رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«منير القادري» يحاضر حول أثر الإحسان وقيم الإنسان للمحافظة على موارد الأرض

الدكتور مولاي منير
الدكتور مولاي منير

نبه رئيس مؤسسة الملتقى الدكتور مولاي منير القادري إلى أن الأرض تواجه حالة طوارئ ثلاثية، تتمثل في الاحتباس الحراري وارتفاع درجة الحرارة و فقدان الموارد. 

وأشار إلى أنه مهما اختلفت أفكار الناس وتوجهاتهم وخلفياتهم وأوطانهم فإنهم يُجمعون على أنه لا يمكن تصور الحياة بدون الحفاظ على الموارد الطبيعية ومقومات الحياة.

جاء ذلك ضمن مداخلة "القادري" في فعاليات الليلة الرقمية الثامنة بعد المائة، المنظمة من طرف مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بتعاون مع مؤسسة الجمال في إطار سلسلة ليالي الوصال "ذكر وفكر".

وأشار في مستهل مداخلته الى احتفال العالم في الخامس من شهر يونيو من كل سنة باليوم العالمي للبيئة، والذي اختير  كشعار له هذه السنة  ”لا نملك سوى أرض واحدة“، كدعوة إلى إحداث تغييرات  في السياسات والاختيارات لتمكين الإنسان من العيش في وئام مع الطبيعة بصورة أنظف وأكثر مراعاة للبيئة وأكثر استدامة".

وأوضح أن الشريعة الإسلامية جاءت تدعو الإنسان إلى المحافظة على البيئة، وتحرم عليه تلويثها وإفسادها، لأن الله خلقها من أجله وسخرها لخدمته ومنفعته، مستشهدًا بآيات بينات من القرآن الكريم.  

وفي ذات السياق أورد قول الدكتور عودة الجيوسي، الباحث في مجال الابتكار المستدام، وعضو فريق الأمم المتحدة الاستشاري للبيئة: "بأن الإسلام ينظر إلى التحديات البيئية كمؤشر لأزمة معنوية وأخلاقية". 

ولفت القادري إلى أن من أوجه الإعجاز القرآني الإشارة إلى تفاقم حالة تلوث البيئة التي تعيشها البشرية الآن وآثارها وعلاجها في قوله تعالى: ''ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ''(الرّوم - 41).

وبين أن الحديث النبوي الشريف تعامل مع مختلف الجوانب البيئية، بما في ذلك الحفاظ على الموارد، وأن رسول الله صلى الله عليه و سلم  كان يذم الإسراف والترف، ويشجع على الاعتدال في جميع مناحي الحياة، موردًا مجموعة من الأحاديث النبوية منها قوله صلى الله عليه وسلم "إنَّ الدُّنيا حلوةٌ خَضِرة، وإنَّ الله مُسْتَخْلِفُكُمْ فيها، فَيَنْظُرُ كيفَ تَعْمَلُونَ." – رواهُ مُسلم. 

وأضاف  أنه من أجل حماية الأراضي والغابات والحياة البرية، أنشأ  الرسول صلى الله عليه وسلم مناطق لا يمكن انتهاكها، تعرف باسم “الحرام” أو “الحمى”، تُتْرَكُ فيها الموارد دون أي مساس، بما في ذلك الآبار ومصادر المياه لحماية المياه الجوفية، وتحديد مساحة من الأراضي كان الرعي وتقطيع الأخشاب فيها مقيدًا، أو  كانت بعض أنواع الحيوانات (مثل الجمال) فيها محمية.

وأكد أن المحافظة على البيئة واجب ديني والتزام اجتماعي، وأنه ليس مسألة اختيارية، مفسرًا ذلك بأن استغلال مورد طبيعي معين مرتبط مباشرة بالمساءلة عنه أمام الحق والخلق والالتزام بالحفاظ عليه والتأكد من ديمومته أيضًا.

وأوضح أن النظرة الإسلامية  تدعو العالم إلى الانتقال إلى مجتمع واقتصاد مستدام من خلال تبني تنمية مسؤولة واحترام مبادئ الاستدامة، وأن هذا يتطلب  إحداث نقلة في القواعد والأخلاق والممارسات  ليصبح  الجانب الروحي والأخلاقي للدين جزءاً قوياً من الحل.  

ودعا الى الرجوع إلى تطبيق القيم الأخلاقية و تجسيدها في صور مبادئ تهدف إلى تعزيز التعاون والتضامن بين الأفراد والمجتمعات من أجل المحافظة على الموارد الأساسية للحياة، كتطبيق عملي لمعنى كلمة الإحسان التي تتضمن معنى التعامل مع البيئة بمسؤولية.

وتابع موضحا أنه يدخل في حكم  الإحسان، الإحسان إلى الإنسان وحماية حقوقه، وكذا الإحسان بالحيوان والنبات والأشجار وحمايتها من كل الأضرار و حتى الجمادات بما فيها من جبال ووديان ومبانٍ وطرق ومظاهر للتحضر، وعمومًا الإحسان بالأرض التي نعيش عليها ونمشي في مناكبها ونأكل من رزق الله فيها.

وأشار إلى ربط ابن خلدون في الفصل الخمسين من مقدمته  بين تفشي الأمراض البيئية في المدن كضيق التنفس مثلا وأثره على صحة المواطن الجسدية وصحته النفسية معا، وأنه بقدر ما يضيق التنفس تضيق معه النفس والتفكير وتسوء الأخلاق وتظهر على الناس مظاهر الاضطراب العصبي والاكتئاب، وأنه ربط كل هذه الأمور بمدى مراعاة الحالة البيئية للمدينة والمخطط البيئي الشامل لها والكفيل بضمان الحياة السعيدة والرغيدة والآمنة لساكنتها.    

وشدد على أن العبرة ليست في مجرد الاعتراف بقيم عليا ومفاهيم نظرية كلية، وإنما بتقديم رؤية متكاملة ومتضافرة لقيم صالحة للتنزيل على أرض الواقع ومساعدة الإنسان على التكيف مع متطلبات زمن غلبت عليه توالي الأزمات من خلال رؤية كلية تكاملية ضامنة لصلاحية تلك القيم على التنزيل وفق رؤية تمكن الإنسان من تمثلها وتنزيلها على ظروفه المختلفة.

ودعا الى العمل على إحياء مؤسسة الوقف عن طريق خلق صناديق خضراء تعنى بدعم التحول إلى الاقتصاد المستدام و تشجيع الابتكار الأخضر (الاجتهاد) واعتماد نمط حياة (باب جهاد النفس) مستوحى من مقومات الطبيعة وثراتنا وثقافتنا.

وأردف موضحًا، نمط يتوافق مع تعاليم السنة النبوية و القيم الروحية والأخلاقية لديننا الحنيف ومن تفاؤل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حين قال "إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ، وَفِي يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا".

وأكد على أن ضرورة الاهتمام ببيئة الباطن وسلامة القلب وتزكية النفس، والذي يثمر الاهتمام ببيئتنا وبمحيطنا و الاهتمام بالأرض كضرورة ملحة لتتحقق مسؤولية الأمانة المنوطة بالإنسان، مصداقا  لقوله تعالى "إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا " (الأحزاب - 72).