رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسالة لجماهير الأهلى والزمالك.. استمتعوا يرحمكم الله

استيقظ أحدهم من نومه مبكرًا، ليكتب فى تمام التاسعة و٥١ دقيقة صباح أمس الأحد على صفحته بموقع التغريدات القصيرة «تويتر» ما نصه: «مباراة اليوم بها تعاون بين الأهلى ودياب، وسيظهر هذا فى التحكم فى ملعب السلام، وتأخير ومنع دخول جمهور الزمالك، فى مقابل فوضى فى دخول جمهور الأهلى الذى من المحتمل أن يدخل ضعف العدد المسموح.. مباراة اليوم تدار مبكرًا خارج الملعب من رابطة الأندية، يريدون إهداء فوز للخطيب لينقذوه».

هذا المريض يقول عن نفسه إنه صحفى، ويتابعه ما يزيد على أحد عشر ألف حساب، لا تعرف إن كانت لجانًا تابعة لذات الجهة التى تدفع لهذا الشخص المريب، ووظيفتها هى إعادة بث ما يكتبه حتى يتحول إلى غزو للموقع فيتحول إلى «ترند» مثلًا، أم هى مجرد جماهير عادية، أو متعصبة، تخدعها نبرة الحماس، وتكرار المنشور من قبل هواة التسخين وصناعة الفوضى، فتشتعل درجة غضبها، وتبدأ فى الشحن الذى يستمر لأكثر من عشر ساعات سابقة على انطلاق صافرة الحكم؟! 

ولك أن تتخيل ما يمكن أن يحدث خلال تلك الساعات العشر، وما يمكن أن تؤدى إليه من شحن وتوتر وفوضى وغضب، والتى كان من الممكن أن تكون نتيجتها الوصول إلى قرارات تؤثر على مصير المباراة نفسها.

والحقيقة أننى لا أعرف من صاحب المصلحة فى حالة الاحتقان بين جماهير الفريقين؟! لماذا يريدونها فرصة لإثارة الضغائن، والكراهية، وإشعال النيران، بدلًا من الاستمتاع بليلة كروية مبهجة للجميع، أيًا كان الفائز فى المباراة، فهى فى النهاية مجرد لعبة للترفيه، وقضاء وقت ممتع، لا مانع بعدها من بعض التحفيل، وتبادل النكات، واصطناع «الزعل»، بعيدًا عن التعصب الأعمى، فالحياة لا تحتمل المزيد من الضغوط، أو التوتر، وتعب الأعصاب؟.

ولعله من المناسب أن أذكر هنا أن آخر مباراة تابعتها بين فريقى القمة المصرية، الأهلى والزمالك، كانت قبل ما يقرب من سبعة أشهر، وتحديدًا فى الخامس من نوفمبر نهاية العام الماضى، وهى المباراة التى انتهت بإحراز ثمانية أهداف ممتعة لكلا الفريقين، غير الفرص الضائعة، والأهداف التى ألغاها «الفار».. وقتها كان الصوت الأقوى هو صوت المتعة الكروية، والبهجة بعودة الجماهير إلى المدرجات، ولم يكن يعنينى بشكل شخصى أى الفريقين هو الفائز فى المبارة، وما زال الحال على ما هو عليه، فلست من متابعى اللعبة منذ سنوات طويلة لأسباب شخصية وأخرى عملية تخص اللعبة وجمهورها وما طرأ عليهما من تغيرات.

فأما الأسباب الشخصية، فالجزء الأكبر منها يعود إلى مزاج شخصى يميل إلى الاستمتاع بلمسات فنية لعدد محدود من اللاعبين، منهم الأهلاوى والزملكاوى على حدٍ سواء، فأنا مثلًا أحب شيكابالا ومحمد السيد زيزو، بنفس الدرجة التى أحب بها لمسات عمرو السولية، ومحمد عبدالمنعم، وإن كنت لا أتابع سوى المباريات التى يكون فيها محمد صلاح، مبعوث البهجة الكروية إلى الأراضى المصرية. 

وأما الأسباب العملية التى تخص اللعبة وجماهيرها، فلأننى لا أطيق حالة التعصب المخيفة التى تنتاب جماهير الفريقين، وهى الحالة التى لا تسلم من عمليات الشحن والتسخين، بل ربما لا أكون مغاليًا إذا قلت إنها تشهد حالة مريبة من الاستغلال، يقع ضحيتها جمهور الفريقين، بل وتصيب اللعبة نفسها فى مقتل، دون أن ينتبه لذلك أحد، ومنها بالطبع ما كتبه صاحب ذلك الحساب المجهول على موقع «تويتر» وتابعوه ممن يستيقظون من النوم على إشعال الفتن، وشحن الجماهير، بدلًا من الدعوة إلى الاستمتاع بليلة من الفرجة المفرحة، والأمل فى زيادة نسبة الحضور الجماهيرى لمباريات كرة القدم التى فقدت الكثير من عناصر متعتها منذ أن بدأت رحلة الغياب، خصوصًا أن المباراة الأخيرة بين فريقى الأهلى والزمالك كانت بمثابة فرصة ذهبية يمكن البناء عليها للمطالبة بزيادة الحضور الجماهيرى، وأذكر أننى يومها كنت أشعر بتفاؤل كبير بسبب ما حوته المباراة من متعة فائقة، وأهداف، وفرص ضائعة، وحضور جماهيرى وإن كان محدودًا، وكتبت وقتها أنه ربما آن الأوان لإعادة التفكير فى زيادة نسبة الحضور الجماهيرى إلى ملاعب كرة القدم، باعتباره الخطوة الأولى لإعادة المتعة إلى تلك اللعبة التى باتت تعانى من تراجع رهيب خلال السنوات الأخيرة، وقلت إننى استمتعت بذلك العزف الممتع لألفى مشجع تم السماح لهم بحضور المباراة، فقد كان لوجود الجماهير فى المدرجات أثر حاسم فى أداء الفريقين، وظهورهما معًا بذلك المظهر الممتع، فكنت تشاهد المباراة وكأنهما يلعبان كرة القدم لأول مرة، ٩٠ دقيقة من اللعب الممتع، والأهداف «الملعوبة»، والشد والجذب بين الفريقين، وتبادل نوبات السيطرة والتفوق، فلا شك أن الحماس وهتاف الجماهير كان له تأثير كبير على نفسية اللعيبة، بما يحفزهم جميعًا لتقديم أفضل ما لديهم، وهو ما حدث وكان، وما نريد له أن يستمر ويتواصل. 

ولعله من المناسب أن ننتهز فرصة هذه المباراة الفارقة للمطالبة بالتفكير فى زيادة أعداد الجماهير التى يسمح لها بحضور المباريات، ولو بشكل تدريجى، كأن نرفعها إلى ألفين لفترة، تزيد إلى خمسة آلاف، وهكذا، مع التدرج أيضًا فى زيادة الاحتياطات الأمنية، وتطبيق معايير التباعد، وغيرها من العناصر اللازمة لفتح المبارايات أمام الجماهير.

كان وجود الجماهير نهاية العام الماضى فى المدرجات سببًا مباشرًا فى عودة المتعة والحرفنة إلى ملاعبنا، وعودة الروح إلى لاعبينا.. وبعيدًا عن الأهلى والزمالك، فالمؤكد، بالنسبة لى على الأقل، أن الكرة المصرية كانت هى الفائز الأول من ذلك الماتش التاريخى الممتع.

الأعزاء من جماهير الأهلى والزمالك.. تجاهلوا دعاة الفتنة ومحترفى إشعال الحرائق، واستمتعوا يرحمكم ويرحمنا الله.