رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نساء يحبطن البنات والنساء

إن من أسوأ الأمور التى يمكن أن تحدث فى مسيرة المرأة فى بلدنا أن تكون المرأة ضد المرأة، وأن تقف المرأة ضد حقوق المرأة أو ضد كرامتها أو أن تتصدى للتقليل من شأنها، ومن قدراتها. وهذا حدث وما زال يحدث، لكن المشكلة الآن أن المرأة تقف ضد المرأة علنًا على مواقع التواصل الاجتماعى وفى الإعلام وعلى النت، فى زمن أصبحت مواقع التواصل الاجتماعى ووسائل الاتصال تنقل الأخبار والآراء بسرعة صاروخية فى أى مكان من العالم، وإلى أى مكان، كما تنتقل معها الأفكار والصور من مكان لآخر ومن بلد لآخر فى نفس اللحظة. 

 والمؤسف أن هناك واقعتين حدثتا مؤخرًا أريد أن أتوقف عندهما بشكل خاص؛ لأنهما جاءتا من سيدتين مصريتين متعلمتين وتعملان فى وظائف ذات شأن وفى أماكن مهمة، وهما من غير فئة الأميات اللاتى لم يتلقين تعليمًا فى صغرهن، وإنهما تروجان لفكر أصولى ورجعى يسعى للتقليل من شأن المرأة فى مواجهة الرجل، وأرى أنه يدعو للإحباط والدونية فى مواجهة الرجل، خاصة لدى البنات أو الشابات اللاتى يحلمن بالتفوق فى تعليمهن ويحلمن بتقلد عمل محترم أو مهنة شريفة أو يحلمن بتفوق فى العمل والحياة العملية، ويحلمن أيضًا فى نفس الوقت بالزواج والسعادة مع الزوج،  كما يحلمن بالمساواة والعدالة واحترام الرجل لهن، وتكوين أسرة سعيدة.

 والغريب أن السيدتين نشرتا رأيهما بكل فخر على مواقع التواصل الاجتماعى وأثارتا جدلًا لدى الرأى العام فى مصر، وأكثره استياء وغضب من كلامهما المعلن دون مراعاة لتأثيره المحبط على الشابات المقبلات على الحياة والزواج. وبدلًا من تشجيع البنات والشابات على التعليم والتفوق والعمل والتميز، فإنهما تقدمان لهن روشتة مليئة بعبارات الذل والانكسار فى مواجهة الرجل، وهما تحاولان النيل من حقوق ناضلنا وكافحنا من أجل الحصول عليها للمرأة لتحقيق العدالة والمساواة لها مع الرجل، ولتمكين المرأة والفتاة لتكون شريكًا للرجل فى بناء وتقدم الوطن.

 كما سبق لى فى عدة مقالات أن كتبت مطالبةً باحترام البنت منذ صغرها فى بيت والدها ووالدتها، وبصون كرامة البنت لتكون معاملتها بعدالة مثلها مثل أخيها، كما تصديت أنا وغيرى من المدافعات عن حقوق المرأة لممارسات ظالمة وخطيرة وضارة بالبنات والفساد، وما زلنا نواصل التصدى لها ووقف العنف والتشدد والتطرف باسم الدين ضدها.

 وكان الطريق طويلًا وشاقًا لنا نحن الذين تصدينا للكثير من الممارسات الضارة بالمرأة واستطعنا أن نصل إلى تغيير القوانين من خلال القيادة السياسية ومن خلال البرلمان، وما زلنا نكافح لتحسين أحوالها المعيشية وإصدار تشريعات أكثر عدلًا لها وسن قوانين تصون حقوقها، وما زلنا نسعى من أجل دعم تقدمها وتحسين أحوالها.. وكنت أنا شخصيًا منذ بدأت مشوارى مع الكتابة والقلم من أشد المدافعات عن حقوق المرأة وصون كرامتها وتحسين أحوالها المعيشية كبنت وكأخت وكزوجة وكامرأة  مصرية من حقها أن تعيش فى مجتمع يصون حقوقها وحريتها وكرامتها، وبما يكفل لها الاحترام وتحقيق الذات والحماية والأمن والاستقرار فى حياتها، وأتوقف عند العبارات التى استفزتنى من السيدتين.. فأولاهما هى الدكتورة باكيناز زيدان، وهى أستاذة جامعية بكلية الهندسة بجامعة طنطا، التى دونت كلمات عبر حسابها الشخصى على مواقع التواصل الاجتماعى، حيث قالت: «أنا أستاذة جامعية مرموقة مسلمة معتدلة ومستنيرة، لا يخجلنى أن أعترف علنًا بمحبة وعن اقتناع بأن التراب اللى بينزل من جزمة زوجى على دماغى من فوق، وإنى من غيره ماسواش قشرة بصلة مش بصلة بحالها، وإنى ما أقدرش أكسر كلامه حبًا أو إذعانًا فى حضوره أو فى غيابه كزوجة مسلمة مُطالبة بطاعة الزوج»، وتابعت: «عمرى ما اتعاملت معاه بندية ولا أرهقته بطلبات مادية ولا اتخيلت حياتى لحظة واحدة من غيره رغم شخصيتى القوية.. وعمرى ما كنت مهتمة بقضايا المساواة بين الرجل  والمرأة، مش بس كده أنا قبل ما أدخل شقتى بقلع كل الألقاب والشهادات بتاعتى على باب الشقة وببقى جوه البيت الست أمينة وهو سى السيد بكل رضا ومحبة، ويا رب يكون راضى عنى فعلًا بعد كل ده ويكون رضاه سبب دخولى الجنة».

 أما السيدة الثانية فهى د. شيرين غالب، وهى طبيبة تطالب البنات عبر مواقع التواصل الاجتماعى بعدم ممارسة الطب «لأن هناك مليون طبيب بره هيعالج»، ووضعت البيت فى كفة والطب فى كفة أخرى، ناصحة البنات بعدم ممارسة الطب لأنه سيأتى على حساب البيت، وبدلًا من أن تنصح الشابات بكيفية التنظيم بين البيت والعمل فإنها تنصحهن بعدم مزاولة الطب لأن هناك رجالًا سيعالجون المرضى.

 ولقد أثبتت كل منهما أنهما تنتميان لتيار يدعو لإذعان المرأة وعدم الاجتهاد فى الجمع بين العمل والبيت، والإذعان للرجل لأنه باب لدخول الجنة، ونسيت كل منهما أن الإسلام قد كرّم المرأة وأن الزواج يقوم على الرحمة والمودة. إلى هنا انتهى كلام هاتين السيدتين اللتين أرى أنهما تنتميان لتيار التطرف والتشدد دون أن تفصحا عن ذلك، أما المهندسة «باكيناز» فإنها تنتمى فى تقديرى لتيار عنوانه «إذعان المرأة المصرية فى مواجهة الزوج»، وهى تقدم روشتة فى كيفية إذلال الزوجة لنفسها أمام زوجها وتريد إعادة المرأة المصرية إلى عصر «سى السيد» الذى صوره أستاذنا الراحل أديب نوبل المصرى العالمى نجيب محفوظ فى ثلاثيته الشهيرة. ورأينا ذلك فى فيلم «بين القصرين»، حيث كان يقوم بدور سى السيد الفنان الراحل يحيى شاهين، وتقوم بدور الست أمينة الفنانة الراحلة آمال زايد، ليقدم لنا أحداث عصر يصور الحياة الاجتماعية فى مصر فى بدايات  القرن العشرين وفى العشرينيات من القرن الماضى، وهو عصر كانت تعانى فيه المرأة من الإذعان للرجل، وكانت  تخضع فيه لسلطة مطلقة من الأب ثم الزوج، ولا حقوق لها مع أى منهما إذ كان عصرًا بلا حقوق وبلا كرامة للمرأة المصرية، والذى بدأت معه المرأة المصرية بعدها تتنبه إلى أنها إنسان له حقوق وكرامة، وبدأ مشوار نضال طويل وشاق ملىء بالصعاب والتحديات لتحسين أحوال البنت والمرأة المصرية.

 ومن المؤكد أننا الآن، وبعد تحقيق الكثير من المكتسبات والحقوق، فى عهد قيادة سياسية ترعى وتدعم كيان المرأة المصرية، ففى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى أصبح لدينا عدد من الوزيرات والمحافظات والقاضيات، وتم إعلان عام للمرأة المصرية، وهو ٢٠١٧، لتبدأ بعده سلسلة من السياسات المستنيرة لتمكين المرأة ودعمها وبرامج حماية للأكثر احتياجًا، وبرامج لتمكينها، وتشديد لبعض القوانين الخاصة بحمايتها. والرئيس يوجّه شخصيًا مرارًا وتكرارًا فى خطبه وكلماته لاحترام المرأة ورعاية حقوقها، ويضيف مكتسبات جديدة فى عيد المرأة المصرية فى كل عام، ويكرم رائدات وأمهات وزوجات الشهداء. 

 وفى تقديرى أننا لا بد من أن نتصدى لمثل هذه الدعوات الرجعية الصادرة من نساء ضد النساء، وضد حركة تقدمهن فى بلدنا، وما زال أيضًا أمامنا طريق طويل لإضافة مكتسبات جديدة للنساء والبنات، ولإصدار قانون جديد للأحوال الشخصية أكثر كرامة للمرأة والطفل. وما زال علينا بذل جهود كثيرة للقضاء على الكثير من الممارسات الضارة بالمرأة والبنت، ولتحسين أحوال نساء مصر، ولضمان حمايتهن من كل صور العنف والقهر والظلم، وصولًا إلى المساواة والعدالة والكرامة الكاملة دون انتقاص فى أى من هذه الأمور الثلاثة.