رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زيارة الرئيس البولندى

العلاقات المصرية البولندية، تمتد تاريخيًا لمائة سنة، إلا قليلًا. لكن منذ قيام الجمهورية البولندية الثالثة، فى ٣١ ديسمبر ١٩٨٩، لم يزر مصر إلا الرئيس ليخ فاوينسا، سنة ١٩٩٢، ثم أندجيه دودا، الرئيس الحالى وسادس رؤساء الجمهورية الثالثة، لو استبعدنا رئيسين حكما بالوكالة، ليوم واحد، ولأقل من شهر، بعد وفاة الرئيس الرابع ليخ كاتشينسكى، فى أبريل ٢٠١٠، إثر تحطم طائرته، بالقرب من مدينة سمولينسك الروسية.

مرشحًا عن حزب العدالة والقانون، أكبر الأحزاب البولندية، خاض «دودا»، Andrzej Duda، انتخابات ٢٠١٥ الرئاسية، وتفوق على الرئيس السابق برونيسواف كوموروفسكى. وفى ٦ أغسطس ٢٠٢٠، أدى اليمين الدستورية أمام الجمعية الوطنية، فى جلسة مشتركة لمجلسى النواب والشيوخ وبدأت ولايته الثانية. وأمس الأول الإثنين، قام بزيارته التاريخية إلى القاهرة، وعقد معه الرئيس عبدالفتاح السيسى مباحثات منفردة أعقبتها مباحثات موسعة بين وفدى البلدين، ثم شاركه الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، مراسم افتتاح «منتدى الأعمال المصرى- البولندى»، بحضور عدد من الوزراء والمسئولين ورجال الأعمال من البلدين.

البولنديون، كما قال دودا، يرون مصر أقرب الدول العربية إليهم. ومنذ منتصف ٢٠١٤، وفى إطار سعيها إلى توسيع نطاق التعاون مع الدول والتجمعات الإقليمية والدولية، التى تربطنا بها علاقات جيدة، أو تلك التى تحتل مكانة متنامية على خريطة العالم السياسية والاقتصادية- أولت القيادة المصرية، اهتمامًا بالغًا بتطوير التعاون مع بولندا، وبتجمع دول «فيشجراد»، الذى يضم إلى جانبها ثلاث دول صديقة، تتشابه معنا فى الفكر والأولويات: التشيك، المجر، سلوفاكيا، والذى صار واحدًا من أقوى التحالفات العسكرية والسياسية والاقتصادية فى أوروبا، بعد انضمام الدول الأربع، فى أبريل ٢٠٠٤، إلى الاتحاد الأوروبى.

زيادة حجم التبادل التجارى بين مصر وبولندا إلى الضعف من سنة ٢٠١٥ إلى ٢٠١٦، وبنسبة ١٤٪ من ٢٠٢٠ إلى ٢٠٢١، تعد مؤشرًا إيجابيًا، وتشجع البلدين على تعزيز الاستثمارات المشتركة. كما يشجعهما أيضًا تفعيل وتنفيذ الاتفاق الإطارى الذى وقعته الهيئة الاقتصادية لمنطقة قناة السويس، ومنطقة «كاتوفيتسا» الاقتصادية البولندية، فى ٧ يونيو ٢٠٢١، لإقامة منطقة صناعات بولندية. بالإضافة إلى مذكرات التفاهم، التى تم توقيعها أمس الأول، خاصة تلك التى وقعتها الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، والوكالة البولندية للاستثمار والتجارة، سعيًا إلى إنشاء إطار عملى يساعد فى تنفيذ أهداف التنمية المستدامة فى كلا البلدين.

سُبل المضى قدمًا فى تعزيز وتنمية العلاقات الثنائية فى مختلف المجالات، تناولتها مباحثات رئيسى البلدين، وتم التوافق على تكثيف الزيارات الثنائية المتبادلة على مختلف المستويات، بهدف تعميق التعاون على جميع الأصعدة، خاصة فى الشق الاقتصادى، وزيادة حجم التبادل التجارى، ونقل التكنولوجيا وتوطين الصناعة البولندية فى مصر، إلى جانب مجالات السياحة والتحول الرقمى والطاقة الجديدة والمتجددة. 

مباحثات الرئيسين تناولت أيضًا عددًا من قضايا منطقة الشرق الأوسط، وجهود مصر للقضاء على الإرهاب، و... و... واستعرض الرئيس السيسى الموقف المصرى إزاء الأزمة الأوكرانية، الذى يقوم على أساس تناول كل السبل المؤدية إلى التهدئة والتوصل إلى حل سلمى للنزاع وبذل كل الجهود من أجل تحقيق ذلك، سواء على المستوى الثنائى أو الإقليمى أو الدولى. وفى ختام المباحثات، شهد الرئيسان مراسم التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم فى مجالات التعاون الاقتصادى، والتدريب الدبلوماسى، والرياضة، والبحوث الزراعية.

الأزمة الأوكرانية وتداعياتها السلبية غير المسبوقة على اقتصاد العالم، كبّدت الاقتصاد المصرى خسائر مباشرة تقدر بنحو ١٣٠ مليار جنيه، وغير مباشرة بنحو ٣٣٥ مليار جنيه، والرقمان على عهدة رئيس مجلس الوزراء، الذى تحدث، خلال افتتاح «منتدى الأعمال المصرى- البولندى»، عن الإجراءات، التى اتخذتها الدولة المصرية لمواجهة تلك التداعيات، وأشار إلى أن الإصلاحات الاقتصادية، التى تم تنفيذها منذ سنة ٢٠١٦، نجحت فى تعزيز مرونة الاقتصاد المصرى، وجعلته أكثر قابلية لامتصاص الصدمات. 

.. وتبقى الإشارة إلى أن العلاقات الدبلوماسية المصرية البولندية بدأت سنة ١٩٢٧‏، فى عهد حكومة عبدالخالق ثروت، والرئيس إيجناتسى موشتشيتسكى، رابع رؤساء الجمهورية البولندية الثانية. وبينما تقف مصر، الآن، على عتبات الجمهورية الثانية، تسعى بولندا إلى الانتقال للجمهورية الرابعة.