رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

72 ساعة من القلق.. فماذا عن رحلة بايدن إلى الشرق الأوسط؟

ما هي بزيارة، ولا هي بجولة، إنها عملية دعاية خطيرة يقوم بها الرئيس الأمريكي للكيان الصهيوني الإسرائيلي التوراتي، وهو يعلم-سياسيًا وإداريًا وقانونيًا وأمميًا- أن دولة الاحتلال اليهودي الصهيوني، هي دولة أبارتهايد عنصرية وتقودها عصابات مخلب القط حارس المنطقة في مقابل الاستراتيجيات الأمريكية التاريخية وصولًا إلى اليوم. 
* السيناريو يقول:

 "الرئيس جو بايدن، مرتديًا قلنسوة، يشارك في مراسم وضع إكليل من الزهور في قاعة الذكرى في ياد فاشيم، الأربعاء، 13 يوليو، 2022، في القدس"، ما يدلل على استمرار تهويد القدس العربية. 
* وفي لقطة تالية:
يتحرك رئيس أعظم قوة في العالم (...) متثاقلًا، يعي أنه بعد ساعات من زيارته، وشرب الماء المقدس، يوم الأربعاء، ليهبط، تهبط معه مصداقية الولايات المتحدة، ويزور النصب التذكاري الإسرائيلي لضحايا المحرقة بعد خطوات من وصوله إلى القدس.

* بايدن يمهد لانتخابات التصفية والإعادة من ياد فاشيم 
.. من أجل قراءة انتخابية، وحصدًا للأصوات اليهودية/ الصهيونية في الولايات المتحدة، شارك الرئيس في حفل حزين في ياد فاشيم، الذي يضم مباني المركز العالمي لإحياء ذكرى المحرقة النازية ضد يهود العالم.. وبحسب السيناريو، يقف بايدن إلى جانب مسئولين إسرائيليين وأمريكيين، تهتز يده وهو يشعل  الشعلة الأبدية في قاعة الذكرى وتحدث لفترة وجيزة مع جيتا سيكوفيتش ورينا كوينت، وهما أمريكيان ناجيان من الهولوكوست (...) وهنا صناديق الأصوات تتقدم.


ومن بين الآخرين الذين انضموا إلى بايدن في الذكرى، وزير الخارجية أنتوني بلينكن، والسفير الأمريكي لدى إسرائيل توماس نيديس وديبوراه ليبستادت، مبعوث بايدن الخاص لمكافحة معاداة السامية. وحضر أيضًا الرئيس الإسرائيلي ورئيس الوزراء.

*مسار الوجود [البايدني] في المنطقة 
.. مع وصول بايدن، في وقت سابق الأربعاء إلى إسرائيل الصهيونية، من المقرر أنه  سيقضي اليومين المقبلين في لقاء مع رئيس الوزراء يائير لابيد، والرئيس إسحاق هرتسوغ، ورئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو.
 وكذلك يحضر بايدن يوم الخميس حفل استقبال مع هرتسوغ، حيث سيتسلم وسام الشرف الرئاسي الإسرائيلي.

 ويقوم بايدن، بعد ذلك بزيارة مجاملة (...) إلى الضفة الغربية، يلتقي محمود عباس، ليس في مقر السلطة في رام الله، بل في بيت لحم. 
وقبيل يوم من نهاية الجولة، تحضر مسارات بايدن إلى السعودية، قبيل مغادرته إلى واشنطن العاصمة يوم السبت، ويوم السعودية، يوم سياسي أمني، اقتصادي طويل، وربما يحدث فيه الكثير من الإعلانات الأمريكية في مجالات الطاقة والسياسة والجيوسياسة الأمنية للشرق الأوسط، وربما تأجيل لمشاريع كان من المقرر طرحها.

* كأنها حكايات ألف ليلة وليلة
في إحدى حكايات ألف ليلة وليلة، يقر سلطان الأعماق الأرضية، بأن الخلائق في الكوكب، تنال أرزاق العباد من الجن والمردة وأنماط الأنس، في سلطنة الأعماق. 
 التروية السياسية، ما عادت تنفع بين دول العالم، المكاشفة ونبش الأعماق والأعمال في ذات الوقت. 
جو بايدن ذهب مع ألف ليلة ولية إلى الشرق الجميل، ها هو في فلسطين المحتلة، يقف بين أقطاب الصهيونية، والتلموديين، يناقش معهم التضخم وارتفاع أسعار الطاقة في الولايات المتحدة أولًا، ومثيلاتها في العالم والمنطقة تاليًا. 
بايدن في إسرائيل، وهذا الأمر نتاج الحرب الروسية الأوكرانية، نتاج العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية على سياق التعامل مع روسيا الاتحادية، وغزوها الهمجي لأوكرانيا. 
ما حرك بايدن، أن الاقتصاد، سبق العسكرتاريا، في هذه الحرب، التي يرى بايدن أنها قد تتأزم نحو مؤشرات لحرب عالمية ثالثة. 
بايدن في الشرق، في القدس المحتلة التي يحاول الائتلاف الصهيوني الحاكم في إسرائيل تهويد القدس، فمن بينت الذي سقط، إلى لبيد، الذي خرج من بين سحرة الأعماق، لهذا فكيف سيكون ليل بايدن في القدس، وقبيل طرح كيف جعلت مفاهيم اقتصادية وجيوسياسية أمنية، تواجهه الإدارة الأمريكية، وتجعله يصرخ من لعبة عض الأصابع بين روسيا وأوكرانيا وحلف الناتو، ليتقدم شبح التضخم، الذي "يشكل الآن خطرًا واضحًا وقائمًا على اقتصاد الولايات المتحدة وأوروبا". 
ثم لن يجد الجواب في إسرائيل، وتحاول الإدارة التي ترافق بايدن، لي ذراع محمود عباس، ليبقى صامدًا، متأوهًا، مطالبًا بالحوار والحلول التي تمنع عنه صوت الداخل الفلسطيني، الذي يقود حرب الدفاع عن بيت المقدس، والمسجد الأقصى والحرية ولقمة الخبز، أمام أشرس جيش احتلال في المنطقة.

*بايدن صديق المنطقة

عمليًا، لن تكون محطة بايدن في إسرائيل بروتوكولية، هدفها لملمة أصوات الناخبين اليهود والإيباك الجدار الصلب المتحكم في الانتخابات النصفية، وصورة بايدن داخل وخارج الولايات المتحدة. 
بايدن، صديق المنطقة، غير قراره، وفرضت الحكاية عليه اللعب مع دول الخليج، لتكملة لعبة منافسه السابق الرئيس ترامب، يتجه تاليًا إلى  المملكة العربية السعودية، وسيكون بايدن بعد  إسرائيل في زيارة  عمل، ربما تكون الأولى من حيث ملفاتها، اعتقد أن الأمر عادي في القيادة السعودية، التي ترى أن أهم ملف، يقوم على:
-التركيز على إيران ومستقبل سلاحها النووي. 
-مستقبل وشكل علاقة إسرائيل مع الشعب الفلسطيني وحقوقه. 
-عزل إيران دوليًا وليس  عن طريق الولايات المتحدة، ستُعزل دوليًا حتى تعود إلى الاتفاق النووي.
-التفاهم على شراء وتسويق ونقل نفط الخليج والأوبك+؛ ذلك أن حل أزمة الطاقة يعزز وضع بايدن الداخلي. 
 الزيارة بدأت، الترقب يزيد، شلل بايدن من بخور المتاحف اليهودية التلمودية، يتناسى الحقوق الفلسطينية، يزور بيت لحم، وليس مقر السلطة الفلسطينية في رام الله. 
هذا نتاج قيام  الرئيس بايدن بأول رحلة له كرئيس إلى الشرق الأوسط، حيث  توقف في إسرائيل، حكاية لن تفيد في حل معضلة التضخم وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ولا حتى تنساق مع بحث إسرائيل، عن مكان يحميها تحت الشمس، فالأحلاف متشظية، وغابت نتيجة الغلاء، وتراكم الأزمات والحروب الداخلية فيما يزيد عن 7 دول من دول المنطقة، لهذا يتراجع تأييد أي فكر لا يقدم مطالب تقليل أو مسح الديون الدولية مع البنك الدولي، وعودة الروح إلى الشرق، ودعم موارد ومبادرات دول المنطقة للخلاص من ويلات الحروب وإعادة الأعمار، والتحالف من أجل حماية اللاجئين وتحقيق الأمن الغذائي وفرص حماية الشباب والمرأة.. لهذا جولة بايدن بين جدة والرياض، ربما تحدث الفرق، وتخلخل الواقع الجاد، اللازم لفهم ملفات المنطقة، التي تتمحور نحو إعادة تأهيل مبادرات ومشاريع الأعمال والصحة والمياه والطاقة وتعزيز الأمن والأمان. 
لن تكون الأردن، إلا ما يريد الملك الهاشمي، القائد الأعلى، الذي دعم بايدن وكان صديقًا، يهم المملكة أن تكون جولته في المسار الصحيح بعيدًا عن تسطيح الأفكار، فالذئب الروسي يجمع حلفاء من تركيا وآخرون مع روسيا ردًا على جولة بايدن في الشرق.

*الطاقة وأسعار الغاز
تردنا التحليلات، يقال: يتعامل الرئيس مع ارتفاع أسعار الغاز في الولايات المتحدة، وبينما قللت الإدارة من أهمية أسعار النفط في سياق الزيارة، من المتوقع أن يضغط بايدن على القيادة السعودية لاتخاذ خطوات لخفض الأسعار. ارتفعت الأسعار بشكل كبير منذ الغزو الروسي لأوكرانيا.
بينما ترى مركزية دراسات "الأطلسي الجديد"، أن فرصة بايدن الكبيرة لبناء تحالف جديد في الشرق الأوسط، بما في ذلك مشروعية "التكامل الإقليمي"؛ إلى حد ما. 
 في المنظور الأمريكي، ركزت الرحلات الرئاسية الأمريكية السابقة على حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، أو إدارة البرنامج النووي الإيراني، أو تعزيز الديمقراطية أو زيارة القوات في مناطق الصراع النشطة، هناك شيء جديد يختمر في الشرق الأوسط.

وبايدن يعرف ذلك. يستغل البيت الأبيض تطورين مهمين، كلاهما موروث عن إدارة ترامب، ويحملهما عدة خطوات إلى الأمام لإعادة تشكيل المنطقة بطريقة تخدم المصالح الأمريكية والمحلية.
بشكل تكتيكي محسوب، يسلط بايدن الضوء على التزام الولايات المتحدة في فهم قضايا المنطقة والشرق الأوسط، ولو شكليًا؛ سيشارك في قمة افتراضية رباعية الأطراف مع قادة إسرائيل والإمارات والهند (فيما يسمى بصيغة I2U2)، إنه يأمل في إعلان خطوات من جانب المملكة العربية السعودية تجاه التطبيع في نهاية المطاف، مثل السماح بتحليق لمدنيين إسرائيليين في مجالها الجوي؛ وسيشجع الأطراف في منتدى النقب - الذي يضم إسرائيل ومصر والإمارات والبحرين والمغرب والولايات المتحدة - على تطوير منظمتهم الإقليمية الناشئة. 
*الأطلسي يكشف

كشف المجلس الأطلسي عن أن التطور الإقليمي الرئيسي الثاني، في زيارة بايدن الخليجية، هو إدراج إسرائيل في منطقة مسئولية القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM)، والتي تشرف على العمليات والعلاقات العسكرية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. أصبح انتقال إسرائيل من الولاية القضائية للقيادة الأمريكية الأوروبية إلى موطنها الجغرافي الطبيعي في القيادة المركزية الأمريكية في أوائل عام 2021 تحويليًا، في السابق تُجرى الحوارات الأمنية شبه الوردية بين إسرائيل والدول العربية الآن بشكل أكثر انفتاحًا. وقعت إسرائيل اتفاقية أمنية رسمية مع البحرين، تضمنت تعيين ضابط ارتباط إسرائيلي في مقر الأسطول الخامس الأمريكي في المنامة. إن إسرائيل والعديد من الجيوش العربية، بما في ذلك دول لم تطبع العلاقات بعد، تشارك الآن في تدريبات مشتركة وتخطيط وتبادل أكثر تواترًا وتكثفًا تحت مظلة القيادة المركزية الأمريكية أكثر من أي وقت مضى.

 وكشف الأطلسي أيضًا، أثناء وجوده في القدس وعند لقائه قادة إقليميين آخرين في جدة بالمملكة العربية السعودية في وقت لاحق من الأسبوع عن أن بايدن سيدعو إلى دمج الدفاعات الجوية لإسرائيل ومصر والأردن ودول الخليج للدفاع ضد تهديد الصواريخ الباليستية والأنظمة الجوية غير المأهولة. أطلقتها إيران ووكلاؤها في العراق واليمن وسوريا ولبنان. مع اقتراب المحادثات النووية الإيرانية من نقطة القرار، سيؤكد بايدن التزام الولايات المتحدة بضمان عدم امتلاك إيران مطلقًا لسلاح نووي - وهو عنصر أساسي يحفز هذا التعاون الدفاعي الذي طال انتظاره بين شركاء الولايات المتحدة.

*تحالف من شركاء الشرق الأوسط
تشير هذه الاتجاهات مجتمعة إلى ظهور تحالف إقليمي من شركاء الولايات المتحدة المعتدلين الذين يواجهون تهديدات أمنية مشتركة، ويشتركون في تحديات اجتماعية واقتصادية وطاقية ومتعلقة بالمناخ. أكبر من مجموع أجزائه، يمكن أن يتحمل هذا التحالف المسئولية الأساسية المتمثلة في الاهتمام باحتياجاته الأمنية، مع قيام الولايات المتحدة بدور داعم نشط. وبعيدًا عن المجال الأمني​​، فإنهم في وضع يسمح لهم بالعمل معًا لاغتنام الفرص في مجالات التكنولوجيا والتجارة والزراعة والمياه والأمن الغذائي والطاقة والصحة والتعليم. بمرور الوقت، يمكن دعم التحالف من خلال هيكل إقليمي واسع متعدد الأطراف يجمع القادة في اجتماعات منتظمة رفيعة المستوى لاتخاذ قرارات استراتيجية ووضع جداول الأعمال. ويمكنه أيضًا إشراك الوزراء والخبراء.

سيكون التأثير الصافي لهذا النوع من الهيكل هو إظهار فوائد أعمق وأوسع للتطبيع لمزيد من مواطني هذه البلدان، وإبقاء هذا التجمع الإقليمي كنادٍ يريد الآخرون الانضمام إليه. (يساهم المجلس الأطلسي في هذه العملية بمبادرة N7، التي تجمع العرب والإسرائيليين معًا في مؤتمرات مستهدفة لتطوير أفكار قابلة للتنفيذ لحكوماتهم لتنفيذها).

مثل هذا التحالف سيكون عميقًا لمصالح الولايات المتحدة داخل وخارج الشرق الأوسط. في المنطقة، ستكون وصفة لوجود أمريكي مستدام. بينما تحتفظ الولايات المتحدة بعشرات الآلاف من القوات وقوة بحرية وجوية وافرة في المنطقة. 
 الزيارة محددة، ملفاتها قد لا تعلن، قد تتشابك، لكن محطة الطاقة وأسعار الغاز والنفط، أساس التفاهمات التي تحقق إشكالات تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، فيما تتابع الإدارة الأمريكية بقلق مستدام، دلالة تحرك الرئيس بوتين مع إيران وتركيا.. ماذا يحدث خلال  72 ساعة من القلق؟.