو»، WIPO، بعد ثلاث سنوات من توقيع الاتفاقية، لتكون «المنتدى العالمى للخدمات والسياسة العامة والتعاون والمعلومات»، ولـ«الاضطلاع بدور ريادى فى إرساء نظام دولى متوازن وفعال للملكية الفكرية يشجع الابتكار والإبداع»، ولـ«دعم حماية الملكية الفكرية فى جميع أنحاء العالم عن طريق التعاون بين الدول وبالتعاون مع أى منظمة أخرى حيثما كان ذلك ملائمًا». ولـ«التفاوض بشأن التغييرات والقواعد اللازمة، لمواكبة العالم المتغير». والإشادة تليق بتوجه المنظمة، الحالى، نحو زيادة الإنفاق فى الأنشطة التنموية، ورؤية مديرها العام، التى تهدف إلى تعزيز الوصول إلى أصحاب المصلحة غير التقليديين، لزيادة وعيهم بالملكية الفكرية ودورها فى تحسين حياة المجتمعات.

بعد ثمانى سنوات من توقيع الاتفاقية، وبعد خمس سنوات من تأسيس المنظمة، صدر قرار رئيس الجمهورية رقم ٣٣ لسنة ١٩٧٥، «بشأن الموافقة على اتفاقية إنشاء المنظمة العالمية للملكية الفكرية الموقعة فى ستوكهولم فى ١٤ يوليو سنة ١٩٦٧»، مع التحفظ بشرط التصديق. ومع ذلك، لم تنشر الجريدة الرسمية هذا القرار، أو قرار تصديق رئيس الجمهورية على الاتفاقية، الصادر فى اليوم نفسه، ٧ يناير ١٩٧٥، إلا فى ٢ يناير ١٩٩٧، بموجب قرار وزير الخارجية رقم ٦٢ لسنة ١٩٩٦، الذى كان سببه، غالبًا، هو إنشاء «منظمة التجارة العالمية»، سنة ١٩٩٥، التى أوجبت على الدول الأعضاء الالتزام بحد أدنى من اتفاقية الجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية، «تريبس»، إحدى الاتفاقيات الثمانى والعشرين الملحقة باتفاقية إنشاء المنظمة.

أكثر من ٢٢ سنة، إذن، فصلت بين موافقة مصر وتصديق رئيسها على اتفاقية إنشاء «الويبو»، وبين نشر القرارين فى الجريدة الرسمية. ثم مر ربع قرن آخر، قبل أن يصدر قانون حماية حقوق الملكية الفكرية، القانون رقم ٨٢ لسنة ٢٠٠٢، الذى ألغى، أو حلّ محل، القانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٣٩ بشأن العلامات والبيانات التجارية، والقانون رقم ١٣٢ لسنة ١٩٤٩ بشأن براءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية، والقانون رقم ٣٥٤ لسنة ١٩٥٤ بشأن حماية حق المؤلف. غير أن وجود ثغرات فى القانون الجديد، الذى صار هو القانون الأساسى، أدى إلى وجود مصر بين الدول العشر التى تتذيل «مؤشر الملكية الفكرية الدولى»، برصيد تسع نقاط تقريبًا، فى حين بلغ المتوسط العالمى أكثر من ١٥ نقطة، واقترب المتوسط الإقليمى من ١٤ نقطة.

جزئيًا، تم سد هذه الثغرات بتعديل بعض أحكام قانون ٢٠٠٢ بالقانون ٢٦ لسنة ٢٠١٥، وبالقانون ١٤٤ لسنة ٢٠١٩، و... و... وبالقانون ١٧٨ لسنة ٢٠٢٠، ثم جاء التكليف الرئاسى بتشكيل لجنة لصياغة استراتيجية وطنية متكاملة للملكية الفكرية، ترتبط أهدافها ومحاورها بأجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ٢٠٣٠، والنسخة الوطنية منها، رؤية مصر ٢٠٣٠، وبرنامج الإصلاحات الهيكلية الذى تتبناه دولة ٣٠ يونيو. والإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن أهداف، أو أدوار، «الويبو» تتضمن مساعدة الدول النامية والأقل نموًا على صياغة استراتيجياتها الوطنية، وعلى تلافى المآزق الشائعة. إضافة إلى منهجية المنظمة، المصممة فى إطار جدول أعمالها بشأن التنمية، تقدم، أو المفترض أنها تقدم، توجيهات للمشاركين فى إعداد تلك الاستراتيجيات الوطنية.

.. وتبقى الإشارة إلى أن خمسة فقط شغلوا منصب المدير العام «المنظمة العالمية للملكية الفكرية»، منذ تأسيسها سنة ١٩٧٠: الهولندى جورج بودنهاوسن، الأمريكى أرباد بوجش، السودانى كامل إدريس، الأسترالى فرانسيس جرى، والسنغافورى دران تانج، الذى قال، أمس، فى احتفالية إطلاق استراتيجيتنا الوطنية للملكية الفكرية، إنه يشعر «بعظيم الفخر لإطلاق مصر الاستراتيجية الأولى من نوعها»، مطالبًا كل الوزارات والجهات المعنية بأن تتعاون وتنسق فيما بينها، لتنفيذ هذه الاستراتيجية على أرض الواقع.