رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مزاج المصريين.."لا للاستعمار.. ولا للاستحمار"

احتلال العقول.. هو قتال وجود، وليس قتال حدود..

الاستعمار والاستحمار.. كتبها المفكر الإيرانى الراحل «على شريعتى»، وأوضح أن "الاستحمار يعنى تزييف ذهن الإنسان ووعيه وشعوره.."  

الاستعمار يأتى من الخارج لاحتلالنا ونهب ثرواتنا، أما الاستحمار.. يأتى من الداخل بسبب الجهل والأمية الفكرية والثقافية..

والنتيجة أن تصبح بلادنا فى خطر..

للأسف، يحدث هذا الاحتلال والاستحمار من خلال قنوات مشروعة للجميع الآن سواء كانوا من المقتدرين أو غيرهم ولجميع الفئات المتباينة للطبقة المتوسطة.

القاعدة الأساسية لبداية الحديث.. أن العقل لا نوع له ولا دين. ولكن ما يحدث ليس صدفة، ولكنه مدبر بحنكة شديدة لاحتلال العقول والمشاعر، بل والمزاج أيضاً.. فمن المعروف أن المصريين "أصحاب مزاج".. ولكن على حسب التوقيت.

"مزاج الخير".. يسعدنى أن أصطحبكم إلى السوبر ماركت الكبير حيث الورد والعروض.

من أول عبوركم الباب الزجاجى الكبير.. تستنشق الهواء البارد المحمل برائحة العطور الجميلة.. بداية مراحل الاحتلال..

مرحبا بكم.. فى مملكة الاحتلال..

تبدأ رحلة "التوهان" داخل السوبر ماركت.. التى دائماً ما تبدأ بشراء الاحتياجات الأساسية للطعام والشراب.. التى هى الهدف الأساسى للذهاب للسوبر ماركت. ولكن أثناء البحث عن تلك الاحتياجات.. تمر برحلة أشبه بالمغامرة بين عروض جميلة ومبهرة.. لتنتقل فيما بينها، ولتظل أكبر وقت ممكن لشراء أكبر كم ممكن.

يا مستعجل.. روق ودوق وشوق..

شكل باب دخول السوبر ماركت.. غير شكل باب الخروج.. ليست صدفة قطعاً.. 

فى البداية.. تجد عروض المخبوزات والمعجنات المختلفة و"الكيك" برائحتهم النفاذة الجميلة.. التى لا تستطيع مقاومة رغبة شرائها وأكلها.

"مزاج الخير".. دوق واشتهى على المزاج.. وكلما كان المزاج عاليا.. زادت المشتريات أكثر..

هل هذه صدفة؟ أبداً..

أثناء رحلة المغامرة فى السوبر ماركت.. يتم التأثير على العملاء وجدانياً من خلال الموسيقى الهادئة التى توحى بالهدوء والسعادة.. فتجعل العملاء وكأنهم يتنزهون.. دون حساب لعامل الوقت، فلا توجد ساعة واحدة لمعرفة الوقت والانتباه له داخل أروقة السوبرماركت الكبير.

هل هذه أيضاً صدفة.. أبداً.. لأنه لابد من أن تكون معزولاً عن العالم الخارجى.. أنت فى مملكة الاحتلال.. تذكر ذلك جيداً..

فى السوبر ماركت.. لا يمكن أن تحصل على احتياجاتك الأساسية بسهولة.. فهى متفرقة فى مختلف أرجائه. ولكى تصل إليها عليك أن تمر عبر مئات المنتجات والأنواع.. لتزيد مشترياتك للدرجة التى تجعلك تفقد معرفتك الدقيقة بكل ما تشتريه.. عروض مبهرة وملونة لأكثر من نوع للمنتج الواحد.. لتحتار وتختار.. ويستخدموا المنتجات كطعم.. أنت فى المصيدة.. 

عروض كثيرة، وتوفير، وهدايا، وسحب، وجوائز..

وحسب مجلة Science Direct المتخصصة.. يتأكد أنه بعد حوالى 25 دقيقة من وجودنا داخل أروقة السوبر ماركت.. تعتمد مشترياتنا على العاطفة أكثر فى التأثر بشراء المنتجات، ويصبح اقناعنا بالعروض.. أسهل..

أكدت الدراسة أن العميل يختار فى الغالب ما يكون على مستوى نظره أى بارتفاع 1.67 سم تقريباً، وهو الطول الأكثر جاذبية لعرض المنتجات. كما نلاحظ أن الحلوى والألعاب تكون دائماً معروضة بشكل منخفض يتناسب مع مستوى نظر الأطفال.. خاصة فى المكان بالقرب من "الكاشير".. لأن إدارة السوبر ماركت تعلم جيداً مدى رغبة الأطفال فى شراء ما يحلو لهم حسب ما يلفت نظرهم، ووجود هذه المنتجات بجانب "الكاشير".. يضمن بيعها حتى لا يصبح الأب والأم فى موقف محرج أمام العملاء الآخرين.

ويا مستعجل.. قف فى الصف.. كى تدفع الحساب.. وأمامك "العلكة" والألعاب الصغيرة التى تدفعك أنت وأطفالك للشراء قبل آخر لحظة من دفع قيمة مشترياتك.

أنت تحت ضغط.. المؤثرات لدفع آخر جنيه فى جيبك، أو فى الفيزا، أو حتى السحب من رصيد احتياجات الشهر القادم أيضاً..

حمد الله على سلامتك.. وسلامة عقلك..

المهم صحتك.. الفلوس "بتروح" من أول الشهر..

لقد انتهت المغامرة بأصحاب العقول.. الذين تم احتلالهم بمزاجهم أو بعدم إرادتهم.. حسب توقيت كل منهم.. أنت فى هذه المغامرة.. مستهلك لأطول وقت ممكن.

ولعلك تجد الوقت الكافى.. لكى تأتى معى على الطريق الزراعى أو الصحراوى من مصر إلى أسوان.. حيث توجد عقول محتلة بطريقة أخرى. 

عقول مغيبة.. ومحتلة باسم الدين، ولكنها تندرج تحت سيطرة الخرافات والدجل والشعوذة..

عقول مغيبة عن العلم والدين..

بداية من ظاهرة المستريح وأتباعه، ومؤامرات المستريح المنمق، ومستريح الغلابة. ومروراً بكارثة محافظة البحيرة التى تعد بكل المقاييس.. وصمة عار فى جبين الفكر والعلم. لقد تمت عملية "غسيل" عقول البشر وأجسادهم بمخلفات الصرف الصحى.. تحت مسمى "بلاعة البركة" للشفاء من الأمراض الجلدية. 

من المسئول عن تكوين العقل الجمعى للمجتمع الذى رأيناه يذهب بإرادته المنفردة إلى "بلاعة البركة"؟ 

يدعوا أن "بلاعة البركة" لها من البركات ما جعل عقول المواطنين.. تتجه إليها، ويضعوا رءوسهم داخل "البلاعة"..

الأكيد أنه توجد أيادى خفية، وعقول مدبرة لهذا الفساد.. ألا يوجد فى مجتمع "بلاعة البركة" أى إنسان يحمل عقل يفكر أو يسعى لاستخدام عقله مجاناً. الأكيد أنهم احتلوه بالجهل العلمى والفقر الثقافى..

السؤال: من المسئول عن غياب الوعي؟

من المسئول عن جهل العقول؟

من المسئول عن احتلال العقول؟

 

نقطة ومن أول الصبر..

طرق الاحتلال والتلاعب بعقولنا في عصر "الميتافيرس".. لا تتوقف. ولكن علينا أن نفكر جيداً فى جميع العروض منها، والمعروض علينا.. لنعرف الفكرة والسبب ونميز بينهما..

كل الطرق تتعمد التأثير على العقل الباطن والعقل الجمعى.. 

تذكروا.. أن المعرفة.. قوة.. والحماية من المؤثرات التى تمارسها شبكات السوبرماركت الكبيرة وشبكات التواصل الاجتماعي علينا بداية من شركات توظيف الأموال، ومرورا بالمستريح على مستوى الجمهورية، وصولاً إلى "بلاعة البركة"... تحديات لا تنتهى..

إلى المسئولين المعنيين بشأن نبض الشارع: 

أين أنتم من وجود الأطفال والكبار حول "بلاعة البركة"؟

أين مسئولياتكم من بناء إنسان صالح لنفسه وللمجتمع؟

الأولوية في ذلك لكل مؤسسات المجتمع المدنى والإعلام والمدراس والجامعات معاً لتكوين مجموعات للتثقيف والتوعية ضد الجهل والدجل والشعوذة واحتلال العقول.

الرجاء "رج" العقل جيداً قبل فتح الفم..