رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فن صناعة الفتن الطائفية!

ذهبت التيارات الإسلامية المتشددة إلى الجحيم، انكشفت أهواؤها البعيدة عن الدين وحوصرت وسقطت بالفعل، لكن بقيت فلولها التي من العسير إحكام القبضة عليها سريعا لأنها ذائبة في تلافيف وطن كبير، الأجهزة تحاول بجدية، ولكن الناس لا يتعاونون لأنهم إما خائفون وإما متنصلون من المسؤولية، وما كان يصح أن يخافوا إلا من الإرهاب، لا الأجهزة الوطنية، وما كان يصح تنصلهم فعدم الحفاظ على البلاد والعباد خيانة لا ريب فيها! 
فلول الإسلاميين المتطرفين لا تستطيع العمل على الأرض مباشرة لأن الرقابة صارمة؛ ولذا قررت العمل بصورة غير مباشرة فيما يبدو، أعني من خلال صناعة الفتن الطائفية، وقد أجادت هذا الفن القاتم المرعب، أجادته لأنها اعتمدت على ثغرتين واسعتين، نفذت منهما إلى مرادها الحقير، هما موروث الكراهية والعداء (فيما بين الناس والناس) وموروث فقدان الثقة (فيما بين الناس والحكومة).. وإذا كان الإعلان عن المحبة التي تجمع المسيحيين بالمسلمين صحيحا وصادقا؛ فإن الحكمة كانت تقتضي أن يتزامن مع هذا الإعلان المستمر حوار جاد حول المشكلات التقليدية التي بين العنصرين، المشكلات التاريخية والاجتماعية والقانونية، ليس هذا الموضوع موضوعنا الآن، لكنني أردت إثبات النقص الذي عرى إعلان المحبة، وما يزال يعروه، والذي منه نفذ الإرهابيون إلى واقعنا من خلال آخرين!
وإذا كانت الحكومة تبذل قصارى جهدها لتوفر للمواطنين خدماتهم الضرورية، وهم من جانبهم يبدون امتنانا ما، إلا أنها، على خط مواز، كان يجب ألا ترفع الأسعار بصورة مبالغ فيها، وألا تترك حالتها الخدمية على وضع واحد بلا تجويد ولا تيسير، وكان على الناس، قبل انتقاد الحكومة بحدة بالغة، أن يفعلوا شيئا ذا قيمة يساعد على تجنب الصدام السرمدي؛ كتبني سلوك راق منظم في التعامل مع المكاتب والموظفين، وكتخفيف الإنجاب، ابتداء، فذلك ما يهلك كل إنجاز إذ يسبب  زيادة عددية لا طاقة لحكومتنا بها فميزانياتها محدودة بالرغم من الاجتهاد..
لقد احترقت كنيسة، بالأمس القريب، وكان الطبيعي أن يسارع الجميع إلى إطفاء النيران المشتعلة، وأن يواسوا المبتلين بالفقد، وأن يدعموا المصابين.. وقد جرى شيء كثير من هذا للأمانة، ولا غرو فهذه أخلاقنا المصرية المعتادة، ولكن في الوقت نفسه ظهرت شماتة غريبة على مجتمعنا، وإن لم تعد غريبة من فرط تكرارها للأسف، كما جرى تشكيك سريع في البيانات الحكومية بشأن هذا الحريق، وما تلاه من حرائق، تشكيك وصل إلى حد السخرية اللاذعة، وإن كان من حق الناس أن يغضبوا ويسعوا إلى معرفة الحقيقة، فإنه من المريب أن ينفصلوا عن قيادتهم قطعيا هكذا، وهو ما يشير إلى شخوص متخفين يديرون الأحداث ويتحكمون في العقول، وليسوا غالبا سوى الفلوليين الذين بدأت بهم المقال، أو أمثالهم ممن يريدون الانتقام من البلد وأهله!

[email protected]