رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قبلة على قدم أمى!

 أنا لست مدينا لأمى بدفع أجر إرضاعى.

لا أنا مدين لأمي، ولا أبي مدين لشركات ألبان الأطفال بدفع أي شيء، فقد دأب على دفع الثمن مقدماً وأحيانًا مضاعفًا لكل من كان يأتيه بعلبة من الحليب يسد بها جوع ابنه "الأول" بعد أن شاءت إرادة الله أن تصاب والدتي بـ"حمي النفاس" عقب الولادة مباشرة، ليتم عزلي في غرفة منفصلة، بعيدة عن غرفتها لفترة طالت كثيرًا إلى أن جف لبنها قبل أن أطعمه، ما ألجأ أفراد عائلتي مضطرين إلى إرضاعي صناعياً، كان والدي يطوف جنبات الأرض بحثًا عن علبة حليب "وأقصد بالأرض هنا بلدتنا ومجموعة القرى المجاورة لها"، كانت البلدة لا تزال زراعية ويندر وجود الصيدليات والمحال ومنافذ البيع فيها، فكان يسافر إلى القاهرة ليشتري غذاء ابنه الوحيد الذي رزقه الله به بعد فترة "صبر" امتدت لعشر سنوات أو يزيد، تمسك خلالها بأمي التي أجمع الأطباء على أنها لن تنجب أبداً! ثم أخلف الله ظنونهم وحدثت المعجزة وحملت.
"١١" عملية جراحية أجريت لوالدتي، خلال عشر سنوات، من أجل تشريف جنابي، عدة أمراض مجتمعة أصيبت بها "العظيمة" جراء تلك العمليات وكل ما سبقها أو تبعها من التحاليل والأشعة "ولم تكن إجراءات التعقيم وقتها مثلما هي عليه الآن" امتدت معاناة أمي الصحية حتي يومنا هذا، وما زالت آخذة في التزايد كلما زاد عمرها، أطال الله لنا في عمر والدي وعمرها وخفف من آلامها. أرضعتني جدتي من النوق، والأبقار والجاموس والماعز، وكان جميعها متوافرا وبكثرة في حظيرة بيت جدي، أرضعتني ألبان حيوانات أخري لا داعي الآن لذكرها، وهنا سأتوقف قليلاً لأتوجه بالشكر لله أولاً، ثم لجدتي "يرحمها الله"، التي تعبت كثيرًا من أجلي، ورعتني أثناء فترة مرض أمي وكانت  تخشي عليّ من الحسد، وخوفها من الحسد هذا كان يدفعها في كثير من الأحيان للإصغاء إلى نصائح كل من تسدي إليها نصيحة يكون من شأنها إبعاد العين عني، تنفذ منها ما تستطيعهو وما لم تستطعه تتركه، من بين ما تركته من النصائح "مجبرة" هو اختيار اسم غريب لي "علشان أعيش"، فرفض والدي الفكرة تماما وعارضها، واختار لي اسم الحسين تيمناً بمولانا الإمام الحسين حفيد سيدنا رسول الله "ص" وخيرًا فعل والدي، وله الشكر بعد الله على ما فعل!
نعود لموضوع الرضاعة، وتبقي لي الآن كلمة لا بد أن أقولها...  
إذا كان هناك فائدة واحدة من كل هذا الهري الدائر بشأن إلزام الزوج بأشياء، وما ليست به الزوجة ملزمة، فسوف تكون الفائدة الوحيدة هي تذكيرنا بتقديم الشكر لأمهاتنا على كل ما قدمنه لنا وكل ما عانينه من أجلنا، صحيح أنا غير مدين لأمي بأجر إرضاعي، ولكني مدين لها بما هو أكثر، مدين لها بكل ما أنا عليه الآن من ستر، وكل ما أنا فيه من عافية، وكل ما يحفني من نعمة، وما أفاء الله به عليَّ من فضل بفضل دعائها، ولو قبلت قدميها في كل يوم ألف مرة لما وفيتها بعضًا من حقوقها، وما أنزلتها منزلتها، بارك لنا الله في عمر أمهاتنا وكافأهن وآباءنا على كل ما قدموه لنا.