في ذكراها الـ137.. محطات وأسرار حياة منيرة المهدية

137 عاما مرت على ميلاد الفنانة منيرة المهدية، التي ولدت في 16 مايو لعام 1885، بقرية المهدية بمركز ههيا التابع لمحافظة الشرقية، وحققت خلال مسيرتها نجاحا كبيرا، فكانت أول سيدة تقف على خشبة المسرح في مصر والوطن العربي، وأول مغنية عربية سجل لها إسطوانات موسيقية، واشتهرت بلقب "سلطانة الطرب".

وبهذه المناسبة؛ نرصد محطات وأسرار من حياة منيرة المهدية بحسب ما جاء في الكتب..

فكتاب "منيرة المهدية.. سلطانة الطرب وصاحبة الصوت الشجي" للدكتور محمود محمد علي، أستاذ الفلسفة بجامعة أسيوط، قال إن منيرة المهدية هي سلطانة الطرب التي كان لها جمهور في كل بقاع الأرض بلا مبالغة، ويتمنى الباشوات التقرب منها، ويتسابق الصحفيون والنقاد للكتابة عنها، حتى ينالوا الرضا، فتدعوهم إلى كازينو "نزهة النفوس" أو عوامتها الخاصة.

خلال صفحات الكتاب تطرق  إلى بعض السمات التي تحلت بها، ومنها كبريائها التي قالت عنه: إنه لا يعرف له حدود، فهي الأولى على المستوى الفني والسياسي والأشهر بين فنانين عصرها بالقطر العربي، وصاحبة أشهر فرقة غنائية استعراضية في الشرق، والتي كتب عنها الشعراء العرب مزيدا من أشعار المديح لها، كما أصبحت ماركة دخان شهيرة في سوريا.

وعن دخولها تاريخ الفن كشف مؤلف الكتاب عن أنها دخلت ببصمة لن تغيب، فبعدما كانت أول سيدة تقوم بتسجيل أسطوانات، ثورة ذلك العصر، كانت أول امرأة تقف على خشبة المسرح وتؤدي دور رجل وكان ذلك عام 1915، مستطردا: ففي رواية للشيخ سلامة حجازي مع فرقة عزيز عيد كان ظهورها بملابس رجالية لتؤدي شخصية تحمل اسم حسن، وقد حققت المسرحية نجاحا ساحقا لكتابة اسمها على إعلانات المسرحية ممثلة مصر الأولى، ولم تكتف ابنة الشرقية بنجاحها الفريد بقطرها المصري، ولكن انطلقت للخارج عقب ثورة 19، وظلت تنتقل بين الشمال العربي الإفريقي والآسيوي من المغرب إلى العراق على مدار ثلاث سنوات، وخلال تلك الفترة تلقت أول قصيدة مدح لها ولفنها من الشاعر العراقي معروف الرصافي، وفي سوريا ولشهرتها الطاغية استغل تاجر دخان الفرصة وأطلق اسمها على علبة سجائر "دخان منيرة".

وفي كتاب "صفحات من مذكرات نجيب محفوظ" للكاتب رجاء النقاش، تحدث أديب نوبل عن آخر حفلة لمنيرة المهدية، التي كان حاضرا لها قائلا: في بداية عصر أم كلثوم كانت توجد مطربة أعتبرها من أجمل الأصوات النسائية التي عرفتها مصر، وهي منيرة المهدية، فصوتها من نفس طبقة صوت أم كلثوم أو أقل درجة، وقد شاهدت منيرة المهدية واستعمت إليها مرتين، الأولى في مسرح رمسيس في أحد العروض المسرحية مع يوسف بك وهبى، والثانية في إحدى حفلاتها العامة وكان معي صديقي "إبراهيم فهمي دعبس"، واكتشفنا أننا الشابان الوحيدانن بن جمهور حفلة منيرة المهدية، أما باقي الحاضرين فقد كانوا من كبار السن، مما أدهش صديقي إبراهيم فسألني "ما الذي جعلك تأتي بنا وسط هؤلاء العجائز؟"، وعندما غنت ظهر عليها التأثر بتقدم العمر، فكانت تغني قليلا وتسعل قليلا، إلى أن أتمت الحفل، وأعلنت بعده اعتزالها الغناء، فكان لي شرف حضور آخر حفلة لها، التي حملت لها في قلبي إعزازا بالغا.

وأضاف: قد أسست منيرة المهدية مجدها على خشبة المسرح، عندما كان المسرح في أوج ازدهاره وعظمته، ويعود الفضل في شهرة عبد الوهاب الأولى إلى منيرة المهدية، فبعد الموت المفاجئ لسيد درويش دون أن يتم ألحان مسرحية "كليوباترا"، أسندت منيرة إلى عبدالوهاب مهمة إكمال الألحان، كما أسندت إليه القيام بدور البطولة الرجالية أمامها، وكان عبدالوهاب لا يزال شابا صغيرا في سن أبنائها، وكانت هذه الفرصة نقطة فاصلة في حياة محمد عبدالوهاب دفعته كثيرا إلى الأمام، ووفرت عليه سنوات من المعاناة.

أما كتاب "السلطانة منيرة المهدية.. والغناء في مصر قبلها وفي زمانها" للدكتورة رتيبة الحنفي، تعرضت فيه لأشكال الغناء، والمسرح الغنائي في مصر، والذي اتخذ أساليب وأنماطا مختلفة خلال العصور التاريخية والاجتماعية اقديمة التي اجتازتها مصر، وعاش فيها شعبها، كما تعرض في هذا الكتاب لبعض الشخصيات التي ساهمت في النهوض بالمسرح الغنائي، والأجواء المحيطة بهم، مع تخصيصه للجزء الثاني في لشخصية لعبت دورا مهما في فن الغناء، ويرجع إليها فضل كبير في النهوض بالمسرح الغنائي، هذه الشخصية هي منيرة المهدية، ويتناول الكتاب أيضا سيرة المطربة منيرة المهدية ورحلاتها وعلاقتها بكبار السياسيين والأدباء والمفكرين ويتناول أيضا أعمالها الفنية سواء كانت الأعمال المسرحية وأسلوبها في الغناء وعلاقتها بأم كلثوم ويذكر الأوسمة التي حصلت عليها.

وبين صفحات الكتاب استعرضت الدكتورة رتيبة الحنفي دور منيرة المهدية في المسرح الغنائي أثناء ثورة 1919، قائلة إنها تزعمت حركة وطنية عن طريق مسرحها الغنائي طوال ثورة 19، واستغلت في ذلك حب الناس لها واستسلام الإنجليز أمام شعبيتها، فتم استثناء كازينو "نزهة الفردوس" من قرار إغلاق المقاهي في أعقاب الحرب العالمية الأولى، كما استغلت علاقاتها بكبار رجال السياسة ولجأت إلى الأغاني الوطنية لحث الناس على استقلال بلادهم، لدرجة تحايلها على قرار قائد الاحتلال بإصدار أمر عسكري يسجن كل من يذكر اسم سعد زغلول، إلا أنها محايلتها نجحت من خلال الغناء لسعد زغلول دون أن تلفظ اسمه بأغنيتها الشهيرة "شال الحمام حط الحمام... من مصر السعيدة لما السودان.. زغلول وقلبي مال إليه... أندهله لما أحتاج إليه".

حياة منيرة المهدية كانت مليئة بالغرائب، ورصد كتاب "المنسي في الغناء العربي" لزياد عساف، حادثة غريبة في حياة "سلطانة الطرب" وهي توسطها لإطلاق سراح شاب يدعى "محمود جبر" الذي كان يعتاد حضور حفلاتها بشكل مستمر، وفكرت في حيلة للإفراج عنه، وخاصة بعد أن أخبرها المعتمد البريطاني أن هذا لم يحدث إلا إذا كان خطيبها وتريد الزواج منه، وهو ما أشارت إليه حتى يطلق سراحة، وحضر المأذون الشرعي وعقد قرانهما في مكتبه بشهادة اثنين من موظفي دار الحماية البريطانية، إلى أن انتهى هذا الزواج بعد مرور أربع سنوات.