رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من يجرؤ للإساءة إلى وطنه وهو خارجه؟!

فى السبعينيات من القرن المنصرم؛ وبطلب من الحكومة العراقية، كان أول توافد للكفاءات المصرية إلى العراق للمساهمة فى إنجاز المشاريع التنموية التى بدأت بالشروع فى العراق، وهذا أول احتكاك حقيقى بين شعب «الكنانة» وشعب «الرافدين»، بعد أن كانت ثقافة مصر تعبر المسافات لتصل إلينا من خلال الكتاب والقلم والمسرح والتليفزيون، فكان العراقى يعرف المصرى ويعلم عنه الشىء الكثير..... وفى تلك الحقبة جاءت زيارة الرئيس المصرى الراحل أنور السادات لتل أبيب التى أحدثت ضد مصر فى حينها ضجة سياسية وإعلامية كبيرة من قبل أغلب الحكومات العربية ومنها العراق، ومن محبتنا وتقديرنا لشعب الحضارات «مصر»، كنا تواقين للكلام مع ضيوفنا المصريين ونستأنس معهم بطيب كلامهم وعلو ثقافتهم وإدراكهم لما يدور حولهم، فيأخذنا الفضول فى بعض الأحيان للاستقصاء عن مدى تأثرهم بزيارة الرئيس السادات ورد فعلهم تجاه زيارة رئيسهم، فكان كل الكلام مسموحًا به عن مصر، وكرم مصر وأهلها إلا الحديث عن الرئيس السادات وسياسات مصر، فنلاحظ تعذرهم ومغادرتهم مجلسنا... نعم كان المصرى وهو (مصرى أصيل) لا يسمح لأحد أن يمس وطنه وإن كان هو «خارجه» وإن تناقض مع أفكار ساسته لأنه يعتبر أى كلام عن وطنه هو مساس بكرامته، ولن يجامل فى هذا حتى وإن كان يعمل فى هذا البلد أو ذاك، فإنه يحمل فى ذاته سمعة وطنه، وهذا طبعًا طبع المصرى العربى الأصيل، (وكما نحن فعلنا عندما قررنا السفر خارج بلدنا فإننا حملنا وطننا بأعيننا وكان من يقترب بالإساءة لوطننا يلاقى هجرنا أو كلامًا لا يسره).

وشاهد كلامى.... أننى حقًا أتعجب فى هذا الزمان من بعض الإعلاميين المصريين الذين هجروا وطنهم، ليلتحقوا بركب يريد أن تصبح مصر ضيعة صغيرة لا حول لها ولا قوة إلا فى تتبع أفكار عفا عليها الزمن، فغادرها المفكرين لتنحصر فى زاوية فكر عقيم يتطلع لعبور حدود الوطن بعصا تحمل جسمه الهزيل، متمنيًا حلمًا يكون كابوسًا على أبناء وطنه وهو بذلك سعيد، فتكون بذلك مصر ممتدة بأجنحة متشعبة تهدر من خلالها الوقت والمال والمراهنة والاستهانة بأرواح المواطنين.

فرق كبير بين مواطن بسيط لا يرضى أن يكون وطنه يأكل بعضه بعضًا وينهش جسده إعلام خبيث بغيض، وبين إعلاميين يحسبون أنهم يفهمون ما يدور حولهم، فيقدمون أنفسهم بكل مهانة ليكونوا لسان حال كل من يتمنى السوء لـ«مصر»... إعلاميون كانوا فى وطنهم مكرمين ولم يبخل عليهم بمنحهم أعلى الشهادات، وفتح لهم أبواب الإعلام ظنًا من هذا الوطن أن يكونوا له خادمين، وإذا بهم ينفتحون على وطنهم من أبواب أجنبية لترويج الدعاية الصفراء، ويحملون بأيديهم أبواق حمقى لتصدع افتراء وكذبًا لإرضاء من يريدون بـ«مصر» السوء والخراب (لا سامح الله)، فتلونت أشكالهم بتلون السياسات مسرعة لتنحدر نحو قاع من النفاق وتسكن فى غيابات جب أظلم متحدية كل قيم الأخلاق، وسالكة طريقًا ليست له أو به معالم للوطنية أو رد للجميل، فهل يعتقد من سمح لنفسه الاعتداء على حرمة وطنه أنه قادر على اختراق جدارها الذى أصر على بنائه شعب كامل إلا قليل من الأدعياء؟،.... الوطن هو كل ما يملكه الشخص، فهو يتحرك بداخله ويكبر به ويفخر به ويشار له به، فتتوقف الكلمات لتكون الأفعال هى مفتاح للتعبير عن ذاك الوطن، سواء كنا بداخله أو اغتربنا فهجرنا سماءه وماءه، فكيف لنا أن نجرؤ على المساس به، وكيف نجرؤ على أن نكون سببًا فى تشويه سمعته، وكيف نجرو على أن نجمع الأخبار لنجهد أنفسنا ونحولها إلى ما يرغب الأعداء بسماعها عن وطننا؟؟؟.... نعم فأنا أتعجب وأنا أتابع بعض الأحيان إعلاميين رفضوا أن يكونوا فى خندق وطنهم وذهبوا بعيدًا يتنعمون بعيشة يضنونها «رغيدة» من أجل حفنة من المال أو مبلغ من الصدقات، فيجلد جسم وطنه بسوط ليسمع ربما بمخيلته أنين الوطن جراء تلك الأصوات النشاز.... فما علاقة جريمة قتل بقرار دولة، وما علاقة الدولة بقرارات القضاء حتى تضيق آفاق أفكارهم فيظنون أن دولة كـ«مصر» تقف على قدميها لتتابع مقتل نيرة أو اختفاء قاتل المذيعة شيماء أو تم القبض عليه؟؟....، وكأنهم يعتقدون أن كل شىء يحدث فى مصر تتدخل به الدولة، ولا يعلم هؤلاء أن مصر دولة مؤسسات، ولكن هل تغطى الغربال عين الشمس وهل تمنع القافلة من صريخ تلك الفضائيات؟، وغاب عنهم أن مصر اليوم بقيادتها تسعى مسرعة نحو مجد لا توقفه تلك الأصوات ولن تقيده ما تصطاده تلك المحطات من أخبار فى مياه أسنة ليتم تركيبها على هواهم ولن يصدقها إلا من ارتضى أن يترك عقله ويذهب بعيدًا مع خرافاتهم نحو عالم افتراضى وتحليل ليس له إلا معنى واحد وهو الإساءة إلى وطنهم... ومَن يرضى بأن يكون طوفانًا يبتلع التقدم والبنيان؟.. أعتقد أن هذا الطوفان «سيبتلعهم« دون أن يذكر اسمهم بين الغلمان وتتحطم ذاتهم وتبقى أرواحهم أسيرة لخذلان، أيرضيهم أن ينتموا لوطن تتلقفه الرياح لتتشتت أوصاله بين الشرق والغرب، أم يرضيهم أن يكون قادتهم مقادين لسياسات أجنبية فيذهبون ببلادهم نحو الهاوية.. أم ماذا يريدون؟... ألا يخجلون من أنفسهم وهم لا يجدون ما يبررون ما يصنعون من محتوى مفروض عليهم ترويجه، ومن خرافات مرغمين على أن يروجوها لأنهم رضوا أن يكونوا كما هم الآن.... ألا تتحرك غيرتهم أم ماتت كرامتهم؟؟؟.

تحيا مصر، شعب طيب، وقائد ثابت، وأرض وسماء وماء معطاء