رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نجلاء علام: بيني وبين الكتابة عمار كبير.. ونعيش عصر التشتت (حوار)

نجلاء علام
نجلاء علام

كان لظهورها المدهش في 1999 ومن خلال مجموعتها القصصية "أفيال صغيرة لم تمت بعد" بشرى بميلاد موهبة جديدة في القص والرواية تتفرد بها الكاتبة نجلاء علام، كما ذكر الكثير من النقاد كان آخرهم الراحل د.شاكر عبد الحميد.

علام تكتب للأطفال وصدر لها أكثر من 30 عملا للفتيان، إضافة إلى تلك السرود الفاتنة فيما هو مرتبط بسحر الحكاية وتقنيات اللغة والبناء الجمالي، هذا ما ميز نجلاء التي أصدرت منذ أيام 3 كتب للأطفال وكان من قبلهم مجموعة قصصية هي الرابعة بعنوان "سيرة القلب" نجلاء وبعد أكثر من ربع قرن مع السرد المتنوع لم تزل تخش الإختلاط لتفضل التلاقي في عالم السوشيال ميديا وكأنها خاصمت الوسط الثقافي الإبداعي وحتى فيما يخص الجوائز فهى التى لم تسعى لشيء إلا إمتاع القارئ والناقد معاً حيث عوالمها الفاتنة التي دعتنا لمحاورتها لتتحدث عن إحتجابها وعلاقتها بالجوائز والنقد والكثير من هموم الكتابة والحياة والعيش.

◘ بداية.. لماذا كثرة الغياب للكاتبة نجلاء علام؟!

إذا كنت تقصد بالغياب عدم التواجد في الوسط الأدبي، من حيث حضور الندوات أو المنتديات، فنحن جميعا غبنا بسبب جائحة كورونا، وأيضا لتغير الصورة النمطية للتواجد وتبادل الخبرات في الوسط الأدبي، الآن أنت وأنا ومعظم الكُتّاب نجلس على مقهى الفيسبوك، ونحضر منتدى الإنستجرام، ولم يعد مطلوبا التواجد بشكل فعلي، كل شيء أصبح رقمي بشكل مبالغ فيه، أما إذا كنت تقصد بالغياب العزوف عن الكتابة، فذلك لم يحدث أبدًا، بيني وبين الكتابة عمار كبير، تجعلها تحثني على الاستمرار كلما تقاعست.

هل اختلفت رؤيتك للكتابة عن البدايات؟ 

اختلفت كثيرا، بوصلة الرؤية واتجاهها ومساحتها المتاحة من المشهد مرتبطة بالخبرات الحياتية، وتعدد القراءات وعمق النفس، رحلتي مع الكتابة مرت بمراحل متعددة،في البداية كنت أرى أن الكتابة هي طوق النجاة الذي ينقذنا من الفناء ويجعلنا نترك أثرا في الحياة، ثم اكتشفت أن الكتابة هي الباقية لا أنا، ومن ثم حاولت أن أوظف الكتابة لصالح آرائي وقضايا مجتمعي، ثم اكتشفت أن ثوبها أوسع بكثير، وبعدها حاولت أن أجعلها صدى الصوت الإنساني، ثم اكتشفت أنها الأصل لا الصدى!

منذ صدور مجموعتي الأولى "أفيال صغيرة لم تمت بعد!" 1996، وحتى آخر كتبي والذي صدر منذ أسابيع، مرورا بروايتي الأولى "نصف عين"، ومجموعتي الثانية "روح تحوم آتية"، وروايتي الثانية " الخروج إلى النهار" ثم مجموعتي القصصية الثالثة "سيرة القلب"، وبينهم خمسة وعشرون كتابًا للأطفال، ودراسات وكتب نقدية حول مجلات الأطفال، والعديد من الأبحاث، كلها اعتبرها محاولات مختلفة للإجابة عن سؤالك. 

هل تعد الكتابة للأطفال أكثر دهشة ومتعة من الكتابة للكبار؟ 

منبع الكتابة واحد، ولكن يختلف الوسيط وكذلك المتلقي، في الكتابة للكبار أنت تُسِرُ لصديق، أما في الكتابة للأطفال فأنت تحكي لأولادك، والإثنان يتفقان في الفكرة والشخصيات والحدث والبناء الدرامي لكنهما يختلفان في اللغة والغاية.

فالكتابة للأطفال تحمل من الصعوبة قدر ما تحمل من المتعة، لأنها تمرين مستمر على التكثيف وتوظيف اللفظ والتقاط الفكرة ورحابة الخيال، هذا بالإضافة أنك تخاطب من خلالها كائنًا ملولًا بطبيعته، فإذا لم يكن لديك القدرة على استدراجه لعالمك والتحكم في مشاعره وانفعالاته فمحكوم على كتاباتك بالفشل، ولذا على كاتب الأطفال أن يتصف بالمرونة الكافية، وحسن إدارة أدواته الفنية، وأيضا عليه أن يطور من نظرته للحياة كي تصبح أكثر احتواءً وعمقا. 

حدثينا عن صدى ما تكتبين من سرد وعلاقته بالنقد؟ 

لا تشكو كتابتي حالها مع النقد والنقاد، بل بالعكس حظيت كتبي باهتمام نقدي أعتز به، فقد كتب عني الناقد الكبير د. صبري حافظ، والناقد الكبير إبراهيم فتحي "رحمه الله" والناقد الكبير محمد عبد المطلب، والناقد الكبير د. رمضان بسطاويسي، والناقد الكبير د. سيد البحرواي "رحمه الله"، والناقد الكبير جورج جحا "رحمه الله"، كما كتب عني الكاتب الكبير علاء الديب "رحمه الله"، والناقد المبدع د. محمد السيد إسماعيل، والناقد المبدع صبري قنديل، والكاتب المبدع سيد الوكيل، والناقد المبدع د. محمد سليم شوشة، والناقد الكبير شوقي عبد الحميد، والناقدة المبدعة د. زينب العسال، والناقد المبدع طارق حسان، والكاتب المبدع محمد عبد الحافظ ناصف، وغيرهم ممن شرفوني بالكتابة عن إبداعي. 

كما تم تناول مجموعاتي القصصية من خلال رسائل علمية منها رسالة الماجستير للباحث عماد مطاوع، والباحث عامر التركي. 

بعد كل هذه الانجازات أين أنت من الجوائز؟ 

كانت الجوائزمنذ فترة طويلة، تُعد بابا واسعا لاكتشاف الموهوبين، والحرث للبحث عن طرق جديدة وأصوات مختلفة، سبق أن فزت بجائزة محمود تيمور وجائزة أخبار الأدب وجائزة الهيئة العامة لقصور الثقافة وجائزة سعاد الصباح في تسعينيات القرن الماضي وكانت حافزا كبيرا لي، أما الآن فأعتقد أن الجوائز تسببت في غلق منافذ التجريب في الكتابة العربية، وعملت على تنميط شكل ومحتوى الكتابة، وطبعا مُحابة الجوائز لنوع أدبي مثل الرواية، ساعد في رواجها دون الأجناس الأخرى إلى حد ما، وطبعا بعض الجوائز بعيدة عن الموضوعية، ولكن مازلت هناك جوائز قيمة، لأنها لا تكتسب قيمتها من العائد المادي لها، ولكنها تكتسب قيمتها من موضوعيتها.

في ظل هذا العصر الذي نحياه، كيف ترين مستقبل الكتابة وخاصة بعد تفشي الأوبئة مثل كورونا، واشتعال الحروب؟ 

في اعتقادي أن تفشي الأوبئة والجوائح والحروب التي نشهدهها الآن، لن ينهي الحياة على كوكب الأرض، لدى الجنس البشري فرصة للاستمرار، إذا أدرك الإنسان  على هذا الكوكب قيمة وجوده، جميعنا نعيش على هذا الكوكب .. جميعنا كأسنان المشط متساون، ولا فرق بين عالم أول وعالم ثالث، فالدول الغنية تعيش لأن الدول الفقيرة موجودة، فإذا محيت ستمحى الدول الغنية أيضا، ربما تكون الفرصة الأخيرة لاستيعاب الدرس. 

أما الكتابة فأعتقد أنها تعكس وترصد روح كل عصر مرت به، وطريقة تفكير الإنسان في هذا العصر، والخريطة النفسية له، والخصائص المميزة للسلوكيات الجماعية، وبالنسبة لعصر ما بعد الكورونا واسمح لي أن اطلق عليه "عصر التشتت" لأن التشتت هو نتاج طبيعي للمعرفة، الجاهل لا يتشتت لأنه ليس لديه اختيارات وبدائل، ولا يملك أسئلة جديدة يلقيها إلى بحر المعرفة، والكتابة تستطيع أن تقوم بهذا الدور، فهي تقرب الإنسان من ذاته، وتطرح البدائل والتساؤلات.

فالكتابة هي القادرة على احتواء الذات في عصر الاغتراب، فالإنسان يشعر بالاغتراب حين ينظر لكل ما يحيط به، ولا يستطيع أن يحتويه داخل ذاته ويعيد انتاجه والتماس معه من زواية هذه الذات، فمعرفة الذات هي المفتاح للتواصل مع العالم. 

ما موقفك من الجيتوهات الثقافية؟ 

أنا منضمة لأكبر جيتو في التاريخ الإنساني، وهو يضم ملايين من الشغيلة، يصحون مع الفجر ويعملون بدأب وإخلاص واجتهاد وصبر دون ملل، وهؤلاء سبب استمرار الحياة على كوكب الأرض، ولا ألتفت لأي جيتو آخر.