رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الريادة والزيادة وأوجه الاستفادة!

 أحياناً تلجئنا الظروف إلى تناول الأدوية، قد يكون الدواء مرًا، ولكننا مجبرون عليه، إذ إن فيه شفاءنا، يقول الأطباء والصيادلة إن أسهل طريقة "لابتلاع" الدواء المر هي مزجه بمشروب حلو، هذا هو رأي الأطباء وأنا أحترمه وأحترمهم وإن كنت أختلف معهم وأقول إن أسلم طريقة هي المواجهة بالحقيقة، ومصارحة المريض بالحالة وإقناعه بتجرع الدواء حتى وإن لم يعجبه، قبل أن يتحول العرض إلى مرض! 
الزيادة المرتقبة لأسعار تذاكر القطارات والمترو (وخلينا نركز على المترو) هي بمثابة الدواء المر، الذي نحن مجبرون عليه من أجل الحفاظ على سلامة المرفق، وقد أصبح اليوم هو الوسيلة الأهم والأنفع والآمنة والأسرع في نقل وانتقال المواطنين داخل نطاق محافظات القاهرة الكبري، (٣٥) عامًا هي عمر مترو الأنفاق في بلدنا، ومثلما كان لمصر السبق في مجال السكك الحديدية، وكانت هي الدولة الثانية التي يعرف أهلها القطارات "بعد بريطانيا"، كانت لها "الريادة" في مجال الانتقال عبر الأنفاق، وكان مترو أنفاق القاهرة هو الأول من نوعه في الوطن العربي والشرق الأوسط وإفريقيا بأكملها، قد لا يعلم البعض أن فكرة إنشاء المترو، بدأت في ثلاثينيات القرن الماضي"إبان حكم الملك فؤاد" والذي لم يكن مستوعبًا بالأساس إمكانية انتقال الناس من مكان إلى آخر باستخدام مجموعة من العربات الحديدية المتصلة عبر اختراق الأنفاق، الأمر الذي دفعه إلى استهجانها وعدم تصديقها وإهمالها حتى توفاه الله سنة ١٩٣٦، وجاء من بعده فاروق، فسار على درب أبيه "وكبّر دماغه ع الآخر" وقال قطر إيه ده اللي هيمشي تحت الأرض؟ وإزاي هيمشي جوا الأرض؟ لم يلق للفكرة بالًا وظلت حبيسة الأدراج إلى أن رحل فاروق عن مصر عقب ثورة (٥٢). في عهد الزعيم عبدالناصر، خرجت الأوراق من الأدراج، وأعيدت دراستها من جديد وتعاقد "الريّس جمال" في سنة ١٩٧٠ مع بيت الخبرة الفرنسي "سوفريتو" لكي يقوم بالتنفيذ، ولكن القدر لم يمهله ورحل في العام نفسه إلى رحاب ربه،  في عام ١٩٧٣ صدّق الرئيس السادات على قرار إنشاء هيئة المترو، ثم قامت حرب أكتوبر فتعطل المشروع من جديد نظرًا لظروف الحرب! انتهت الحرب وانتصرنا، فاستأنف العمل بلا توقف إلى أن أنجز المشروع، وتم افتتاحه وتشغيله في سنة ١٩٨٧ في عهد الرئيس مبارك الله يرحمه ويغفر له، ويرحمهم جميعًا ويغفر لهم  ... كانت السطور السابقة هي نبذة مختصرة أو حديث مقتضب عن مترو أنفاق القاهرة، أحد أهم المرافق الحيوية في حياة المصريين أصحاب المترو وملاّكه، وواجب على كل إنسان الحفاظ على ما يملكه، فهل سنحافظ على المترو؟ 
لو أعملنا مجموعة القوى الإدراكية التي أودعها الله داخل جمجمة كل فرد فينا "واسمها العقل" لفهمنا أن كل آلة أو أداة أو منشأة أو معدة، لا بد أن تجري لها صيانة دورية من أجل الحفاظ على سلامتها ورفع كفاءتها والوقوف على جاهزيتها لكي تقوم بعملها على الوجه الصحيح أو الأمثل! الصيانة يلزمها إنفاق، والإنفاق يتطلب موارد، فمن أين نأتي بالموارد؟ هل ستتكفل الدولة بتوفير الموارد؟! على بركة الله، فلتتكفل الدولة وحدها، وتقم بمفردها بالإنفاق على عملية الصيانة إذا كان لديها فائض، "طيب وإذا كانت الدولة ما عندهاش فائض" يبقي العمل إيه؟ هل سنترك المرفق بلا صيانة إلى أن يتعطل أو لا قدّر الله يخرب؟ وهل سيكون في تعطله أي فائدة لأحد؟! بالطبع لا  .. لقد تكفلت الدولة لسنوات طوال، وما زالت تتكفل، وستظل تتكفل "حتي بعد إقرار الزيادة" بتقديم الخدمة للمواطنين بأقل من سعر تشغيلها، لعلمها الكامل بأن مترو الأنفاق هو مرفق خدمي لا يهدف إلى الربح، ولكن لا بد لنا أن نتكاتف من أجل أن يتواصل العمل ويستمر، فلا بأس إذًا من الزيادة حتى تعم الاستفادة ونحتفظ بالريادة، ودمتم كرامًا يا سادة... 

  • حفظ الله مصر