رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سارة.. شهيدة العنف الأسرى

أثار خبر سقوط خريجة طب الأسنان من الجامعة البريطانية "سارة" بالأمس القريب من شرفة منزلها، موضوع العنف الأسرى المسكوت عنه فى كثير من الحالات لأسباب متعددة.. هذه الأسباب منها مشاعر الخوف والخجل التى تتملك الضحية.. أو الرغبة فى الحفاظ على سمعة العائلة. 

وقد تضاربت الأقاويل بين الأهل الذين يؤكدون انتحارها وتأكيد أصدقائها تعرضها المستمر للعنف والضرب من قِبل والدتها وأخيها الأصغر، الأمر الذى أدى إلى تركها المنزل وبعد إلحاح من الأهل والأصدقاء عادت ليلة السبت إلى منزلها ولم تكن تعلم أن الأهل قرروا استقبالها بمزيد من العنف والشك.. وأنها ليلة التعنيف الأخيرة فى حياتها، فقد لقيت حتفها صباح الأحد، لتصبح واحدة من ضحايا العنف الأسرى.. الذى شهد تزايدًا فى ٢٠٢١ مدفوعًا بتزايد العنف المنزلى، وقد رصدت مؤسسة "إدراك" ٢٩٦ حالة قتل لنساء وفتيات فى مختلف الأعمار منها ٧٤ جريمة ضرب، ٤٩ من قِبل فرد من أفراد الأسرة و١٢٥ جريمة تحرش و١٠٠ واقعة انتحار، وغالبيتهن انتحرن بسبب عنف ومشاكل أسرية، وبلغ عدد جرائم العنف الأسرى والمنزلى ضد النساء والفتيات وحده ٤١٣ جريمة، وشهد ٢٠٢١ أول حالة ختان لطفلة فى محافظة سوهاج تبلغ من العمر أربعين يومًا! والعنف هو سلوك يُراد به إثارة الخوف أو التسبب بالأذى، سواء كان نفسيًا أو جسديًا، وتولد شعور الإهانة فى نفس الشخص المعنف، وقد يكون الهدف إيقاعه تحت أثر للتهديد أو الإكراه الجنسى، وعادة ما يفقد الضحايا ثقتهن بأنفسهن وينتابهن شعور بالخزى والعجز عن المقاومة والاكتئاب الذى يمكن أن يودى بهن آخر المطاف إلى الانتحار.. وقد تم اعتبار العنف الأسرى جناية يرتكبها فرد من الأسرة ضد فرد أضعف منه يشترك معه فى مكان الإقامة واعتباره كل فعل يقتحم خصوصية جسد المعنف سواء بالضرب أو بالعنف الجنسى، ووفقًا لإحصائية منظمة الصحة العالمية فإن ٣٠٪ من النساء فى العالم يتعرضن للعنف الجسدى أو الجنسى وأن ٧٪ هن فى سن ١٥ سنة، وقد يظهر العنف بسبب مشاهد عنف عاشها فى طفولته الشخص المعنف جعلته يعتقد أن العنف هو الوسيلة لضبط الوضع العائلى وفرض سيطرته عليه.. ومن اللافت عدم ارتباط العنف بوضع اقتصادى أو طبقة اجتماعية، وربما يكون خير دليل على ذلك الضحية سارة. 

ويرى فرويد، واضع أسس التحليل النفسى، أن العنف ينتج لعدم قدرة "الأنا" على المواءمة بين النزاعات الفطرية الغريزية فى داخله مع مطالب المجتمع وقيمه ومعاييره أو قد يكون عجز الذات عن القيام بعملية التسامى من خلال استبدال النزعات العدوانية والشهوانية بالأنشطة المقبولة روحيًا ودينيًا واجتماعيًا.. وفى الغالب يكون العنف الأسرى مدفوعًا بموروث العادات والتقاليد، ومنها معتقد أن للرجل الحق فى السيطرة على شريكة حياته وأبنائه، فحسب إرثه الاجتماعى هو رب العائلة وعلى أفرادها منحه قدرًا عاليًا من الهيبة ولا يتحقق مقدار رجولته إلا بفرض هيمنته ورغباته عليها.. الأمر نابع من نظرية التنشئة الاجتماعية الذكورية المبنية على التمييز بين الذكر والأنثى التى تجد نفسها مطالبة منذ ولادتها بأن تدافع عن مساحة لها فى اختيارها لبعض ما يخصها، والحرية فى رفض تلبية طلب لأخيها الذى قد تتعرض للإهانة منه إن لم تلبه وكل يوم فى عمرها يزيد من قيودها التى تختلف باختلاف البيئة المحيطة بالأسرة.. فالفتاة ما زالت تُعامل على أنها الكائن الأضعف الذى يمتلك كل أفراد الأسرة الحق فى تعنيفها ورسم خريطة تحركاتها والحجر على اختياراتها من الملابس وتوقيت الخروج والعودة إلى المنزل، مرورًا بالدراسة وصولًا لاختيار الزوج، وهى لا تملك إلا الرضا والطاعة، وقد شددت د. مايا مرسى، رئيسة المجلس القومى لحقوق المرأة، على أهمية وجود موسوعة تجمع كل القوانين الخاصة بالعنف ضد المرأة، كالحرمان من الميراث والاغتصاب والتحرش والضرب، وأشارت إلى أن المجلس يعمل على القضاء على العنف ضد المرأة، والسعى لإطلاق كود إعلانى خاص لأى عنف يطال المرأة فى الدراما والإعلانات ووقف أى إعلان ينتهك حقوقها.. ونتساءل: إذا كان هذا كافيًا للتخلص من آفة العنف الخطيرة فى مجتمعاتنا، فكما تربت الأم على التقييد والحجر وسلب مفاتيح مقدراتها منها منذ طفولتها ستربى ابنتها وكما عُنّفت سوف تُعنّف، وكما تربت على تفضيل أخيها عليها ستفضل ابنها على ابنتها، والمشكلة لا تنحصر نهايتها فى انتحار، فقد تسلك الفتاة طريقًا للهرب من أهلها وتمتهن أى مهنة تضمن لها حرية تبدأها من جسدها.. قد يكون الحل فى برامج سهلة الوصول إلى جميع الفئات الاجتماعية تهدف للتوعية بخطر العنف الأسرى، وبالتوازى مع نشر التوعية بقوانين حماية الأسرة مصحوبة بمعرفة طرق الوصول إلى الحماية بعد التعرض للعنف وطرق الإبلاغ الصحيح.. وأخيرًا الحرص على تقديم الرعاية النفسية لتخليص الضحية من آثار العنف سواء أكان نفسيًا أو جسديًا، وربما بذلك نضمن تخليص مجتمع بأكمله من عنف أصبحنا نراه فى أبسط أشكال الحياة اليومية.