رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل يصاب المؤمن بالاكتئاب؟

عبارة وردت على لسان الدكتور مصطفى محمود، يرحمه الله، مفادها أن الإنسان المؤمن لا يصاب بالاكتئاب، لأن إيمانه بالله يحميه من الاكتئاب، وقد تواترت هذه العبارة كثيرًا على ألسنة الكثيرين من علماء الدين والدعاة وانتشرت بين عوام الناس ومثقفيهم، فما مدى صحة هذه العبارة من الناحية العلمية؟ 

أولًا: الاكتئاب مرض نفسى له خصائص تشخيصية محددة إذا توافرت وكانت بالشدة التى تعوق الإنسان عن أداء وظائفه وممارسة هواياته ومواصلة علاقاته الاجتماعية، وأن تستمر الأعراض لفترة لا تقل عن أسبوعين، وهذا يفرقه عن حالات الحزن أو اعتلال المزاج العابرة والتى تحدث لكل الناس بسبب ظروف الحياة. 

والاكتئاب يحدث نتيجة خلل كيميائى فى المخ واضطراب فى توازن الهرمونات المختلفة واضطراب فى وظائف بعض مراكز المخ، أى أنه فى الأساس اضطراب عضوى فى المخ، وهو قد يحدث دون أسباب مباشرة ويكون مرتبطًا ببعض العوامل الوراثية، وقد يحدث بسبب فقد عزيز أو فقد مال أو مكانة أو وجود ضغوط حياتية مزمنة، وبما أنه مرض تنطبق عليه خصائص الأمراض فهو يصيب أى شخص بصرف النظر عن إيمانه أو ضعف أو حتى عدم إيمانه، وهو يشبه فى ذلك مرض السكرى، فمثلًا فى الاكتئاب يكون هناك نقص فى السيروتونين أو الأدرينالين أو الدوبامين أو الثلاثة مجتمعة، وفى مرض السكرى يكون هناك نقص فى الأنسولين، وفى كلا المرضين يكون العلاج بإعطاء المواد الناقصة أو تحفيز إفرازها أو محاولة الإبقاء عليها فى المشتبكات العصبية، ولم يقل أحد إن المؤمن لا يصاب بالسكرى، وإلا لكان كل مرضى السكرى متهمين بضعف الإيمان.

واتهام مريض الاكتئاب بضعف الإيمان أو ضعف الإرادة أو ضعف الشخصية يزيد من حدة مرضه ويضاعف من إحساسه بالذنب ويؤخر شفاءه كثيرًا وربما يدفعه للانتحار، لأن مريض الاكتئاب يكون شديد الحساسية ولديه ميل كبير للإحساس بالدونية والإحساس بالتقصير والإحساس بالذنب، فإذا جاء من يقول إن المؤمن لا يصاب بالاكتئاب فإنه يتهم كل من أصيب بالاكتئاب بضعف الإيمان، وهذا ما يحدث فعلًا من المحيطين بالمكتئب من أقاربه وأصدقائه، إذ ينهالون عليه بالنصائح بأن يقوى إيمانه الضعيف، وأن يحمد الله على ما أعطاه من النعم ولا يكفر بهذه النعم، وكأنه حين أصيب بالاكتئاب كان ذلك بسبب بُعده عن الدين وكفره بنعم الله، وهذا غير صحيح كما أسلفنا.

فالاكتئاب وباقى الاضطرابات النفسية مثلها مثل الأمراض الجسمانية تصيب المؤمن وغير المؤمن، ومع هذا لا ينكر أحد أن الإيمان والتدين الصحيح والأصيل يعطى قدرة على الصمود فى وجه مصاعب الحياة، ويكون عاملًا مهمًا فى سرعة التعافى من الأمراض بما يمنحه للإنسان من معانى الصبر والرضا والتسليم بأقدار الله وتقبل الابتلاءات، ولكن مرة أخرى لا يمنع حدوث الأمراض بشكل مطلق ولكن يعطى مناعة نسبية ويسرع عملية التعافى.

وإلصاق تهمة ضعف الإيمان بمن أصيبوا بالاكتئاب يزيد من وصمة المرض النفسى ويجعل المريض عازفًا عن الاعتراف بمرضه النفسى وعازفًا عن محاولة البحث عن علاج، ويكتم مرضه فى نفسه إلى أن يستفحل المرض أو يتحول إلى اضطرابات جسدية خطيرة مثل ارتفاع ضغط الدم أو الذبحات والجلطات القلبية أو الجلطات المخية أو نزيف المخ، أو يقوم المريض بإيذاء نفسه والذى قد يصل إلى الانتحار.

ثانيًا: هناك دليل من حديث للرسول، صلى الله عليه وسلم، على أن المؤمن يمكن أن يصاب بأعراض نفسية «تماثل الاكتئاب» وأعراض جسدية، وأنها تكون اختبارًا له ويؤجر على صبره عليها. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه»، «متفق عليه».