رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كوبرى قصر النيل!

الذكرى التاسعة والثمانون لافتتاح «كوبرى قصر النيل»، بوضعه، شكله، تصميمه واتساعه الحالى، حلّت أمس، الإثنين، غير أن «مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار»، التابع لمجلس الوزراء، خلط سنة افتتاح الكوبرى الحالى بيوم افتتاح نسخته القديمة، أو قام بدمجهما، واخترع تاريخًا جديدًا، ثم كسر قواعد الجمع والطرح، فى تدوينة عجيبة، قال إن مصدرها البوابة الإلكترونية لمحافظة القاهرة!.

مع بوستر يضم صورتين للكوبرى، إحداهما حديثة نسبيًا والأخرى تعود إلى سنة ١٩٠٦، وعنوان يقول «١٥٣ عامًا على إنشاء كوبرى قصر النيل»، كتب «مركز المعلومات» فى صفحته الرسمية على فيسبوك: «بدأ العمل فى إنشاء كوبرى قصر النيل عام ١٨٦٩، مستغرقًا قرابة ٣ سنوات، والذى ترجع فكرة إنشائه للخديوى إسماعيل، حيث عهدت الحكومة المصرية لشركة فرنسية مهمة إنشائه، ليُفتتح فى السادس من يونيو عام ١٨٧٢. يتميز الكوبرى بـ٤ تماثيل للأسود من البرونز، من تصميم الفنان الفرنسى هنرى ألفريد جاكمار».

بحسب تلك التدوينة، وبحسبة بسيطة، من المفترض أن تكون ١٥٠ سنة، وليس ١٥٣ سنة، قد مرت على إنشاء الكوبرى. فى حين أن تلك الذكرى، كان موعدها ١٠ فبراير الماضى، وليس أمس. إذ إن الكوبرى، الذى تم افتتاحه فى ٦ يونيو ١٩٣٣، وقامت بتنفيذه «شركة إنجليزية»، هو كوبرى آخر، كان اسمه «كوبرى الخديو إسماعيل»، أقيم على أنقاض «كوبرى قصر النيل»، الذى «عهدت الحكومة المصرية لشركة فرنسية مهمة إنشائه»، والذى تم افتتاحه فى ١٠ فبراير ١٨٧٢، ليكون أول كوبرى يعبر النيل. 

مع بدء بناء «قصر الجزيرة»، سنة ١٨٦٥، الجزء المركزى من فندق ماريوت، حاليًا، أمر الخديو إسماعيل بإقامة كوبرى يصل بين القاهرة والجزيرة، أسند تصميمه إلى الفرنسى جورج- أوجين هاوسمان، وبدأت شركة «فيف ليل» الفرنسيّة فى تنفيذه سنة ١٨٦٨، بطول ٤٠٦ أمتار وعرض عشرة أمتار ونصف المتر، منها متران ونصف المتر للرصيفين الجانبيين، وتم افتتاحه فى ١٠ فبراير ١٨٧٢، أما الأسود الأربعة، فكان من المقرر وضعها أمام بوابتى حديقة الحيوان، أو حول تمثال محمد على بالإسكندرية، كما ذكرت ليزلى لبابيدى فى كتابها «قصص شوارع القاهرة»، لكن الخديو توفيق قرر وضعها على مدخلى الكوبرى. 

المهم، هو أن هذا الكوبرى تم هدمه، أو تفكيكه، بعد ٦٠ سنة من إنشائه، وتم استخدام أجزائه فى بناء كوبرى جديد، عرضه ٢٠ مترًا، صممه الإنجليزى «رالف فريمان»، وقامت بتنفيذه شركة «دورمان لونج» الإنجليزية، ووضع الملك فؤاد حجر أساسه فى ٤ فبراير ١٩٣١، وأطلق اسم والده عليه، وقالت لافتة افتتاحه: «كوبرى الخديو إسماعيل، أنشئ فى عهد حضرة صاحب الجلالة الملك فؤاد الأول، وافتتحه جلالته يوم الثلاثاء ١٣ صفر سنة ١٣٥٢: ٦ يونيو ١٩٣٣»، وأضيف إلى مدخليه أربع منارات خلف الأسود الأربعة.

ظل الكوبرى معروفًا بهذا الاسم، حتى قامت ثورة ٢٣ يوليو، وأعادت إليه اسمه القديم: كوبرى «قصر النيل»، القصر الذى بناه محمد على لابنته «نازلى»، أو لأختها «زينب»، فى روايات أخرى، وهدمه سعيد باشا ليبنى مكانه ثكنات للجيش، احتلها الإنجليز، سنة ١٨٨٢، وحل محلها، بعد الثورة، مبنى جامعة الدول العربية، وفندق النيل هيلتون، ريتز كارلتون حاليًا، ومبنى الاتحاد القومى، الاتحاد الاشتراكى، ثم الحزب الوطنى، رحمه الله.

.. وتبقى الإشارة إلى أننا لم نجد فى «البوابة الإلكترونية لمحافظة القاهرة» أثرًا، أو أصلًا، لتاريخ ٦ يونيو ١٨٧٢، الذى ابتكره، أو اخترعه، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، بل وجدنا نبذة عن «كوبرى قصر النيل»، فى قسم «معالم حديثة»، تزعم أن تسمية الكوبرى جاءت «نسبة لقصر الأميرة نازلى هانم بنت محمد على باشا، المسمى بهذا الاسم، وحاليًا مبنى وزارة الخارجية سابقًا»، بينما الثابت، تاريخيًا وواقعيًا، هو أن القصر، الذى كان مقرًا لوزارة الخارجية، والمعروف حاليًا باسم «قصر التحرير»، هو قصر الأميرة نعمة الله، ابنة الخديو توفيق، الذى تم بناؤه بعد ثلث قرن، على الأقل، من إنشاء الكوبرى القديم!.