رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

متهم بقراءة كتاب مهم!

المتهم هو فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، الذى كان عائدًا من رحلة علاج فى ألمانيا، واستوقف البعض أنه يضع إلى جواره كتاب «أفول الغرب»، فنشطت لديهم غدة «الهبد»، لدرجة أن أحدهم كتب: «الغرب لو أفل يا مولانا مش حاتلاقى علاج ولا أدوية غير الحبة السوداء وبول البعير»!

الكتاب الصادر عن المركز الثقافى العربى، بالمغرب، سنة ٢٠١٨، لا ينقد الغرب، ولا يتوقع أفوله أو تراجعه، من نظرة معادية، بل يقوم على المرجعيات الفكرية والأدبية والقيمية التى أقام عليها الغرب نهضته وبسط بها نفوذه على العالم، منطلقًا من الدورة الخلدونية، دورة عبدالرحمن بن خلدون، التى يمكن تلخيصها فى أن التاريخ يشهد حركات انتقال مستمرة من البداوة إلى الحضارة، والعكس، وأن الحضارات حين تبلغ ذروتها، تبدأ فى التراجع، وتبنى حضارات أخرى على أنقاضها، ومنجزاتها، أسس نهضتها، وتعيد الدورة نفسها.

بعد أفول الغرب، وتراجعه عن القيادة، أو الهيمنة، يتوقع حسن أوريد، مؤلف الكتاب، عالمًا جديدًا تعود فيه الحرب الباردة دون أيديولوجيات ودون سباق تسلح، مع تغيرات عميقة فى تراتبية الثروة، وتفوق اقتصادات الدول الناهضة على اقتصادات الدول السبع الكبرى. لافتًا إلى أن ذلك قد يحمل سيناريوهات خطيرة، أو كارثية، للعالم العربى، بحكم الجوار الجغرافى، والإرث التاريخى، والتداخل الاجتماعى، أبرزها أن تشهد دول عربية عديدة، خاصة المرتبطة بالغرب، تاريخيًا وثقافيًا ووجدانيًا، اضطرابات عنيفة يمكن أن تمتد لعقود. ما يعنى، ببساطة، أن الأسوأ قادم إذا لم يستوعب العالم العربى التحولات الجارية فى العالم.

هذا هو المتوقع، أو ما قد يحدث مستقبلًا، أما عن الحاضر، فيرى الكاتب أن الأزمة البنيوية، التى يعيشها العالم الغربى حاليًا، هى التى جعلت سياساته تجاه العالم العربى غير مستقرة، مترددة، متأرجحة ولا تخضع لمعاييره، لأن النخب العربية، خلال مرحلة ما بعد الاستعمار، ظلت مرتبطة بالمستعمر، بكسر الميم الثانية، اقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا، وبالتالى صار العالم العربى هو الساحة التى يعبر فيها الغرب عن تفوقه، مع حضور لا وعى تاريخى مشحون بمحطات الصدام العديدة بين العالمين. كما يشير إلى أن ما يوصف بـ«الإسلاموفوبيا»، أو الخوف المفرط من الإسلام والمسلمين، نتج عن أزمات غربية داخلية، كفشل سياسات الهجرة والإدماج. ثم يُجزم بأن الرأسمالية أجهزت على القيم المسيحية، وضربت بالتوافق التاريخى، الذى كان بينهما، عرض الحائط وجعلت منه سلعة، كما فعلت مع التربية، والصحة و... و... والديمقراطية. 

الديمقراطية الغربية، كما يؤكد «أوريد»، باتت فى مهب الريح، أو السوق، لكون الرأسمالية المالية هدفها الربح وليس المصلحة العامة، وينقل عن بنيامين باربر «إذا كانت الديمقراطية تحت السوق فإن السوق لا تحب الديمقراطية»، موضحًا أن الرأسمالية ترى فى الدولة عائقًا أمامها، والديمقراطية لا تقوم إلا فى إطار الدولة. وانطلاقًا من مقولة نعوم تشومسكى، بأن النظام الاقتصادى الغربى الحالى، بات يغلِّب الربح على الإنسان، بل ضد الإنسان، يوضح أوريد أن عقيدة الاقتصاد الغربى، قامت على ثلاثة مبادئ: التقشف فى النفقات العامة، خصخصة القطاع العام، وتحرير التجارة، مؤكدًا أن هذه المبادئ كان لها ما يبررها فى البداية، لكنها حين صارت هدفًا فى حد ذاتها أدت إلى نتائج عكسية فى العديد من الحالات أو الدول. 

.. وتبقى الإشارة إلى أن حسن أوريد، المولود فى ٢٤ ديسمبر ١٩٦٢، كاتب وروائى وشاعر وأكاديمى مغربى، عمل أستاذًا للعلوم السياسية فى المدرسة الوطنية للإدارة وكلية الحقوق بالرباط، ومستشارًا لسفارة بلاده فى واشنطن، وكان المتحدث الرسمى باسم القصر الملكى منذ يوليو ١٩٩٩ إلى يونيو ٢٠٠٥، وله عدة كتب، أبرزها «الإسلام والغرب والعولمة»، «مرآة الغرب المنكسرة»، «مأزق الإسلام السياسى»، بالإضافة إلى أربع روايات: الحديث والشجن، الموريسكى، صبوة فى خريف العمر، وسيرة حمار، وأربعة دواوين شعر: يوميات مصطاف، فيروز المحيط، زفرة الموريسكى، وصرخة تينهينان.